فائدة قوله تعالى : (( من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب )) . حفظ
ثم قال: (( من عمل سيئة ... )) إلى آخره فيها من الفوائد:
أن عمل السيئة لا يزداد إثما على قدر السيئة لقوله هنا: (( من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها )).
ومن فوائد الآية أنه في مقام التهديد ينبغي أن يبدئ بما يدل على التهديد قبل أن يبدئ بما يدل على الترغيب، لأنه هنا بدأ بالسيئة ثم أعقب بالصالح، وانظر إلى قول الله تبارك وتعالى في مقام ذكر الأحكام الشرعية قال : (( اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله هو الغفور الرحيم )) ولما أراد جل وعلا أن يتحدث عن نفسه ويبين كمال صفاته قال: (( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم )) فلكل مقام مقال، فالإنسان ينبغي له أن يرتب المعاني حسب ما تقتضيه الحال، لا يلقي الحديث على عواهنه، وفضل الله يؤتيه من يشاء، قد يريد الإنسان هذا الشيء ويريد أن يرتب كلامه، وأن يبنيه على ما تقتضيه الحال، ولكن يخونه التعبير، إلا أن الإنسان إذا استعان بالله سبحانه وتعالى واعتمد عليه يسر الله له الأمر.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا يقبل العمل إلا إذا كان صالحا ولا ينفع صاحبه إلا إذا كان صالحا.
طيب وذكرنا أن الصالح ما اجتمع فيه شروط القبول وهما: الإخلاص والمتابعة، بفقد الإخلاص يكون الإنسان مشركا، وبفقد المتابعة يكون الإنسان مبتدعا، ولهذا لا يقبل العمل إلا الخالص الموافق للشرع.
ففي فقد الإخلاص يقع الإنسان في الشرك، وبفقد المتابعة يقع الإنسان في البدعة، أيهما أشد ؟ الأول، وقد يكون الثاني حسب المخالفة، لكن الشرك من حيث هو أعظم من البدعة، وقيل إن البدعة أشد وأعظم لأن الله قال : (( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ )) [الأعراف :33] والآية بالتدريج من الأدنى إلى الأعلى، وصاحب البدعة يضر نفسه ويضر غيره لأنه يكون إماما يدعوا إلى مخالفة الرسل، والذي يظهر أن الشرك من حيث هو شرك أعظم، لكن قد يكون المترتب على البدعة أشد من المترتب على الشرك.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الذكور والإناث مشتركون في الثواب والعقاب، بمعنى أن الله لا يعاقب الأنثى أكثر من عقوبة الرجل، ولا الرجل أكثر من عقوبة الأنثى، وكذلك لا يجزي الرجل أكثر مما يجزي الأنثى، ولا الأنثى أكثر مما يجزي الرجل، لقوله في هذه الآية : (( من ذكر أو أنثى )).
ونظيرها قوله تعالى : (( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)) [آل عمران :195] نعم .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن العمل الصالح لا ينفع إلا مبنيا على الإيمان لقوله: (( وهو مؤمن )) والجملة كما تعرفونها في موضع نصب على الحال، يعني والحال أنه مؤمن.
وبناء على هذا نسأل هل عمل المنافق ينفعه ؟ لا، لفقد الإيمان، هو غير مؤمن.
طيب وهل الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره أو هو إيمان وراء ذلك كله ؟ الجواب الثاني، من جملة الإيمان الذي يجب أن تكون الأعمال الصالحة مبنية عليه أن تؤمن بالثواب على العمل، ولهذا إذا عمل الإنسان العمل الصالح وهو يرجوا هذا الثواب لا شك أنه سيزداد رغبة في العمل وسيزداد إحسانا للعمل، لأنه يعرف أن السلعة على قدر الثمن، فإذا كنت تعمل وأنت تشعر بأنك ستجازى على هذا العمل مجازاة تامة، فسوف تحسن العمل لأجل أن يحسن لك الثواب والجزاء، وهذه مسألة مهمة يغفل عنها الإنسان كثيرا عن كونه ينوي بذلك الثواب الذي أعده الله لعامل هذا العمل.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن رزق الجنة ليس فيه حساب، يعني أنه لا يطلب من الإنسان عوض، ولا يلحقه تبعة لقوله: (( يرزقون فيها بغير حساب )).