تفسير قوله تعالى : (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون )) . حفظ
الشيخ : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم قال الله تبارك وتعالى: (( إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجرٌ غير ممنون )) لَمَّا ذكَرَ عقوبةَ المشركين بيَّن ثواب المؤمنين، لأنَّ الله تعالى أنزل هذا الكتاب مثانِي، وإنما كان الأمر كذلك، ليكون الإنسان سائِرًا إلى ربِّه بين الخوف والرجاء، فإنَّه إذا سمع عقوبة المكذبين خاف، وإذا سمع ثواب المؤمنين رجَا، وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون سائرًا إلى الله عز وجل بين الخوف والرجاء كما قال تعالى: (( إنهم كانوا يسارِعُون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا )) ولكن في بعض الأحيان قد يكون من المصلحة تغلِيب الرجاء أو مِن المصلحة تغليب الخوف فإذا اشتَدَّت رغبة الإنسان في المعصية فَليُغَلِّب جانب الخوف حتى يرتدِع عنها، وإذا فعل الإنسان العبادة فَليُغَلِّب جانب الرجاء وهو قبُولُ الله تبارك وتعالى لها، وكذلك أيضًا ينبغي له في حال المرض أن يرجِعَ إلى الله سبحانه وتعالى وأن يُحْسِنَ الظن به كما جاء في الحديث ( لا يموتَنَّ أحدكم إلَّا وهو يحسن الظن بربه ) بارك وتعالى، يقول: (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات )) جمع الله تعالى بين العقيدة والعمل بين الإيمان والإسلام (آمنوا) العقيدة (عملوا الصالحات) الإسلام وهذا كما ترَوْن يقع في القرآن كثيرًا فالإيمان وحده لا يكفِي بل لا بد مِن عملٍ صالح حتى يحصُلَ الثواب، وكلما جاءت (آمَنُوا) فالمراد آمَنُوا بما يجب الإيمان به من الأصول الستة التي بيَّنَها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لجبريل حين قال: ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤْمِن بالقدر خيره وشره ) وذلك لأنَّ الإيمان المجمَل في القرآن يفسِّرُه تفصِيل السنة، لأنَّه لا أحدَ أعلم بكتاب الله مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما قوله: (( وعملوا الصالحات )) فمعلوم أنَّ الصالحات وصفٌ لموصوفٍ محذوف التقدير: الأعمال الصالحات فما هي الأعمال الصالحات؟ الأعمال الصالحات ما جمعَت شرطين: الأول: الإخلاص لله عز وجل، والثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكُلُّ عمَلٍ فيه شرك فإنه ليس بصالح وهو مردودٌ على صاحبه لقول الله تعالى في الحديث القدسي: ( أنا أغنَى الشركاء عن الشرْك مَن عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركتُه وشِرْكَه ) وكذلك أيضا لا بد من اتِّباع الرسول فالعمل البدعِيّ غير مقبول وإن أخلص الإنسان فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا فهو ردّ ) إذًا الأعمال الصالحات لا بد أن تتضَمَّن شيئين وهما: الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، (( لهم أجر غير ممنون )) هذه الجملة خبر (إن)، (لهم أجر غير ممنون) قد نقول: إنَّ تقديم الجار يدل على الحصر أي لهم لا لغيرِهم مِن المكذبين أو الفاسقين (أجْرٌ) أي ثواب (غير ممنون) يقول المفسر: " غير مقطوع " بل هو دائم كما قال تعالى: (( ولهم رزقُهم فيها بكرة وعشيًّا )) وقيل: (غير ممنون) غير ممنونٍ به أي يعطَوْنه بلا مِنَّة وهذا محتمِل وإذا كان محتمِلًا ولا ينافي المعنى الأول كان المراد بالآية المعنيين جميعًا، إذ لدينا قاعدة في التفسير وكذلك في الحديث مهمة وهي: إذا كان النَصُّ يحتمِلُ معنيين لا ينافي أحدُهما الآخر فإنَّ النص يُحمَل عليهما جميعًا، وذلك لأنَّ الله سبحانه وتعالى يعلَم ما يحتمِلُه كلامُه وكذلك الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلمَّا لَـمْ يُعَيِّن أحد الاحتمالين وجَبَ أن يكون شامِلًا لهما، لكن إذا كان أحدُهما أرجَح مِن الآخر فإنَّه يُتَّبَع الأرجح ولهذا نقول: يُقَدَّمُ ظاهر النص على تأويل النص والتأويل كما تعلمون هو اتِّباع المعنى المرجوح، إذًا (لهم أجر ممنون) أي: ثواب غير مقطوع وثواب غير ممنونٍ به.