التعليق على تفسير الجلالين : (( كذلك )) أي مثل إضلالكم (( يضل الله من هو مسرف )) مشرك (( مرتاب )) شاك فيما شهدت به البينات . حفظ
قال الله تعالى: " (( كذلك )) أي مثل إضلالكم (( يضل الله من هو مسرف )) مشرك (( مرتاب )) شاك فيما شهدت به البينات " (( كذلك )) قال المفسر: " أي مثل إضلالكم (( يضل الله )) " وعلى هذا فتكون إعرابها، الكاف: اسم بمعنى مثل، وهي مفعول مطلق مضاف إلى اسم الإشارة، وعامله قوله: يضل، عامله متأخر عنه، وهذا التعبير القرآني يكثر في كلام الله عز وجل، وإعرابه كما سمعتم، أن تقول الكاف اسم بمعنى مثل منصوبة على المفعولية المطلقة، مضافة إلى اسم الإشارة.
فإن قيل وهل الكاف تأتي اسما ؟ قلنا: نعم، اللغة العربية واسعة، وإلا فالأصل أن الكاف حرف، لكن تكون اسم، قال ابن مالك:
شبه بكاف وبها التعليل قد يعنى وزائدا لتوكيد ورد
واستعمل اسما وكذا عن وعلى ...
استعمل: يعني الكاف اسما أي في اللغة العربية.
(( كذلك )) أي مثل ذلكم (( يضل الله من هو مسرف مرتاب )) لا يضل الله تعالى رجلا مؤمنا مقتصدا موقنا أبدا، يضل الله والعياذ بالله من هو مسرف مرتاب.
يقول: " (( مسرف )) مشرك " ولا شك أن الشرك من الإسراف، لأن الإسراف معناه تجاوز الحد، ومن جعل لله شريكا فقد تجاوز الحد بلا شك، لكن معنى الآية أعم من المشرك، فالمسرف من تجاوز حده هذا المسرف، بإفراط أو تفريط ،لكن الغالب يكون بالإفراط، لأنه مجاوزة الحد زيادة، فالمشرك لا شك أنه مسرف، والمستكبر مسرف، والجاحد مسرف، وهلم جرا، إذن من هو مسرف ينبغي أن يقول في تفسيرها، من هو متجاوز لحده كالمشرك.
وقوله: " (( مرتاب )) أي شاك " المرتاب ـ والعياذ بالله ـ الذي يطمئن للارتياب لا يهتدي، يبقى على ضلاله والعياذ بالله، أما إذا أوقع الشيطان في قلبك شكا ثم حاولت أن تنزعه من قلبك فإن الله يعينك عليه ويهديك، لكن البلاء كل البلاء أن تركن إلى هذا الشك وألا تنتشل منه، والدليل على هذا ما شكاه الصحابة رضي الله عنم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يقع في نفوسهم حتى قالوا: نود أن يكون الواحد منا حممة، أي:، فحما محترقا ولا نتكلم به، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يضرهم، لماذا ؟ لأنهم لا يركنون إلى ما وقع في قلوبهم، ولهذا يجب أن تكون شجاعا، إذا ألقى الشيطان في قلبك مثل هذه الأمور فكن شجاعا، لا تركن لا تسترسل معها، كن شجاعا استعمل معه السلاح الذي أعطاك إياه من هو عالم به، ومن هو عالم بإصابته بالعدو وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بأمرين فقط:
أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتنتهي، تعرض، وبذلك يزول عنك هذا البلاء، أما إن استرسلت معه فالأمر خطير جدا، لأنه يتفاعل في نفسك ويقوى حتى يصل إلى درجة الشك والارتياب، وحينئذ تحرم من الهداية، وهذا لا شك أنه من حكمة القرآن مثل هذا التعبير، لئلا يقع في نفسك مثل ما ذكر الله عز وجل، فدواؤه بهذين الأمرين، لو أن أذكى العالم حاول أن يجد دواء لهذا البلاء ما وجده بهذه العبارة المختصرة السهلة، قال: ( فليستعذ بالله ثم لينته ) اعرض عن هذا، اشتغل بشئونك، وقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فاشتغالك بشئونك وإعراضك عنه يوجب لك أن تنساه، وهذا شيء مشاهد ومجرب.