فوائد قوله تعالى : (( وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب )) . حفظ
في هذه الآية فوائد: من فوائد هذه الآية استعلاء فرعون وترفعه، وذلك بتوجيه الأمر إلى وزيره أن يبني له صرحا، وتأمل قوله: (( ابن لي )) ولم يقل ابن، لأن هذا أعظم في الترفع والتعاظم، إذ لو قال: ابن، لكان لأي أحد يبني، فيه إبهام، لكن إذا قال: لي، دل هذا على أنه استخدم هذا الرجل الذي هو الوزير استخداما تاما.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن اتخاذ الوزراء كان عرفا قديما سواء كان وزيرا في الخير أو وزيرا في الشر، فمن وزراء الخير قول موسى عليه السلام: (( واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي )) وقول علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم حين سأله زعماء الشيعة وهم الرافضة عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فترحم عليهما، وقال في الثناء عليها: " هما وزيرا جدي " يعني النبي صلى الله عليه وسلم، فرفضوه لأنهم قد زين لهم سوء عملهم بأن كل من أحب أبا بكر وعمر فقد أبغض عليا، وعلى هذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم مبغضا لعلي، لأنه سئل أي الرجال أحب إليك قال: ( أبو بكر ) فعلى قاعدتهم يكون الرسول مبغض لعلي، فانظر كيف كانت عاقبة هذه القاعدة الفاسدة الباطلة نعم.
من فوائد هذه الآية الكريمة: جواز نسبة الشيء إلى الآمر به دون فاعله، تؤخذ من قوله: (( ابن لي صرحا )) وهو لا يريد أن هامان يتولى البناء بنفسه بل يأمر لأنه وزير .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات علو الله تعالى العلو الذاتي في الشرائع السابقة، تؤخذ من قوله: (( ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات )) فهذا يدل على أن موسى عليه السلام قد أبلغه بأن الله في السماء.
وهذا أعني علو الله الذاتي أمر لا ينكر لأنه دلت عليه جميع الدلائل: الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، كلها دلت على علو الله عز وجل العلو الذاتي، وأنه سبحانه وتعالى في السماء، وأنه لا يمكن أن يكون في الأرض، ونحن نركز على هذه النقطة لأهميتها لأنها تتعلق بالعقيدة.
أما القرآن فما أكثر الأدلة المتنوعة الدالة دلالة قاطعة على علو الله الذاتي.
وكذلك السنة دلت على ذلك قولا وفعلا وإقرارا، فالنبي عليه الصلاة والسلام أثبت علو الله الذاتي بقوله وبفعله وبإقراره، أما بقوله فإنه عليه الصلاة والسلام يقول في سجوده: ( سبحان ربي الأعلى ).
وأما في فعله فأشار إلى علو الله تعالى في الوقوف بعرفة حين خطب الناس وقال: ( اللهم اشهد ).
وأما إقراره فبإقراره الجارية التي قالت: في السماء لما سألها: ( أين الله ؟ ).
وأما الإجماع: فقد أجمع السلف على ذلك ما منهم أحد قال: إن الله ليس في السماء، وما منهم أحد قال: إن الله في الأرض، وما منهم أحد قال: إن الله لا يوصف بعلو ولا سفول ولا محايثة ولا مجانبة، يعني ما منهم أحد قال: إن الله ليس فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا متصل بالخلق ولا منفصل كما قاله المعطلة،
فإذا قال قائل: نسلم أنه لم يرد عنهم النفي، فما هو دليل الإثبات ؟ فنقول: دليل ذلك أن كل نص في القرآن والسنة لم يأتي عن الصحابة خلافه فإننا نعلم علم اليقين أنهم يقولون به، لأن القرآن نزل بلغتهم ويعرفونه، فإذا خوطبوا بهذا ولم يرد عنهم خلافه دل ذلك على أنهم قائلون به، وهذه نقطة مهمة تنفعك عند المناظرة مع الخصوم، إذا قال لك: أين قال الصحابة أن الله في العلو مثلا ؟ تقول: قال الصحابة ذلك لأن كل نص جاء بإثبات العلو ولم يرد عن الصحابة خلافه فإنهم قائلون به قطعا، لأنه نزل بلغتهم وعرفوه وفهموه على ما أراد الله عز وجل.
وأما العقل: فلو سألت أي إنسان هل العلو صفة كمال أو النزول ؟ لقال لك: العلو، ولو قلت: العلو صفة أكمل أو المحاذاة ؟ لقال لك: العلو، إذن فالعلو دل العقل على ثبوته لله عز وجل.
وأما الفطرة: فلا تسأل، اسأل عجوزا من العجائز لم تقرأ في كلام المتكلمين المعطلين ماذا تقول لك ؟ لو سألتها: أين الله ؟ قالت: في السماء، ولا تعرف إلا ذلك، والعجب أن نفس القائلين بالنفي إذا دعوا الله عز وجل رفعوا أيديهم قهرا عليهم إلى السماء، وهذا شيء مسلم.
وادعاؤهم أنهم يقولون: إن السماء قبلة الداعي كما أن الكعبة قبلة المصلي، نقول إذن أنتم تدعون السماء، فوقعتم في الشرك من حيث لا تعلمون، وعلى كل حال الحمد لله أن علو الله عز وجل أمر فطري لا يحتاج إلى تعلل ولا تكلف، ومع ذلك جميع الأدلة دلت عليه.
ثم يأتي أقوام أعمى الله تعالى بصائرهم فيقولون: إن الله تعالى ليس في العلو، فماذا يقولون ؟ استمع:
منهم من يقول: إن الله في كل مكان، وهؤلاء حلولية الجهمية، أن الله في كل مكان في المساجد في الأسواق في البيوت في الجو في السماء والعياذ بالله في المراحيض في كل مكان، وهذا باطل كما تبطل الشمس ظلمة الليل، لأنه يلزم منه واحد من أمرين ولابد:
إما أن يكون الله متعددا، وإما أن يكون الله متجزئا بعضه هنا وبعضه هناك، أو متعددا واحد هنا وواحد هناك، هذا بقطع النظر عما يلزم عليه من اللوازم الفاسدة التي توجب أن يكون الله في أقذر الأمكنة وأنتن الأمكنة.
والقول الثاني: لمن ينكرون علو الله الذاتي يقولون: لا نقول إن الله فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا متصل بالعالم ولا منفصل عنه، وين يروح ؟ عدم، يعني قال بعض العلماء: لو قيل صفوا لنا العدم لم نجد وصفا أشمل من هذا، فحقيقة الأمر أنهم لا يعبدون الله، وأنه ليس لهم إله إطلاقا.
نعود إلى التفسير فنقول: في الآية دليل على علو الله الذاتي.