تفسير قوله تعالى : (( الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون )) . حفظ
(( الذين لا يؤتون الزكاة )) هذه صفة للمشركين (الذين لا يؤتون) أي لا يعطون الزكاة، والزكاة هنا يحتمل أن تكون زكاةَ النفس ويحتمل أن تكون زكاة المال، فإن كانت زكاة المال ففيه إشكال، لأنَّ ظاهرها يقتضي أنَّ الكفار يلزمُهم إخراج الزكاة ومعلومٌ أنَّ إخراج الزكاة لا يُطالَب به العبد حتى يُسْلِم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ( إنك تأتي قومًا أهلَ كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه توحيد الله ثم ادْعُهم إلى الصلاة ثم ادعهم إلى الزكاة ) وهذا يدُلُّ على أن الزكاة لا يُخاطَب بها الإنسان أي بأدائها إلا بعد أن يُسلِم، أمَّا إذا قلنا أن المراد بالزكاة زكاة النفس فإنه لا يرِد على هذا إشكال لكن يرِد على هذا إشكالٌ مِن جهة اللفظ وهي قوله: (( لا يؤتون الزكاة )) فهل زكاةُ النفس شيءٌ يُعطَى هذا محلّ نظر ولذلك الآية فيها إشكال سواءٌ فسَّرْتها على هذا أو على هذا، وإذا كان فيها إشكال بين معنيين فإننا نطلب المرجِّح، والراجح أنَّ المراد بها زكاةُ النفس والمعنى: لا يؤتون أنفسَهم زكاتَها وفي الحديث: ( آتِ نفسي تقواها وزكِّها أنت خيرُ مَن زكاها ) فعلى هذا نُرجِّح أنَّ المراد بالزكاة زكاة النفس ويكون المعنى: لا يؤتون أنفسهم زكاتَها بل يُهملونَها ويغفُلون عنها (( وهم بالآخرة هم كافرون )) (هم بالآخرة) (بالآخرة) جار ومجرور متعلق بـ(كافرون) و(هم) مبتدأ و(هم) الثانية يقول المفسِّر: " تأكيد " تأكيد لايش؟ تأكيدٌ لفظي لـ(هم) الأولى والتأكيد اللفظي أن تُعاد الكلمة بلفظها كما قال ابن مالك:
وما من التوكيد لفظيٌّ يجي مكرَّرًا كقولك ادرجي ادرجي
نعم (( وهم بالآخرة هم كافرون )) أي جاحِدون لها غير مؤمنين بها يقولون: (( ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر )) يعني يمُوت قومٌ ويحيا آخرون وما يهلكنا إلا الدهر ولا بعثَ ولا حساب