التعليق على تفسير الجلالين : (( تنزيل من الرحمن الرحيم )) مبتدأ (( كتاب )) خبره (( فصلت ءاياته )) بينت بالأحكام والقصص والمواعظ (( قرءانا عربيا )) حال من كتاب بصفته (( لقوم )) متعلق بفصلت (( يعلمون )) يفهمون ذلك ، وهم العرب . حفظ
قال: (( تنزيلٌ مِن الرحمن الرحيم * كتاب فُصِّلَت آياته )) قال المؤلف رحمه الله المفَسِّر: " (تنزيل) مبتدأ، (كتاب) خبرُه " ولو قيل بالعكس لكان أوضح لو قيل: كتابٌ فصلت آياته تنزيلٌ من الرحمن الرحيم، لأنه يُخبَر بالمعنى عن الذات ولا يُخبَر بالذات عن المعنى هذا الأصل، فتقول: زيد قائم. (قائم) خبر ولا تقول: (زيد) خبر، لكنَّ ما ذهب إليه المؤلف مِن الإعراب له وجه يعني ليس باطلًا لكن لو قيلك إن (تنزيلٌ) هو الخبر مقدَّم و(كتاب) مبتدأ مؤخر لكان أوضَح وأبيَن، (تنزيلٌ من الرحمن الرحيم) مَن يعني به؟ يعني به الربّ عز وجل أي: تنزيلٌ مِن الله الرحمن الرحيم لكنَّه أتى بهذَيْن الاسمين الكريمين إشارةً إلى أنَّ القرآن رحمة لأنَّ إنزالَه مِن مقتضى رحمة الله عز وجل، أليس من الممكن أن يقال: تنزيلٌ من الله؟ نعم كما جاء في آياتٍ أخرى لكنَّه قال: من الرحمن الرحيم إشارة إلى أنَّ هذا القرآن نزَل بمقتضى رحمة الله عز وجل، وأنَّ الله رحِمَ به العباد، والرحمن الرحيم اسمان من أسماء الله مِن أشرف أسماء الله عز وجل ويأتِيان مقتِرِنَين ويأتِيان منفَصِلَيْن بعضهما عن بعض، فإن انفصلا فكلُّ واحد متضَمِّنٌ معنى الآخر فقوله: (( الرحمن على العرش استوى )) هذا منفرد عن الرَّحيم فيتضَمَّن الصفة والفعل، أي أنَّ الله تعالى موصوفٌ بالرحمة الواسعة وهو سبحانه وتعالى يرحَم بهذه الرحمة مَن شاء من عباده، وفي قوله: (( وهو الغفور الرحيم )) أيضًا نقول: الرحيم هنا تشْمَل الوصف والفعل، لأنَّها انفردت عن الرحمن، أما إذا اجتمع الرحمن والرحيم كانت الرحمن للصفة والرحيم للفعل ولهذا جاءت الرحمن على وزن (فعْلَان) وهذا الوزن في اللغة العربية يقتضي الامتِلاء وتمام الوصف الذي كان مُرادًا، فمثلًا يقال: غضبان لِمَن امتلَأَ غضبًا، ويقال: غاضب لِمَن كان غضبُه خفيفًا، وكذلك سكران للممتلئ سكَرًا، فكلُّ هذا الوزن يفيد الامتلاء والسَّعَة، أما الرحيم فهي غُلِّب فيها جانب الفعل أي: إيصال الرحمة إلى المرحوم ولهذا جاءت في القرآن الكريم (( وكان بالمؤمنين رحيما )) أي قد وصلت رحمتُه الى المؤمنين على وجهٍ مطلق، أمّا غير المؤمنين فإنَّه يرحمُهم بالمعنى العام، طيب خلاصة ما قلنا في الرحمن الرحيم قلنا: إما أن يُذكر الرحمن مع الرحيم أو يفرد أحدهما عن الآخر، فإنْ أُفرِد أحدهما عن الآخر تضمن الثاني وإن ذُكِرَا جميعًا غُلِّبَ في الرحمن جانبُ الصفة وفي الرحيم جانب الفعل، واعلم أنَّ هذين الاسمين الكريمين يدُلَّان على أنَّ الله تعالى موصوفٌ بالرحمة كما قال تعالى: (( وربُّك الغفُور ذو الرحمة )) (( وربُّك الغَنِيُّ ذو الرحمة )) فالرحْمَة صفتُه والرحيم اسمُه، وهل هذا الاسم مما يتعَدَّى أو مِن المصادر اللازمة؟ يتعَدَّى، لقوله تعالى: (( ويرحم من يشاء ))، والقاعدة في العقيدة أنَّه إذا كان الاسم لازمًا لا يتعدى فإنه يتضَمَّن أمرين: إثبات الاسم وإثبات الصفة، وإذا كان يتعدى يتضَمَّن ثلاثة أشياء: إثبات الاسم وإثبات الصفة وإثبات الفعل، فكلمة (العظيم) اسم من أسماء الله لازم أو متعدي؟ لازم، ولهذا يقال: عَظُم أي صار عظيمًا، الإيمان به يتضَمَّن الإيمان بـ(العظيم) على أنَّه اسمٌ من أسماء الله، ويتضمَّن أيضًا ثبوت العظمة لله عز وجل، (الرحمن) يتضمن ثلاثة أشياء: يتضمَّن الرحمن اسمًا مِن أسماء الله، والثاني: الرحمة صفةً من صفاته، والثالث: الفعل أي أنَّه يرحم من يشاء وعلى هذا فقِسْ، فالإيمان بالأسماء نقول: إن كانت متعدية لَزِمَ أن تُؤمِن بالاسم والصفة والفعل، وإن كانت لازمة وجَب أن تُؤمِن بالاسم والصفة، (( كتابٌ فصلت آياته )) كتاب فعال بمعنى مفعول أي مكتُوب، وبماذا هو مكتوب؟ نقول: مكتوبٌ في اللوح المحفوظ مكتوب في الصُّحَف التي بأيدي الملائكة مكتُوبٌ بالصحف التي بأيدينا، أما الأول فدليلُه قوله تعالى: (( بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ ))، وأما الثاني فدليله قوله تعالى: (( فمَن شاء ذكره * في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة ))، وأما الثالث فواضح فكلُّ ما جاءَ من (كتاب) فهو يتضمَّن هذه المعاني الثلاثة: كتاب أي مكتوب في ماذا؟ في اللوح المحفوظ في الصحف التي بأيدي الملائكة في الصحف التي بأيدينا