التعليق على تفسير الجلالبين : (( ما يجادل فى ءايات الله )) القرآن (( إلا الذين كفروا )) من أهل مكة (( فلا يغررك تقلبهم فى البلاد )) للمعاش سالمين ، فإن عاقبتهم النار . حفظ
وقوله: (( في آيات الله )) قال المفسر: " القرآن " وينبغي أن نفسر الآيات بما هو أعم، وهذا الذي فسر المؤلف الآيات به يعتبر قصورا، ولا ينبغي أن نفسر العام بأخص منه إلا إذا دلت قرينة قوية على ذلك، وهنا لا دلالة، فالمنازعون في آيات الله منهم من ينازع في القرآن، ومنهم من ينازع في السنة، ومنهم من ينازع في الخلق، مثلا الكسوف من آيات الله، خسوف القمر من آيات الله، من الناس من يجادل فيه ويقول ليس هذا من باب تخويف العباد وأي رابطة بين هذا وبين التخويف وسببه طبيعي معلوم يدرك بالحساب، عرفتم ؟ يجادل في شرع الله في آيات الله فيقول مثلا لماذا كان كذا وكان في موضع آخر كذا وكذا، كقصة المعري الذي جادل في كون اليد تقطع في ربع دينار وديتها خمسمائة دينار، وكقول بعضهم لماذا ينتقض الوضوء بالريح من أسفل ولا ينتقض بالريح من أعلى والريح من أعلى هو الجشاء وما أشبه ذلك من المجادلات في الآيات الشرعية.
منهم من يجادل في القرآن يقول القرآن فيه تناقض قال الله تعالى: (( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين )) وقال في آية أخرى: (( ولا يكتمون الله حديثا )) هذا تناقض فيجادل، فالمهم أن الجدل يكون في الآيات الشرعية الثابتة في القرآن والسنة ويكون أيضا في الآيات الكونية فينبغي أن نفسر الآيات بما هو أعم مما ذكره المؤلف، فنقول: (( ما يجادل في آيات الله )) الكونية أو الشرعية (( إلا الذي كفروا )) وأما المؤمنون فلا يجادلون، المؤمنون يقولون آمنا به كل من عند ربنا ولا يجادلون، من أين عرفنا أن المؤمنين لا يجادلون ؟ من كونه حصر المجادلة في الذين كفروا.
قال: " (( إلا الذين كفروا )) من أهل مكة " وهذا تخصيص آخر، الله عز وجل يقول: (( إلا الذين كفروا )) والمؤلف يقول من أهل مكة، سبحان الله القرآن يعم ونحن نخص هذا خطأ، قصور في التفسير، فنقول: (( في آيات الله )) أعم من القرآن (( إلا الذين كفروا )) أعم من أهل مكة، يجادل في آيات الله الذين كفروا من أهل مكة ومن غير أهل مكة، من أهل المدينة من أهل الطائف من أهل جدة من أهل القصيم من كل مكان، كلهم يجادلون في آيات الله إذا كانوا كفارا.
(( فلا يغررك تقلبهم في البلاد )) الفاء للتفريع على ما سبق، والخطاب في قوله: (( فلا يغررك )) إما للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه الذي نزل عليه القرآن، وإما لعموم المخاطبين لأن القرآن نزل للجميع، وأيهما أولى؟ الثاني، لأن القاعدة التفسيرية عندنا أنه إذا دار الأمر بين كون المعنى عاما أو خاصا فإنه يحمل على العام لأن الخاص يدخل في العام ولا عكس، إذن فلا يغررك أيها المخاطب وأول من يدخل في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، ويغررك يعني لا يخدعك ولا تغتر به.
(( تقلبهم في البلاد )) التقلب هو التردد من شيء إلى شيء، ومنه تقلب الإنسان في فراشه من جنب إلى جنب، المعنى لا يغرك ترددهم في البلاد يمينا وشمالا وشرقا وغربا للتجارة ولغير التجارة، لماذا لا يغر ؟
قال: " (( فلا يغررك تقلبهم في البلاد )) سالمين فإن عاقبتهم النار " ولكن لو قال: فإن عاقبتهم البوار لكان أحسن، لأن الله تعالى ضرب مثلا بمن كان على حالهم بأن الله أهلكهم فقال: (( كذبت قبلهم قوم نوح )) إلى آخره.