تفسير قوله تعالى : (( إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب )) . حفظ
نبدأ من الآن قال: (( إلى فرعون )) متعلق بأرسلنا، وفرعون هو حاكم مصر الذي ملكها وسلط على بني إسرائيل، فكان يقتل أبناءهم ويستحيي نسائهم، قيل أنه كان يفعل ذلك من أجل أنه قال له بعض الكهنة إنه سيكون في بني إسرائيل رجل يكون زوال ملكك على يده هذا قول.
وقول آخر إنه فعل ذلك إذلالا لهم وإهانة، لأنه إذا قتل الرجال وبقي النساء هلكت الأمة، وهذا القول أقوى، وذلك لأن القول الأول معتمده النقل عن بني إسرائيل، ومعلوم أن النقل عن بني إسرائيل لا يصدق ولا يكذب، والمعنى المعقول لكونه يذبح أبنائهم ويستحيي نسائهم هو إذلال هذا الشعب، وهو قلة بالنسبة للأقباط.
(( إلى فرعون وهامان )) هامان وزير فرعون، وقارون تاجر آل فرعون، لأن قارون كان غنيا غنى عظيما، حتى قال الله تعالى: (( وآتيناه من الكنوز )) أي من الذهب والفضة (( ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة )) تنوء يعني تثقل بهم، أي تثقل العصبة أي الطائفة من الناس الأقوياء، هذه مفاتيحه، إذن فالخزائن كثيرة وعظيمة.
(( وقارون فقالوا )) الضمير يعود على الثلاثة فرعون وهامان وقارون (( فقالوا ساحر كذاب )) ساحر خبر مبتدأ محذوف قدره المفسر بقوله: " هو ساحر كذاب " والساحر اسم فاعل من السحر وهو الذي يسحر الناس فيريهم الحقائق على غير ما هي عليه، وليس هو الذي يغير الحقائق لأنه لا يغير الحقائق إلا الخالق عز وجل، لكن يري الناس الحقائق على غير ما هي عليه، مثل ما فعل السحرة سحرة آل فرعون حين ألقوا الحبال والعصي فرآها الناس وكأنها حيات تسعى، ثعابين وهي ليست كذلك، هؤلاء قالوا أن موسى ساحر كيف يلقي العصا فتكون حية ؟ كيف يدخل يده فتخرج بيضاء من غير سوء ؟ ليس هذا إلا سحر.
كذاب أي كاذب فيما ادعى من الرسالة، فهو في آياته ساحر وفي دعواه كاذب، ثم قال كذاب صيغة مبالغة أو نسبة، والفرق بين صيغة المبالغة والنسبة أن النسبة وصف ملازم، وصيغة المبالغة فعل حادث متكرر، أعرفتم فكلمة النجار هذه نسبة وقد تكون صيغة مبالغة لكثرة نجارته، وأما إذا قيل فلان أكال للطعام فهذا قد لا يكون نسبة ولكن لكثرة أكله وصف بأنه أكال.