فوائد قوله تعالى : (( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا ... )) . حفظ
في هذه الآية فوائد أولا: كراهة الله سبحانه وتعالى للذين يجادلون في آيات الله لأجل إبطالها لقوله : (( الذين يجادلون في آيات الله كبر مقتا عند الله )) .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا سلطان لكل إنسان جادل لإدحاض الحق وإظهار الباطل، يؤخذ من قوله: (( بغير سلطان )).
ومن فوائدها تقوية قلوب المجادلين بالحق لأنكم تعلمون أن الجدال يكون من طرفين، فالمجادل في آيات الله لإبطالها هذا لا حجة له، يكون الخصم المقابل الآخر يكون له حجة، فإذا إذا علم المجادل الذي يريد إثبات الحق وإبطال الباطل أنه لا سلطان لخصمه فإنه سوف يقوى قلبه ويزداد ثباتا.
فيستفاد منه بطريق المفهوم أن المجادل في آيات الله لإثباتها سيكون معه السلطان والقوة.
ولكن هل كل من معه حجة يستطيع أن يحتج بها ؟ لا، قد لا يستطيع، هو يعرف أنه على حق لكن لا يستطيع أن يجادل بها، ولهذا ينبغي للإنسان أن يعرف ما عند الأقوام من الباطل ليتمكن من ردهم، أما كونه لا يقرأ الباطل ويقول أنا كل ما ورد علي من باطل فعندي القدرة على دفاعه، فهذا قد يخذل الإنسان في مكان يحب أن ينتصر فيه، فلابد من أن يعرف الإنسان الباطل من أجل أن يرد عليه، ولهذا نرى العلماء المحققين يقرؤون كتب المناطقة والفلاسفة وغيرها ثم يردون عليها، وهذا إنما يكون في رجل رسخت قدمه في العلم، أما رجل ابتدأ طالبا فهذا لا نشير عليه أن يقرأ كتب أهل الضلال، وذلك لأنه ليس عنده منعة فيخشى أن يتأثر بهذه الكتب فيضل، لكن الراسخ في العلم نقول اقرأ حتى تعرف كيف ترد على هؤلاء .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن من جادل بحق فليس بمذموم لقوله: (( بغير سلطان )) إذ لو كان لهم سلطان لكانوا على حق لكن ليس لهم سلطان .
ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المقت لله عز وجل وأنه يتفاضل، فيكون مقته على شخص أو طائفة أكبر من مقته على شخص أو طائفة آخرين، يؤخذ من قوله: (( كبر مقتا عند الله )).
وهل هذا المقت حقيقة أو يراد به لازمه وهو العقوبة ؟ الأول، هذا مذهب أهل السنة والجماعة أنهم يقولون كل ما وصف الله به نفسه فهو على حقيقته، لكنه يجب أن نعلم أنه لا يماثل صفات المخلوقين، لأن الله أثبت ونفى، قال: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وهذه خذها جادة عندك امشي عليها في كل ما وصف الله به نفسه، لا تقل: هذا لا يراد به ظاهره، كل ما وصف الله به نفسه فإنه يراد به ظاهره لكن ينزه عن مماثلة المخلوقين. إذن الله سبحانه وتعالى يمقت ويبغض ويكره ويحب حقا على حقيقته، ولكنه لا يماثل صفات المخلوقين.
وذهب أهل التعطيل الذين يحكمون على الله بعقولهم لا بكلامه وبكلام رسوله، ذهبوا إلى أن مثل هذه الأوصاف يجب وجوبا أن تأول إلى لوازمها، فيقولون مثلا: المقت المراد به الانتقام والعقوبة، وليس البغض أو الكراهة أو أشد من ذلك، فيقال لهم: إذا فسرتم ذلك بالعقوبة ارتكبتم محذورين:
المحذور الأول: إخراج كلام الله عن ظاهره.
والمحذور الثاني: إثبات معنى لا يراد به.
وهكذا كل محرف نقول أنه ارتكب محذورين:
الأول: إخراج الكلام عن ظاهره، وهذه جناية لا شك حيث سلب اللفظ معناه، والثاني: إثبات معنى لا يراد باللفظ، وهذا عدوان أيضا، فكل مؤول فإنه يرتكب هذين المحذورين.
والعجب أنهم يسمون أنفسهم أهل التأويل، والصواب أنهم أهل التحريف، لكن هم تسموا بهذا الاسم تلطيفا لما هم عليه من الباطل، لأن التأويل يراد به حق ويراد به باطل، إذا أولنا الكلام بما يريد به المتكلم فهذا حق، لكن بخلافه هذا باطل، وهذا هو الذي هم عليه، ولكن عدلوا عن اسم التحريف إلى اسم التأويل، وانظر إلى دقة عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية قال: " من غير تحريف ولا تعطيل " ولم يقل: من غير تأويل، مع أن أكثر الذين يتكلمون في العقائد أو يكتبون في العقائد يقولون: من غير تأويل، ولكن ما قاله هو الصحيح، لأن كل تأويل لا يدل عليه الدليل فهو تحريف طيب.
إذن نحن نثبت لله بأنه يمقت ويكره ويبغض حقا على حقيقته، وأما العقوبة فهي من لازم ذلك، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله وغيره قال: أنتم إذا أثبتم أن الله يعاقب فقد أثبتم أن الله يكره بطريق اللزوم، إذ لا يعاقب إلا من يكرهه، لا يمكن أن يعاقب من يحب، فأنتم لما فررتم من إثبات الكراهة أو المقت وقعتم فيه من وجه آخر، نقول: إذا أثبتم العقوبة فلا عقوبة إلا بعد مقت وكراهة، هذا أمر ضروري، لأنه لا يمكن لأحد يحب شخصا أن يقوم ويضربه، طيب.
من فوائد الآية الكريمة: إثبات العندية لله: (( عند الله )). ثم العندية نوعان:
عندية وصف، وعندية قرب، فقول الله تبارك وتعالى: (( إن الذين عند ربك لا يستكبرون عند عبادته )) هذه عندية قرب، وقوله هنا: (( كبر مقتا عند الله )) عندية وصف، لأن المقت ليس شيئا منفصلا بائنا عن الله حتى يكون عندية قرب، بل هذا عندية وصف، كما تقول للشخص: أنت عندي عزيز، تقوله وهو بعيد منك، وليس المعنى أنت عندي عزيز يعني قريب، هذه عندية وصف أي أن عزتك عندي قائمة بي.
ومن فوائد الآية الكريمة: أن ما يكرهه الله فإن المؤمنين يكرهونه لقوله: (( وعند الذين آمنوا )) وهذه علامة الإيمان خذها قياسا وميزان عدل، متى رأيت من نفسك أنك تكره ما يكرهه الله وتحب ما يحبه الله فذلك الإيمان، دل عليه هذه الآية وغيرها من الآيات والأحاديث، ودل عليها العقل أيضا، لأن من كمال المحبة والإيمان أن تحب ما يحبه من تحب وتكره ما يكرهه .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: فضيلة الإيمان حيث يكون المؤمن دائرا مع الله عز وجل في محبة ما يحب وكراهة ما يكره .