تتمة فوائد قوله تعالى : (( ... إن الله هو السميع البصير )) . حفظ
أيضا لأنه لا خلق إلا بقدرة، طيب إذن تؤمن بما دل عليه الاسم من صفة سواء كانت تضمنا أو التزاما.
الأمر الثالث إذا كان الاسم متعديا: الأثر أو الحكم، فمثلا السميع ذو السمع الذي يسمع لابد أن تؤمن بسمع يتعدى للغير، فيسمع كل قول، البصير كذلك متعديا نؤمن بالبصير اسما وبالبصر صفة وبأنه يبصر حكما أو أثرا.
أما إذا كان الاسم لازما فإنه يؤمن بأمرين: الأول الاسم، والثاني الصفة، الحي لازم أو متعدي ؟ يحيي ليست من الحي من المحيي، الحي وصف لازم أو الحياة وصف لازم لا يتعدى لغير الله، فالحي إذن اسم من الأسماء اللازمة فتؤمن بالحي اسما من أسماء الله وتؤمن بالصفة التي دل عليها الحي وهي الحياة.
طيب، إذن إذا آمنا بهذا خالفنا كل أهل التعطيل، خالفنا من لا يسم الله باسم ولا يصفه بصفة وهؤلاء غلاة الجهمية، وخالفنا من يؤمن بأن لله أسماء ولكن لا صفات له مثل المعتزلة، وخالفنا من يقول له أسماء وصفات لكن ليس لها حكم، ما يتعدى لأن لو تعدى إلى الغير لزم قيام الحوادث به، إذ أن المسموع حادث أو أ.لي ؟ حادث، فإذا تعلق السمع بحادث صار السمع حادثا حدوث المسموع، فلزم قيام الحوادث به، إذن قل هو سميع له سمع لكن لا يسمع به لئلا تقوم به الحوادث، فإذا أتينا على هذه الشروط الثلاثة: الإيمان بالاسم، اثنين بما تضمنه من صفة، ثلاثة بالأثر أو الحكم صح إيماننا بالأسماء.
أما السميع والبصير فقد سبق لنا معناهما، وذكرنا أن السميع يدل على السمع، وأن سمع الله تعالى نوعان: سمع بمعنى الإجابة مثل قوله تعالى : (( إن ربي لسميع الدعاء )) وهل السمع يأتي بمعنى الاستجابة في اللغة العربية ؟ الدليل ؟ ... (( ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون )) أي لا يستجيبون، ومنه قول المصلي وأنتم كل يوم تصلون على الأقل سبعة عشر ركعة وتقولون: سمع الله لمن حمده، معناها استجاب، ليس المعنى مجرد سماع لمن حمده، لأن هذا لا يفيد شيئا لكن معناه استجاب، هذا سمع بمعنى الاستجابة.
الثاني: سمع بمعنى إدراك المسموع وهذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول ما يراد به التهديد، والثاني ما يراد به التأييد، والثالث ما يراد به بيان شمول سمع الله، يعني سمع الإحاطة.
مثال الأول الذي يراد به التهديد: (( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم )) هذا للتهديد، ولهذا قال : (( بلى ورسلنا لديهم يكتبون )) ومثال سمع التأييد قوله تعالى لموسى وهارون: (( لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى )) ومثال ما يراد به سمع الإحاطة مثل قوله تعالى: (( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما )) فقسم السمع أولا إلى قسمين: سمع إجابة وسمع إدراك، والإدراك ثلاثة أقسام وإن شئت فقل ثلاثة أنواع لئلا تتداخل الأقسام: سمع يقتضي التهديد، وسمع يقتضي التأييد، وسمع لبيان الإحاطة، وكل هذا ثابت لله عز وجل.
فإن قال قائل: ما الذي يعين أن هذا السمع للتهديد أو للتأييد أو للإحاطة ؟ قلنا سياق الكلام وقرائن الأحوال، ولهذا يمكن أن يقال في قول الله تعالى لموسى وهارون: (( لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى )) يمكن أن يقال أن هذا السمع للتأييد والتهديد، تأييد موسى وتهديد فرعون، لكن يمنع من القول بأنه لتهديد فرعون أن فرعون لم يكن يسمع هذا الكلام من الله، فكيف يهدد من لا يسمع التهديد ؟ ولهذا قال العلماء أن السمع في هذه الآية للتأييد ولم أرهم قالوا أنه للتهديد ولا لتهديد فرعون، ووجه ذلك أن فرعون الآن ليس يسمع ما يقول الله عز وجل، فكيف يهدد من لا يسمع التهديد ؟.
أما البصير فهو بمعنى ذو البصر الثاقب الذي لا يغيب عن نظره شيء عز وجل. أي حركة وأي فعل فإن الله تعالى يبصره، طيب إذا كان يبصر كل شيء فكيف موقفنا في مثل قوله : ( ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ) قال: ( ولا ينظر إليهم ) فنفى النظر إليهم ؟ نقول: النظر المثبت غير النظر المنفي، المنفي هو نظر الرحمة، والمثبت نظر الإحاطة، فالله تعالى ينظر كل شيء نظر إحاطة حتى المغضوب عليهم منظورون أمام الله عز وجل لكن نظر إحاطة، وأما المنفي فهو نظر الرحمة ( لا ينظر إليهم ) وبهذا تلتئم الأدلة ويتبين أنه لا تعارض بينها، هناك بصير بمعنى العلم لكن المتبادر منه الرؤية كما سبق .