التعليق على تفسير الجلالين : (( الله نزل أحسن الحديث كتابا )) بدل من أحسن أي قرآنا (( متشابها )) أي يشبه بعضه بعضا في النظم وغيره (( مثاني )) يثنى فيه الوعد والوعيد وغيرهما (( تقشعر منه )) ترتعد عند ذكر وعيده (( جلود الذين يخشون )) يخافون (( ربهم ثم تلين )) تطمئن (( جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله )) أي عند ذكر وعده (( ذلك )) أي الكتاب (( هدى الله يهدى به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد )). حفظ
نرجع إلى كلام المؤلف رحمه الله فيقول (( الله نزل أحسن الحديث كتابا )) بدل من أحسن أى قرآنا قوله بدلا من أحسن مر علينا أنه يصح أن يكون بدلا أو عطف بيان بشرط أن يوصل بما بعده كتاب متشابه وذلك لأن عطف البيان يكون مبينا للمعطوف عليه ولهذا سمى عطف بيان ولا يكون مبينا إلا إذا جعلنا متشابها صفة صفة لازمة وقوله (( متشابها )) أى قرآنا هذا التفسير تفسير لفظ أو معنوى ؟ هذا تفسير لفظى أو معنوى ؟
الطالب : ...
الشيخ : إذا أردنا أن نفسر تفسيرا لفظيا أتينا باللفظ نفسه أو معنويا أتينا بالمعنى ، فهنا هل أتى بتفسير اللفظ نفسه فقال كتابا أى مكتوبا أو أتى بالمعنى؟
الطالب : بالمعنى
الشيخ : بالمعنى فالمراد بالكتاب هنا القرآن فالمؤلف رحمه الله فسرها تفسير معنويا أى فسرها بالمراد منها متشابها قال أى يشبه بعضه بعضا فى النظم وغيره يشبه بعضه بعضا فى النظم لا يراد بالنظم هنا ما يقابل النثر فإن القرآن ليس شعرا لكن فى النظم النظم نظم الكلام وتنظيمه حتى يكون مشبها بعضه ببعض يقول (( مثانى )) ثنى فيه بالوعد والوعيد وغيرهما يعنى يؤتى بالوعد ثم يعقبه الوعيد يؤتى بذكر النار ثم يعقبه ذكر الجنة يؤتى بصفات المؤمنين ثم يؤتى بصفات غيرهم انظر الى قوله تعالى (( الله ولى الذين آمنوا ))من ضدهم الذين كفروا (( والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت )) وانظر إلى قوله (( فمنهم شقي وسعيد )) وانظر إلى قوله (( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه )) وانظر الى قوله فى سورة الكهف لما ذكر ما للمؤمنين من ثواب فى الجنة ذكر ما للكفار من العقاب فى النار والان الامثال فى هذا كثيرة جدا (( تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم )) قال المؤلف تقشعر ترتعد عند ذكر وعيده (( جلود الذين يخشون ربهم )) يخافون ربهم قوله تقشعر منه جلود أى عند ذكر الوعيد أو ذكر النار أو ما يشبه الخوف والفزع كذكر ما حل بقوم نوح وقوم لوط وغيرهم ثم يقول(( يخشون )) يخافون وهذا التفسير ضعيف لأنه فسر المعنى بما دونه إذ قلنا أن الخشية هى الخوف مع العلم ، واستدللنا بذلك واستدللنا لذلك بقوله تعالى (( إنما يخشى الله من عباده العلماء ))فلو أن المؤلف قال يخشون ربهم خوفا مبنيا على العلم بعظمته لكان التفسير صوابا ، لكن الآن نعتبر التفسير قاصرا (( ثم تلين )) تطمئن ولكن لا شك أن تفسير أن ذكر اللين أبلغ من ذكر الطمأنينة لأن القشعريرة تقتضى ان نشوذ الجلد وارتفاعه وتصلبه والذى يقابل ذلك اللين والطمأنينة فتفسير المؤلف أيضا اللين بالطمأنينة تفسير باللازم فى الواقع وإلا فان اللين غير الطمأنينة ،لأن الجلد إذا اقشعر يتصلب ولهذا تجد أطراف الإنسان تبرد لانحسار الدم عنها بعض الشىء فإذا هدأ الروع فإنه يلين ويزول بذلك التصلب، (( ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله )) لين القلب ضد قسوته يعنى عندما يسمعون الوعيد تقشعر الجلود وتنفر القلوب ثم بعد ذلك تلين الجلود والقلوب (( إلى ذكر الله )) قال المؤلف أى عند ذكر وعده ولكن الصواب أنها إلى ذكر الله مطلقا حتى الوعيد إذا تأمله الإنسان وهدأت نفسه بعد أن ورد عليه ما يخوفه فانه يلين حتى للوعيد فقوله فتخصيص المؤلف ذلك بذكر الوعد فى النفس منه شىء، ومع ذلك فله وجه إذا كان القرآن مثانى ثم جاء ذكر النار وجاء بعده ذكر الجنة لانت القلوب أو ذكر أهل النار وجاء بعده ذكر أهل الجنة لانت القلوب أيضا وقوله(( إلى ذكر الله )) لم يقل لذكر الله بل قال إلى إلى ذكر الله وكأن هذا اللين صار له وقاية وهو ذكر الله عز وجل وقوله (( إلى ذكر الله )) هل هو من باب إضافة المصدر إلى الفاعل يعنى إلى ما ذكرهم الله به أو من باب إضافة المصدر إلى المفعول به أى إلى ذكرهم الله الجواب هذا وهذا الكلمة صالحة لهذا وهذا أى إلى ذكرهم لله أو ما ذكرهم الله به وهو القرآن الذى جعله الله مثانى (( ذلك هدى الله )) ذلك أى الكتاب(( هدى الله يهدى به من يشاء )) أفادنا المؤلف رحمه الله أن الاشارة فى قول ذلك تعود إلى الكتاب وعلى هذا فيكون المراد بالهداية هنا هداية الدلالة فإن القرآن هدى بمعنى أنه دال على كل خير بل على كل شىء لقوله تعالى (( ولو أنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل لشىء )) وقول(( يهدى به )) هنا الهداية هداية الدلالة والتوفيق لأنها أضيفت إلى الله عز وجل والله سبحانه وتعالى بيده الهدايتان والباء فى قوله (( يهدى به )) لم يبين المؤلف معناها ولكن معناها السببية أى بسبب(( من يشاء )) ومن (( يضلل الله فما له من هاد ))