التعليق على تفسير الجلالبين : (( غافر الذنب )) للمؤمنين (( وقابل التوب )) لهم ، مصدر (( شديد العقاب )) للكافرين : أي مشدده . حفظ
" (( غافر الذنب )) للمؤمنين (( وقابل التوب )) لهم (( شديد العقاب )) للكافرين " قوله: (( غافر الذنب )) الغفر هو الستر مع الوقاية، ومنه المغفر ما يوضع على الرأس عند الحرب لاتقاء السهام، وكما ترون أن المغفر ساتر فهو جامع بين الستر والوقاية، والذنب المعصية، يقال: أذنب الرجل إذا عصى، ومعنى غافر الذنب أي ساتره المتجاوز عنه، وقول المؤلف: " للمؤمنين " فيه نظر واضح، لأن مغفرة الذنب شامل للمؤمنين وغير المؤمنين، قال الله تبارك وتعالى : (( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف )) فهو غافر الذنب لكل من تاب إلى الله وسأل المغفرة، (( وقابل التوب )) قابله معناها أن من تاب إلى الله قبل الله توبته، والتوب بمعنى الرجوع إلى الله عز وجل من معصيته إلى طاعته، وقال المؤلف : " لهم " لمن ؟ للمؤمنين، وهذا أيضا ليس بصحيح فالتوبة مقبولة من المؤمنين والكافرين، قال الله تبارك وتعالى عن المشركين: (( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين )) وقال تعالى : (( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ )) [النساء :18] قال: (( يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ )) إذن لو تابوا قبل ذلك لقبلت، فتبين بهذا أن ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله من تخصيص ذلك بالمؤمنين يعتبر قصورا، طيب.
قال: " مصدر " أيهما قابل أو التوب ؟ قابل اسم فاعل، إذن فالمصدر هو التوب، نعم.
" (( شديد العقاب )) للكافرين " المؤلف رحمه الله كأنه خص الغافر والقابل بالمؤمنين لقوله: (( شديد العقاب )) لأن شدة العقاب إنما هي للكافرين، ولكن في هذا نظرا لأن المقصود هنا ذكر صفة الله سبحانه وتعالى أنه جمع بين الفضل والعدل، بين الفضل في كونه غافر الذنب وقابل التوب، والعدل في كونه شديد العقاب، لأن شدة العقاب من الله عز وجل لمن استحقها عدل إذ أن الله أخبرنا وبين لنا أن من فعل كذا عاقبه بالعقوبة الشديدة، فإذا فعل الإنسان ما توعد عليه بالعقوبة الشديدة فهو الذي اختار لنفسه هذا فتكون معاملة الله له به تكون عدلا.
وقوله: " أي مشدده " انتبهوا لهذا التفسير أي مشدده لماذا عدل عن ظاهر الآية التي تفيد أنه نفسه شديد العقاب ؟ نعم لأنهم ينفون الصفات الأشاعرة، والتشديد فعل بائن عن الله عز وجل، فلننظر الآن على كلام المؤلف تكون شديد بمعنى مشدد، ولنا أن نطالب فنقول هل فعيل تأتي بمعنى مفعل ؟ الجواب نعم تأتي فعيل بمعنى مفعل كقول الشاعر: أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع
السميع هنا بمعنى المسمع، الداعي الذي يسمعه، يؤرقني فلا أنام وأصحابي هجوع نائمون، فمن حيث اللفظ لا اعتراض على المؤلف أي من حيث جعله فعيل بمعنى مفعل لا اعتراض عليه لأن ذلك وارد في اللغة العربية، لكن من حيث المعنى فيه نظر لأن ظاهر قوله: (( شديد العقاب )) أنه هو نفسه عقابه شديد وهو كذلك، فإذا كان العقاب شديدا لزم أن يكون الألم ألم من عوقب شديدا أيضا، والعقاب مأخوذ من المعاقبة وهي المجازاة، وسميت المجازاة عقابا لأنها تعقب العمل، لكنها تذكر غالبا فيما يسوء لا فيما يسر.