تفسير قول الله تعالى : (( قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون )) . حفظ
فيقول الله: (( قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمه هل هن ممسكات رحمته )) يعنى: اسألهم سؤالا آخر إذا أقروا بأن الخالق هو الله قل لهم أخبروني ما تدعون من دول الله، (( تدعون )) يقول المؤلف: " تعبدون " ويحتمل أن يكون المراد به دعاء المسألة، لأن الدعاء يطلق على معنين: المعنى الأول دعاء المسألة والثاني دعاء العبادة.
فمن الأول قوله: هل من سائل فأعطيه هل من داع فأستجيب له، وقوله: (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان )) هذا دعاء مسألة. ومن الثاني وهو دعاء العبادة قوله تعالى: (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )) هؤلاء القوم يدعون من دون الله، يدعون من دون الله دعاء مسألة أو دعاء عبادة ؟
الطالب : عام
الشيخ : نعم عام . يدعون من دون الله دعاء مسألة ودعاء عبادة، أخبرونا عن هذه الأصنام التي تدعونها من دون الله هل ينفعن من دعاهن ؟ هل يجلبن النفع أو يدفعن الضر؟ (( إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره )) إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره ؟ الجواب لا، لا يدفعن الضرر إذا أراد الله (( أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته )) الجواب لا. إذا كيف تعبد من دون الله ؟ كيف تدعا من دون الله ؟ والله عز وجل إذا أراد بي ضرا لم يملكن دفعه، وإذا أرادني برحمة لم يملكن إمساك هذه الرحمة. الجواب يقول: " لا ".
(( قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون )) يعني لا يهمني أن تهددوني بهذه الأصنام فإن حسبي الله أي كافيني عمن سواه.
والجملة في حسبي الله يجوز أن يكون فيها تقديم وتأخير، فنعرب حسبي خبر مقدم والله مبتدأ مؤخر، ويجوز أن نقول حسبي مبتدأ والله خبر، ويختلف المعنى، يختلف هذا الإعراب بإختلاف المعنى، فإن أردت أن تخبر عن الحسب بأنه الله فاجعل الحسب ؟ إن أردت أن تخبر عن الحسب بأنه الله فاجعل الحسب مبتدأ. وإن أردت أن تخبر عن الله بأنه الحسب ؟ فاجعل حسبي خبرا مقدما، والآية من حيث المعنى صالحة لهذا وهذا، فالله هو الحسب والحسب هو الله، ليس لنا حسب سوى الله، والله سبحانه وتعالى حسبنا وكافينا.
(( قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون )) التوكل: هو الإعتماد على الله عز وجل في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة بالله سبحانه وتعالى، هذا هو التوكل، الاعتماد على الله اعتمادا حقيقيا صادقا في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به هذا هو التوكل.
وهو من العبادة الخاصة بالله كما قال تعالى: (( وعلى الله فليتوكل المؤمنون )) أي على الله وحده، وأما توكل غير العبادة فإنه يجوز للإنسان أن يتوكل على غيره فيما وكله فيه، كما لو قلت لفلان: وكلتك تشترى لي كذا وكذا. فأعتمد عليه في الشراء، وهذا ليس توكل عبادة لأن المتوكل في هذه الصورة لا يشعر بأنه أدنى مرتبة من الوكيل، بل قد يشعر بأنه إيش ؟ أعلى مرتبة، لأنه جعل ذلك خادما له، منفذا لما يقول، أما التوكل على الله فإنك تتوكل على الله معتقدا في نفسك أنك مضطر إليه، وأنه سبحانه وتعالى هو الذى بيده تصريف أمورك، فتتوكل عليه رغبة ورهبة وتقربا إليه.
ولهذا نقول: هل يجوز أن نقول توكلت على فلان ؟ الجواب: إن كان ذلك على وجه العبادة فهذا حرام شرك، وإن كان على وجه الإنابة، أي أنبته منابي فيما وكلته فيه فهذا لا بأس به ولاحرج، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يوكل اصحابه في قبض الزكوات وتصفيفها وغير ذلك.