تفسير قول الله تعالى : (( والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ... )) . حفظ
ثم قال الله تعالى: (( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ )) (الَّذِينَ اجْتَنَبُوا أي ابعدوا عن الطاغوت لأنه مأخوذ من الجَنْب وهو الشيء المنفَصِل عن الشيء تقول: إلى جانب فلان أي أنه منفصل غير متصل، (( والذين اجتنبوا الطاغوت )) أي ابْتَعَدُوا عنها والطاغوت اسْمٌ من الطغيان والتَّاء فيه للمبالَغَة فما هو الطَّاغوت الذي اشْتَقَّ من الطغيان؟ يقول ابن القيم رحمه الله:" الطَّاغوت كُلُّ ما تجاوز به العبد حدَّه من معبود أو متبُوع أو مطاع " (كل ما تجاوز به الانسان حدَّه) وإنما قال: (ما تجاوز به حده)، مِن أجل أن يصدُق عليه أنه طغيان (من معبود أو متبوع أو مطاع) فمثلًا الأصنام التي يعبدها الكفار تسمى طواغيت، المتبوعين من العلماء طواغيت، المطاعين مِن الأمراء كذلك أيضًا طواغيت، لكنَّه ليس على ظاهره كلام ابن القيم ليس على ظاهره المراد بالمعبود: الذي لا إرادة له كالأَصنام من الجمادات أو المعبود الذي رَضِيَ بعبادته، وأما المعبود الذي عُبِد وهو لا يرضى بالعبادة فلا يسمى طاغوتًا ولهذا لا يمكن أن نسَمِّي عيسى بن مريم طاغوت، وكذلك أيضًا المتبوع العلماء الذين لا يرضَون أن يعبدهم الناس ليسوا طواغيت، المطاع أيضًا الأمراء الذين لا يرضَون أن يعبدهم الناس لا يسمون طواغيت، فكلام ابن القيم ليس على إطلاقه، طيب ويمكن أن نقول إن قول ابن القيم: ( ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ) أنه عائد على العمل يعني أن الطاغوت عمَلُ الانسان في معبوداته أو مَن يطيعهم أو من يتَّبَعِه يعني معصيةُ الله في طاعة هؤلاء فيكون الوصف بالطغيان عائدًا على الفعل لا على المفعول وحينئذ نسلَم من الإشكال الذي قلنا إنه لا بد أن يُقَيَّد المعبود والمتبوع والمطاع بأنه راضٍ، على كل حال إن الطاغوت مأخوذ من الطغيان وهو مجاوَزَة الحد والصِّيغة فيه صيغَة مبالغة.