بيان بعض القواعد في التفسير . حفظ
الشيخ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، نبدأ هذا الصباح في درس التفسير وينبغي أن نلم بشيء من قواعد التفسير فنقول:
أولا: التفسير مأخوذ من الفسر، فسرت الثمرة عن قشرها أي اتضحت وبانت، وهو عبارة عن توضيح كلام الله عز وجل، والتفسير يراد به التفسير اللفظي، يعني أن تفسر اللفظة بقطع النظر عن سياقها، ويراد به التفسير المعنوي بأن تفسر اللفظة بحسب سياقها.
فمثلا قول الله تبارك وتعالى : (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )) إذا فسرنا القوة التفسير اللفظي صار معناها ضد الضعف، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( إن القوة الرمي ) وعلى هذا فنقول معنى القوة ضد الضعف هذا باعتبار اللفظ، والمراد بها الرمي هذا باعتبار المعنى المراد.
ومثله أيضا (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )) الزيادة معناها الفضل، زيادة الشيء على الشيء هذا من حيث اللفظ، لكن المراد النظر إلى وجه الله عز وجل كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم، إذن التفسير اللفظي غير المراد، المراد يعينه السياق أو يبينه النبي صلى الله عليه وسلم أو ما أشبه ذلك. وأما اللفظ فأنت تفسر الكلمة باعتبار معناها منفردة دون النظر إلى سياقها. والقرآن الكريم يفسر بالمعنى الثاني، أي بما أراد الله به.
ثانيا: هل المراد يخالف الظاهر أو هو الظاهر إلا بدليل ؟ المراد هو الظاهر، يعني أن الله يريد بكلامه ظاهره ولابد، ولا يمكن أن نعدل عن الظاهر إلا بدليل، فمن عدل عن الظاهر إلى غيره بدون دليل كان ممن يحرفون الكلم عن مواضعه.
مثال هذه القاعدة قال الله تبارك وتعالى : (( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش )) ظاهر قوله: (( ثم استوى على العرش )) أي علا عليه علوا يليق بجلاله وعظمته، وهو علو خاص بالعرش وليس هو العلو العام على جميع المخلوقات، فإذا جاء إنسان وقال: استوى على العرش يعني استولى عليه، فإننا لا نقبل منه، لماذا ؟ لأن هذا خلاف الظاهر بلا دليل، فإذا كان خلاف الظاهر بلا دليل فإنه من باب تحريف الكلم عن مواضعه، وإن تسمى أهله بأنهم مؤولة، فإنما يسمون أنفسهم بذلك من أجل قبول قولهم، وتسهيل خطئهم على الناس، لأنه فرق بين أن تقول هذا مؤول أو هذا محرف، وإلا فالحقيقة أنهم محرفون، ولهذا تجدون شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عبر في العقيدة الواسطية بقوله: " من غير تحريف " ولم يقل من غير تأويل، لأن التحريف مذموم بكل حال، والتأويل منه صحيح ومنه فاسد.
طيب فإن دل دليل على أن المراد خلاف الظاهر فسرناه بالمراد مثل قوله تعالى : (( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله )) معنى قرأت يعني: أردت أن تقرأ، وليس المعنى إذا فرغت، لو أننا فسرنا اللفظ بظاهره لقلنا: إذا قرأت يعني إذا انتهيت من القراءة فاستعذ بالله، ولكن هذا غير مراد، ما الذي يبين أن هذا غير مراد ؟ فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يستعيذ قبل أن يبدأ القراءة، واضح، طيب هاتان قاعدتان.
القاعدة الثالثة: إلى من يرجع في تفسير القرآن ؟ هل يرجع إلى اللغة والحقيقة اللغوية أو يرجع إلى الحقيقة الشرعية أو ماذا ؟
نقول أولا: يرجع في التفسير إلى تفسير من تكلم به وهو الله عز وجل، فيرجع في التفسير أولا إلى كلام الله، فإذا كانت الكلمة مجملة في موضع من القرآن مفصلة في موضع، فإنه يرجع إلى ما فصل بالقرآن نفسه، إذا كانت مبهمة في موضع ـ معناه أنه لم يتبين مدلولها ـ لكنها مبينة في موضع آخر نرجع إلى الموضع الآخر، فيفسر القرآن أولا بالقرآن، لأن المتكلم به أعلم به من غيره، ففي قوله تعالى : (( القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة )) ما هي القارعة ؟ بينها الله بقوله: (( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث )) وقال تعالى : (( وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين )) فسرها بقوله : (( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا )) وكذلك قوله تعالى : (( لنسفعا بالناصية )) أي ناصية هي ؟ كل ناصية يسفع الله بها ؟ لا، (( ناصية كاذبة خاطئة )) وعلى هذا فقس، فنرجع أولا إلى تفسير من تكلم به وهو الله، أي إلى تفسير القرآن بالقرآن.
ثم بعد هذا نرجع إلى تفسير القرآن بالسنة، لأن أعلم الناس بكلام الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنرجع إلى تفسيره ولا نقبل تفسير غيره، مثال ذلك قوله تعالى : (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )) فقد فسرها صلى الله عليه وسلم بأنها النظر إلى وجه الله، طيب لو جاءنا جاء وقال: وزيادة أي فزيادة في الحسن، قلنا له: لا نقبل قولك، وإن كانت الكلمة من حيث معناها اللفظي تحتمل ما قلت، لكن لا نقبل، لماذا ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسرها بأنها النظر إلى وجه الله وهو أعلم الناس بمراد ربه، فلا نقبل قولك.
ثالثا: نرجع إلى تفسير الصحابة، يعني إذا لم نجد في القرآن ولا في السنة رجعنا إلى تفسير الصحابي، لأن الصحابة أعلم الناس بمراد الله ورسوله، حيث إنهم في عصر التنزيل، وشاهدوا الأحوال والقرائن الدالة على المراد، ولا شك أن المشاهد للشيء ليس كالغائب عنه، الآن ربما أتكلم أنا بكلام منفعل فيه وأقول: أتفعلون كذا ولما كذا، تجدونني منفعلا، والذي يسمع كلامي وهو لم يشاهدني يظنه كلاما عاديا، ولا يعرف لأنه ما عنده قرينة، ولهذا نقول الصحابة أعلم الناس بتفسير كلام الله ورسوله لأنهم قد شاهدوا الأحوال وعرفوا القرائن فيرجع إلى تفسيرهم.
مثال ذلك قوله تعالى : (( وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس )) فهنا فسر أبو بكر الكلالة بأنه من ليس له ولد ولا والد، بأنه الميت يموت ليس له ولد ولا والد، يعني لا أصول ولا فروع، هنا نأخذ بتفسير أبي بكر، لماذا ؟ لأنه من الصحابة، والصحابة أعلم الناس بتفسير كلام الله عز وجل. ومعنى قولنا هذا أنه لو جاء أحد من المتأخرين وفسر القرآن بخلاف ما فسرت به الصحابة فإننا لا نرجع إلى قوله أبدا.
بعد ذلك الرابع: إذا لم نجد في القرآن ولا في السنة ولا في كلام الصحابة نرجع إلى أقوال التابعين ولاسيما من عرف منهم بالتلقي عن الصحابة، مثل مجاهد بن جبر رحمه الله تعالى، فإنه قال: " عرضت المصحف على ابن عباس مرتين أو أكثر أقفه عند كل آية وأسأله عن معناها " فمثل هذا يؤخذ بقوله لأنه أخذ عن الصحابة، وإن كان بعض التابعين قد لا ينال هذه المرتبة لعدم أخذه عن الصحابة، لكن على كل حال التابعون أقرب إلى المعنى الصحيح ممن بعدهم، إلا أنهم كما عرفتم يقلون مرتبة عن الصحابة.
الخامس: نرجع إلى المعنى الحقيقي للكلمة، وهو المعنى اللغوي، يعني نرجع إلى معنى الكلمة في اللغة العربية، ودليل ذلك قوله تعالى : (( إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )) يعني تفهمون المعنى، وهذا إحالة من الله عز وجل إلى اللغة العربية، وأن عقل القرآن يكون بمقتضى اللغة العربية، ولنا حجة، فإذا قال قائل: ما دليلك على أن معنى هذه الكلمة هو كذا ؟ قلنا: هذا معناه في اللغة، والقرآن نزل باللغة العربية، وقد أشار الله إلى ذلك في قوله : (( إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )) (( فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون )) إلى غير ذلك من الآيات الواضحة.
فإن اختلفت الحقيقة اللغوية والحقيقة الشرعية ؟ رجعنا إلى الحقيقة الشرعية، يعني الحقيقة اللغوية والشرعية لا شك أنها تتفق في أشياء كثيرة، فالسماء سماء لغة وشرعا، والأرض أرض لغة وشرعا، والإبل إبل لغة وشرعا، وما أشبه ذلك، فإن تعارضت الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية نقدم الحقيقة الشرعية، لأن هناك كلمات نقلها الشرع من المعنى الأصلي اللغوي إلى المعنى الشرعي، مثال ذلك الإيمان، الإيمان في اللغة هو الإقرار والاعتراف أو التصديق على خلاف بين العلماء في التفسير، لكنه في الشرع غير ذلك، الإيمان في الشرع أوسع من هذا، يشمل المعنى اللغوي ويشمل ما سواه، مثل الأعمال الأقوال الأفعال التروك كل هذه من الإيمان شرعا، ومثل الصلاة وجدنا في القرآن: (( وأقيموا الصلاة )) على أي شيء نحمل الصلاة ؟ على المعنى اللغوي الذي هو الدعاء أو على المعنى الشرعي ؟ على المعنى الشرعي، لأن الشرع نقل بعض الألفاظ العريبة إلى معنى جديد ليس مستعملا في اللغة العربية فنأخذ بما أقره الشرع.
أخذنا الآن خمسة: نرجع في التفسير إلى القرآن، السنة، الصحابة، التابعين، المعنى اللغوي، وإذا تعارض اللغة والشرع قدمنا المعنى الشرعي، وهذا هو المبحث أظن المبحث الثالث.
أولا: التفسير مأخوذ من الفسر، فسرت الثمرة عن قشرها أي اتضحت وبانت، وهو عبارة عن توضيح كلام الله عز وجل، والتفسير يراد به التفسير اللفظي، يعني أن تفسر اللفظة بقطع النظر عن سياقها، ويراد به التفسير المعنوي بأن تفسر اللفظة بحسب سياقها.
فمثلا قول الله تبارك وتعالى : (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )) إذا فسرنا القوة التفسير اللفظي صار معناها ضد الضعف، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( إن القوة الرمي ) وعلى هذا فنقول معنى القوة ضد الضعف هذا باعتبار اللفظ، والمراد بها الرمي هذا باعتبار المعنى المراد.
ومثله أيضا (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )) الزيادة معناها الفضل، زيادة الشيء على الشيء هذا من حيث اللفظ، لكن المراد النظر إلى وجه الله عز وجل كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم، إذن التفسير اللفظي غير المراد، المراد يعينه السياق أو يبينه النبي صلى الله عليه وسلم أو ما أشبه ذلك. وأما اللفظ فأنت تفسر الكلمة باعتبار معناها منفردة دون النظر إلى سياقها. والقرآن الكريم يفسر بالمعنى الثاني، أي بما أراد الله به.
ثانيا: هل المراد يخالف الظاهر أو هو الظاهر إلا بدليل ؟ المراد هو الظاهر، يعني أن الله يريد بكلامه ظاهره ولابد، ولا يمكن أن نعدل عن الظاهر إلا بدليل، فمن عدل عن الظاهر إلى غيره بدون دليل كان ممن يحرفون الكلم عن مواضعه.
مثال هذه القاعدة قال الله تبارك وتعالى : (( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش )) ظاهر قوله: (( ثم استوى على العرش )) أي علا عليه علوا يليق بجلاله وعظمته، وهو علو خاص بالعرش وليس هو العلو العام على جميع المخلوقات، فإذا جاء إنسان وقال: استوى على العرش يعني استولى عليه، فإننا لا نقبل منه، لماذا ؟ لأن هذا خلاف الظاهر بلا دليل، فإذا كان خلاف الظاهر بلا دليل فإنه من باب تحريف الكلم عن مواضعه، وإن تسمى أهله بأنهم مؤولة، فإنما يسمون أنفسهم بذلك من أجل قبول قولهم، وتسهيل خطئهم على الناس، لأنه فرق بين أن تقول هذا مؤول أو هذا محرف، وإلا فالحقيقة أنهم محرفون، ولهذا تجدون شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عبر في العقيدة الواسطية بقوله: " من غير تحريف " ولم يقل من غير تأويل، لأن التحريف مذموم بكل حال، والتأويل منه صحيح ومنه فاسد.
طيب فإن دل دليل على أن المراد خلاف الظاهر فسرناه بالمراد مثل قوله تعالى : (( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله )) معنى قرأت يعني: أردت أن تقرأ، وليس المعنى إذا فرغت، لو أننا فسرنا اللفظ بظاهره لقلنا: إذا قرأت يعني إذا انتهيت من القراءة فاستعذ بالله، ولكن هذا غير مراد، ما الذي يبين أن هذا غير مراد ؟ فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يستعيذ قبل أن يبدأ القراءة، واضح، طيب هاتان قاعدتان.
القاعدة الثالثة: إلى من يرجع في تفسير القرآن ؟ هل يرجع إلى اللغة والحقيقة اللغوية أو يرجع إلى الحقيقة الشرعية أو ماذا ؟
نقول أولا: يرجع في التفسير إلى تفسير من تكلم به وهو الله عز وجل، فيرجع في التفسير أولا إلى كلام الله، فإذا كانت الكلمة مجملة في موضع من القرآن مفصلة في موضع، فإنه يرجع إلى ما فصل بالقرآن نفسه، إذا كانت مبهمة في موضع ـ معناه أنه لم يتبين مدلولها ـ لكنها مبينة في موضع آخر نرجع إلى الموضع الآخر، فيفسر القرآن أولا بالقرآن، لأن المتكلم به أعلم به من غيره، ففي قوله تعالى : (( القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة )) ما هي القارعة ؟ بينها الله بقوله: (( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث )) وقال تعالى : (( وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين )) فسرها بقوله : (( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا )) وكذلك قوله تعالى : (( لنسفعا بالناصية )) أي ناصية هي ؟ كل ناصية يسفع الله بها ؟ لا، (( ناصية كاذبة خاطئة )) وعلى هذا فقس، فنرجع أولا إلى تفسير من تكلم به وهو الله، أي إلى تفسير القرآن بالقرآن.
ثم بعد هذا نرجع إلى تفسير القرآن بالسنة، لأن أعلم الناس بكلام الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنرجع إلى تفسيره ولا نقبل تفسير غيره، مثال ذلك قوله تعالى : (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )) فقد فسرها صلى الله عليه وسلم بأنها النظر إلى وجه الله، طيب لو جاءنا جاء وقال: وزيادة أي فزيادة في الحسن، قلنا له: لا نقبل قولك، وإن كانت الكلمة من حيث معناها اللفظي تحتمل ما قلت، لكن لا نقبل، لماذا ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسرها بأنها النظر إلى وجه الله وهو أعلم الناس بمراد ربه، فلا نقبل قولك.
ثالثا: نرجع إلى تفسير الصحابة، يعني إذا لم نجد في القرآن ولا في السنة رجعنا إلى تفسير الصحابي، لأن الصحابة أعلم الناس بمراد الله ورسوله، حيث إنهم في عصر التنزيل، وشاهدوا الأحوال والقرائن الدالة على المراد، ولا شك أن المشاهد للشيء ليس كالغائب عنه، الآن ربما أتكلم أنا بكلام منفعل فيه وأقول: أتفعلون كذا ولما كذا، تجدونني منفعلا، والذي يسمع كلامي وهو لم يشاهدني يظنه كلاما عاديا، ولا يعرف لأنه ما عنده قرينة، ولهذا نقول الصحابة أعلم الناس بتفسير كلام الله ورسوله لأنهم قد شاهدوا الأحوال وعرفوا القرائن فيرجع إلى تفسيرهم.
مثال ذلك قوله تعالى : (( وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس )) فهنا فسر أبو بكر الكلالة بأنه من ليس له ولد ولا والد، بأنه الميت يموت ليس له ولد ولا والد، يعني لا أصول ولا فروع، هنا نأخذ بتفسير أبي بكر، لماذا ؟ لأنه من الصحابة، والصحابة أعلم الناس بتفسير كلام الله عز وجل. ومعنى قولنا هذا أنه لو جاء أحد من المتأخرين وفسر القرآن بخلاف ما فسرت به الصحابة فإننا لا نرجع إلى قوله أبدا.
بعد ذلك الرابع: إذا لم نجد في القرآن ولا في السنة ولا في كلام الصحابة نرجع إلى أقوال التابعين ولاسيما من عرف منهم بالتلقي عن الصحابة، مثل مجاهد بن جبر رحمه الله تعالى، فإنه قال: " عرضت المصحف على ابن عباس مرتين أو أكثر أقفه عند كل آية وأسأله عن معناها " فمثل هذا يؤخذ بقوله لأنه أخذ عن الصحابة، وإن كان بعض التابعين قد لا ينال هذه المرتبة لعدم أخذه عن الصحابة، لكن على كل حال التابعون أقرب إلى المعنى الصحيح ممن بعدهم، إلا أنهم كما عرفتم يقلون مرتبة عن الصحابة.
الخامس: نرجع إلى المعنى الحقيقي للكلمة، وهو المعنى اللغوي، يعني نرجع إلى معنى الكلمة في اللغة العربية، ودليل ذلك قوله تعالى : (( إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )) يعني تفهمون المعنى، وهذا إحالة من الله عز وجل إلى اللغة العربية، وأن عقل القرآن يكون بمقتضى اللغة العربية، ولنا حجة، فإذا قال قائل: ما دليلك على أن معنى هذه الكلمة هو كذا ؟ قلنا: هذا معناه في اللغة، والقرآن نزل باللغة العربية، وقد أشار الله إلى ذلك في قوله : (( إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )) (( فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون )) إلى غير ذلك من الآيات الواضحة.
فإن اختلفت الحقيقة اللغوية والحقيقة الشرعية ؟ رجعنا إلى الحقيقة الشرعية، يعني الحقيقة اللغوية والشرعية لا شك أنها تتفق في أشياء كثيرة، فالسماء سماء لغة وشرعا، والأرض أرض لغة وشرعا، والإبل إبل لغة وشرعا، وما أشبه ذلك، فإن تعارضت الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية نقدم الحقيقة الشرعية، لأن هناك كلمات نقلها الشرع من المعنى الأصلي اللغوي إلى المعنى الشرعي، مثال ذلك الإيمان، الإيمان في اللغة هو الإقرار والاعتراف أو التصديق على خلاف بين العلماء في التفسير، لكنه في الشرع غير ذلك، الإيمان في الشرع أوسع من هذا، يشمل المعنى اللغوي ويشمل ما سواه، مثل الأعمال الأقوال الأفعال التروك كل هذه من الإيمان شرعا، ومثل الصلاة وجدنا في القرآن: (( وأقيموا الصلاة )) على أي شيء نحمل الصلاة ؟ على المعنى اللغوي الذي هو الدعاء أو على المعنى الشرعي ؟ على المعنى الشرعي، لأن الشرع نقل بعض الألفاظ العريبة إلى معنى جديد ليس مستعملا في اللغة العربية فنأخذ بما أقره الشرع.
أخذنا الآن خمسة: نرجع في التفسير إلى القرآن، السنة، الصحابة، التابعين، المعنى اللغوي، وإذا تعارض اللغة والشرع قدمنا المعنى الشرعي، وهذا هو المبحث أظن المبحث الثالث.