التعليق على تفسير الجلالين : (( خلقكم من نفس واحدة )) أي آدم (( ثم جعل منها زوجها )) حواء (( وأنزل لكم من الأنعام )) الإبل والبقر والغنم الضأن والمعز (( ثمانية أزواج )) من كل زوجين ذكرا وأنثى كما بين في سورة (( الأنعام )) [ 143 : 6 ]. حفظ
ثم قال الله عز وجل: (( خلقكم من نفسٍ واحدة )) الخطاب هنا لبني آدم (خلقكم) يعني يا بني آدم (من نفس واحدة) وهي آدم (( ثم جعل منها زوجها )) وصِفَة خلْقِ آدم أنَّ الله سبحانه وتعالى خلقَه مِن تراب، التراب هذا صار طينًا بإِذْنِ الله وبقي حتى صار كالفَخَّار له صلصة وصوت عند دَقِّه ثم بعد ذلك خَلَقَ الله منه آدم وبعد أن خلَقَ جُثَّةَ آدم نفخ فيه الروح فصار حيًّا سوِيًّا بشرًا، هذا هو أوَّل خِلْقَة الانسان كما دَلَّ على ذلك كتاب الله عز وجل، وأما القرود الذين زعموا أنَّ أصل الآدمي قِرْد فنحن نُسَلِّم لهم ذلك بالنسبة لهم أمَّا بالنسبة لنا فنحن -ولله الحمد- مِن بني آدَم بَشَر خلَقَ الله تعالى أبانا بيده وعلَّمَه أسماءَ كُلِّ شيء وأسجد له ملائكته، وأما هم فلهم ما أحبوا أن يرُدُّوا أنفُسَهم إليه نعم.
(( ثم جعل منها زوجها )) (ثم) للترتيب بمهلة، لأنَّ خلْقَ هذه الزوج متأخِّرٌ عن خلْق آدم فإن الله سبحانه وتعالى أبقاه مدةً حتى عرَفَ أنه محتَاجٌ الى زوجة ليسْكُنَ إليها فخلق الله له زوجَة وجعل هذه الزوجة مِن نفْس آدم وقول النبي عليه الصلاة والسلام في النساء: ( إنهن خُلِقْن من ضلع ) يقتضي أنَّ حواء خلقت مِن ضلع آدم والله على كل شيء قدير أن يخلُق بشَرًا من غير زوجة بل ومِن غيْر زَوْج فإن حواء خُلِقَتْ بلا أم ولا أب، وقوله: (( ثم جعل منها زوجها )) لا ينافي ما ذكَر الله تعالى في آية اخرى: (( وجعَل منها زوجها ))، لأنَّ الواو لِمطلق الجمع لا تقتَضِي ترتيبًا أو لا تستلزم ترتيبًا، لا تستلزم الترتيب فإذا جاءت آية أخرى فيها التصريح بالترتيب حُمِلَت الآية التي فيها الواو الدالة على مطلق الجمع حُمِلَت على ايش؟ على الترتيب، على أنَّ تقديمَ الشيء على الشيء في الذِّكْر وإن كان بالواو يقتضي أن يُقَدَّم هذا هو الأصل، ولهذا لَمَّا دنا النبي صلى الله عليه وسلم من الصفا حين أتى الى السعي قرأ: (( إنَّ الصفا والمروة مِن شعائر الله )) أبْدَأُ بما بَدَأَ الله به ) فبدأ بالصفا وهذا يدل على أنَّ ما قُدِّم في الذكر فهو متقَدِّمٌ على ما بعده رتْبَة أو زمنًا أو مكانًا حسب ما يقتضي الحال، لكن ليس هذا بلازم قد يتقدم ما بعد الواو على ما قبلَها ولا يُعَدُّ هذا تناقضًا لكن في قوله: (( ثم جعل منها زوجها )) لا يمكن أن نقول إن الجعْل هنا قبل خلق آدم، وقوله: (( ثم جعل منها )) (منها) (من) هذه للابتداء، و(منها) عينًا أو منها وصفًا؟
الطالب: وصفًا
الشيخ : الظاهر. الأمران، لأنها مِن آدم خُلِقَت وهي مثلُ آدم أيضًا فهي من نوعِه وهي أيضًا منه عينًا فهي جزء منه وبَضْعَةٌ منه ولهذا خطَب النبي صلى الله عليه وسلم النَّاس وأخْبَر أنَّ فاطمة بَضْعَةٌ منه، نعم، يقول: (( ثم جعلَ منها زوجَها )) والزوج يُطلَق على معان منها الصِّنْف كقوله تبارك وتعالى: (( وآخَرُ من شَكْلِه أزواج )) أي أصناف وكقوله تعالى: (( احشروا الذين ظلموا وأزْوَاجَهم )) أي أصنافَهم، ويُطْلَق الزَّوْج على ما سِوَى الفرد أي الشِّفْع فيقال: فَرد وزوج، وكلمة زوجَها هنا تشمل المعنيين فهي صِنْف من البشر وهي أيضًا زوج تَشْفَع آدَم بعد أن كان فَرِيدًا، (( ثم جعل منها زوجها )) هذا ابتداءُ خلْقِ الانسان قال:" (( وأنزل لكم من الأنعام )) الإبل والبقر والغنم والضأن والمعز (( ثمانية ازواج )) " (أنزل لكم من الأنعام) الإِنزال هنا بمعنى الخَلْق، لأَنَّها أُضِيفَت إلى أعيان وهي الأنعام، والأنعام جمع نَعَمَ كأسباب جمعُ سَبَب، وقوله: (( ثمانية أزواج )) أي ثمانية أصناف وقد بيَن الله هذه الأزواج في سورة الأنعام فقال: (( ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ )) ((وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ )) (( وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ )) الجميع ثمانية ذكر وأنثى مِن كل صنف من الأصناف الأربعة، وإذا ضربت اثنين في أربعة صارت ثمانية، (( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج )) قال المؤلف رحمه الله: " من كلٍّ زوجان ذكرٌ وأنثى كما بُيِّنَ في سورة الانعام "