التعليق على تفسير الجلالين : (( خلق السموات والأرض بالحق )) متعلق بخلق (( يكور )) يدخل (( اليل على النهار )) فيزيد (( ويكور النهار )) يدخله (( على اليل )) فيزيد (( وسخر الشمس والقمر كل يجرى )) في فلكه (( لأجل مسمى )) ليوم القيامة (( ألا هو العزيز )) الغالب على أمره المنتقم من أعدائه (( الغفار )) لأوليائه . حفظ
وقوله: " (( بالحق )) متعلِّق بـ(خلق) " يعني أنَّ خلقَه إياها بالحق، الحق أي أنه خلقَها حقًّا لا خالقَ لها غيره هذه واحدة، والثاني بالحق أي مِن أجل الحق لا باطلًا، كما قال تعالى: (( ومَا خَلَقْنَا السَّمَاوات وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا )) السماوات أو السماء؟ (( ومَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا )) وقال تعالى: (( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ )) وصدق الله عز وجل فإنَّ في خلْقِ السماوات والارض مِن الحق ما هو ظاهر، فبهما يُعرَف الله عز وجل وتظهر آياته الكونية وآياته الشرعية، وبهما يعيش الخلق ولا يمكننا في هذا المجلس أن نحصُر ما في خلق السماوات والأرض مِن الحق، (( يكَوِّرُ الليل على النهار ويكور النهار على الليل )) قال المؤلف: " (( يُكَوِّر )) يُدْخِل " ولا شك أنَّ الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل كما في الآيات الأخرى، ولكن هل معنى التكوير هنا الإيلاج أنه يُدخِل النهار على الليل فيطول ويُدْخِل النهار على الليل فيطول؟ [كذا] ظاهِرُ اللفظ يأبى ذلك، لأن الله قال: (( يكور )) والتكوير التدْوِير التكوير هو التدوير ومنه كَوْرُ العمامة أي لَيُّهَا لَيَّاتُهَا تُسَمَّى أَكْوَارًا فـ(يكور) يعني يُدِير الليل على النهار، وهذا يشبه قوله تعالى: (( يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا ))، وإذا كان هذا ظاهرَ اللفظ فإنَّ الواجب أن نُجْرِيَ اللفظَ على ظاهرِه لأنَّه أي الظاهر هو الذي يَتَبَادَر إلى ذِهْنِ السامع فإذا قال قائل: لماذا لا تجعَلُون الأمر كما قال المؤلف مِن أجل أن نُفَسِّرَ القران بالقرآن فنجعل (يكور) يعني (يولج) قلنا: هذا لا يصِح، لوجهين: الوجه الأول أنه خلاف ظاهِرِ اللفظ صح؟ وش ظاهِر اللفظ (يكور)؟ يُدَوِّر ويَطْوِي، وثانيًا أنه يفُوتُ به المعنى المستفاد مِن كلمة (يكور)، أما المعنى المستفاد من الإدخال فهذا يُعْرَف من الآيات الثانية، فحينئذ نستفيد فائدة جديدة غير فائدة الإدخال {يرحمك الله} واضح يا جماعة؟ طيب، أما كونه تعالى يدخل النهار في الليل ويدخل الليل في النهار فهذا شيء معروف ودلَّت عليه آياتٌ اخرى، (( ويكور النهار على الليل )) قال: " فيَزِيد (( وسخر الشمس والقمر )) ذَلَّلَهما " التسخير {يرحمك الله} بمعنى التَّذْلِيل يعني ذَلَّلَهُما لأي شيء؟ لمصالح العباد، بدليل قوله تعالى: (( وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَر )) إذًا التذليل هنا لمصلحة العباد، والشمس والقمر معروفان لا يحتاجان إلى تعريف، ولو أننا أردْنا أن نعَرِّفَهُما بما يُعَرِّفُه أهل الفلك لزدناهما غموضًا لو قلنا: إنَّ الشمس كتلةٌ نارية ملتَهِبَة إلى آخر ما قالوا لكان الناس يدَوِّرُون الشمس وش هي؟ وينها؟ كتلة؟ القمر أيضًا كتلة صخرية جامدة باردة مظلِمة إلى آخر ما قالوا أيضًا يذْهَب الذهن كل مذهَب، لكن إذا قلنا: الشمس ما نراها آية النهار والقمر آية الليل كلٌّ يعرفها أوضَح من كل شيء، (( سخر )) ذلَّلَهُما في جرَيَانِهِما وفي اختلاف هذه الجَرْي، فكونُهما يدوران على الأرض ويختلِفًان طولًا وقِصَرًا هذا لا شك أنَّه لمصالح العباد، (( كلٌّ يجري لأجل مسمى )) (كلٌّ) من أين؟ مِن الشمس والقمر، (يجري) أي يسير في فَلَكِه الفلَك الشيء المستدير وهما يدوران باستدارةٍ واضحة لكنَّها تختلف باختلاف الليل والنهار، وقوله: (( لأجل )) بمعنى إلى أجل أي غاية (لأجل) أي لغاية مسمَّى معين مِن قِبَل مَن؟ مِن قِبَلِ الله عز وجل، وهذا أجَلٌ مسمى قال المؤلف: يومَ القيامة ودليلُ ذلك قوله تعالى: (( إذا الشمس كُوِّرَت * وإذا النجوم انكدرت * وإذا الجبال سُيِّرَت )) الى أن قال: (( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ )) ومتى يكون هذا؟ يوم القيامة كما قال تعالى: (( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا )) فهذان يجْرِيان إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة ذهبَتْ حاجَة الناس إليهما وذهب ..
(( ألا هو العزيز الغفار )) (ألا) أداة استفتاح وتأتي للتنْبِيه وقوله: (هو) يعود على الله عز وجل و(العزيز) قال المؤلف: " الغالب على أمرِه المنتَقِم من أعدائه " وهذا أحد معاني العزة التي أثبتَها الله لنفسه وسبق أنَّ لها معنى ثانِيًا وثالثًا عِزَّة القدر وعزة الامتناع بالإضافة إلى عزة القهر، فالله سبحانه وتعالى مُتَّصِفٌ بالعزة كامِلًا قال تعالى: قل (( للهِ العزةُ جميعًا )) ألا (( إنَّ العزَّةُ للهِ جميعًا )) فجميع أنواع العزة ثابتَةٌ لله سبحانه وتعالى، وقوله: (( الغفار )) (الغفار) صيغة مبالغة من الغَفْر أو نسبَة، والغَفْر أو الغُفْرَان سَتْرُ الذنب والتجَاوز عنه ولا يكفي أنَّ نقول: إنَّ المغفرة أو الغفران هو التجاوز عن الذنب، لأنَّ المعنى المشتق منه يأبَى ذلك فالمغفرة مشتقة من المِغْفَر والمِغْفَر شيء يُوضَع على الرأس يقِيه مِن سهام الأعداء ففي هذا المغْفَر سَتْرٌ وايش؟ ووقاية ولهذا نقول في معنى الغفار: هو غافِر الذنب أي الذي يستُرُ الذنبَ ويتجاوز عنه