فوائد قوله تعالى : (( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين )) . حفظ
ثم قال الله تبارك وتعالى: (( قل أئنكم لتكفرون )) إلى آخره في هذا دليل على وجوب إعلان المؤمن ما عليه الكفار مِن الكُفْر بالله، لقوله: (( قل أئنكم لتكفرون )) ويتفرَّع على هذه الفائدة أنَّه لا تجُوز مداهَنُةُ الكفار وإن كانَت المداراة تجُوز لكن المداهَنَة لا تجوز، والفرق بينهما: أنَّ المداهنة سكوت الإنسان عن معصية العاصي كأنه يقول: لك معصيتُك ولي طاعتِي فأنت اعمل وأنا أعْمَل هذه مداهَنة مصانَعَة لا تجوز قال الله تعالى: (( ودُّوا لو تُدْهِن فيُدْهِنُون )) لكن لا يجوز للمؤمن أن يُدَاهِن، أما المداراة فمعناه أن ينقُل الإنسانُ مما هو عليه من المعصية شيئًا فشيئًا وهو غير راضٍ بها بل هو كارِه ولا يرى أنَّه يجوز إقرارُها، بخلافِ المداهِن: المداهنة في الحقيقة أشبه ما لها في وقتنا الحاضر ما يسمونه بالمجامَلة أو بالعلمنة، العلمنة الآن العلمانيين يقول: خلي كل إنسان وشأنه، الدولة دولة والدين دين، الدولة لابد أن تتَّحِد والدين: لِكُلٍّ دينُه، لا تنكر على الكافر ولا على الفاسق خلوا كل إنسان يعمل ما شاء، فالمهم أنَّ هذه الآية الصريحة في أنَّه يجب أن نُنْكِر على الكافرين كفرَهم وألا نداهِنَهم
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّه ينبغي تأكيد ما يمكن أن يُنفَى أو يُشَكّ فيه وجهه: أنه أكد ذلك بقوله: (( أئنكم لتكفرون )) وإلا فيكفي أن يقول: قل لقد كفرتم أو قل كفرتم، لكن لَمَّا كان هذا أمرًا يُشَكُّ فيه ويقال: هؤلاء لم يكفروا بالله بل آمنوا به، لأنهم يؤمنون بأنَّ الله موجود وبأن الله خالق السماوات والأرض. لكن إذا لم يتِّبِعُوا شرعَه فهم كافرون به ولو أقَرُّوا بوجوده.
ومِن فوائد الآية الكريمة بيانُ قُدْرَةِ الله عز وجل وبيانُ حكمته في خلق السماوات والأرض حيث خلَقَ هذه الأجرام العظيمة الكبيرة الواسعة في خلال ستة أيام، أما الحكمة فوجهه: أنَّ الله جل وعلا كان قادرًا على أن يخلُقَها بايش؟ بلحظة واحدة: كن فيكون لكنَّه جل وعلا ربَط الأسباب والمسببات وجعلَها تتفاعَل شيئًا فشيئًا حتى تنتهي، هذا مِن وجه ومِن وجه آخر أنَّه أخَّرَ ذلك ليعَلِّمَ عبادَه التَّأَنِّي في الأمور.
ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ خلْق الأرض قبل خلْق السماء، لأنه لَمَّا ذكَرَ خلقَ الأرض في أربعة أيام قال: ثم استوى إلى السماء وهذا كقوله تعالى في سورة البقرة: (( هو الذي خَلَق لكم ما في الأرْض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسَوَّاهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم )) ولكنَّ هذا يعارِضُه ظاهِرُ قوله تعالى: (( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها * وأخرج ضحاها * والأرض بعد ذلك دحاها )) فهنا ذَكَر أنَّ الأرض دُحِيَت بعد خلق السماء فهل المراد بالدَّحْو شيءٌ سِوى الخلق؟ أو إنَّ البَعْدِيَّة هنا بعدِيَّة ذِكْر يعني كما يقولون: هذا ترتيب ذِكْرِي وليس ترتيبًا زمنِيًّا، في هذا وجهان: الوجه الأول أنَّ الدحوَ ليس الخلق بل هو شيءٌ آخر فسره الله في قوله: (( أخرَج منها مائَها ومرعاها)) هذا الدَّحْو وإخراجُ الماء والمرعى شيءٌ زائد على الخلق والتكوين، وأما الوجه الثاني: فإنَّ البَعْدِيَّة هنا بعدِيَّةُ ذِكْر وهو ما يعرف عند علماء النحو بالترتيب الذِّكْرِي ومنه قول الشاعر: " إنَّ مَن سَاد ثم سَاد أبوه ثم ساد مِن بعْدِ ذلك جَدُّه " فتجد الآن الترتيب على خلاف الترتيب الزمَنِي لكنَّ هذا يُسَمَّى ترتيبًا ايش؟ ذِكْرِيًّا، يحتمل وجهين ولكن الوجه الأول أولى أن يقال: إنَّ الدَّحْو ليس الخلق، الخلق والتكوين شيء والدَّحْو شيء آخر والدليل أنَّ الله تعالى قال في الدَّحْو مفَسِّرًا إياه قال: (( أخرج منها مائَها ومرعَاها )) أفهمتم الآن؟ إذًا لا معارضة بين الآيتين، لِتَنَزُّلِ كُلِّ واحدةٍ منهما على وجهٍ لا يعارضُ الوجهَ الآخر، واعلم أنَّه ينبغي للإنسان إذا رأى آيتين ظاهرُهما التَّعارض ألا يُسرِع في الحكم بالتعارُض، لأنَّه لا يمكن أن تتعارَض آيتان مِن كُلِّ وجْه كما ذكرْنا ذلك في أصول التفسير، ولكن لِيَتَأَنَّى ولْيَتَأَمَّلْ ولْيُفَكِّرْ فإن أدرَك ألَّا تعارُضَ فهذا المطلوب وإلا وجَب أن يسْأَل أهل العلم، فإن لم يتَبَيَّن له الأمر وجَب عليه التوَقُّف وصارت هذه مِن الآيات المتشابهات التي يجِب أن يقول فيها: آمنا بِه كُلٌّ مِن عند ربِّنا، وقد ذكرنا لكم فيما مضى أنَّ مِن العلماء مَن ألَّف في الآيات التي ظاهِرُها التعارض وجمَعَ بينها وذكرْتُ لكم أنَّ مِن أحسن ما رأيت ما ألَّفَه الشيخ الشنقيطي رحمه الله (دفْعُ إيهَامِ الاضطِرَاب عن آيِ الكِتَاب).
ومِن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ نَوْع الكفر الذي حصَل مِن هؤلاء المخاطَبِين: الشرك، لقوله: (( وتجعلون له أندادًا )) وجَعْلُ الأنداد له أنواع كثيرة: إما أن يُجعَلَ له أندادًا في الذات فيقول: إنَّ الله له مثِيل كما فعلَتِ النصارى حيث قالوا: إنَّ الله ثالِثُ ثلاثة، وكما فعَل الممَثِّلَة الذين مَثَّلُوا صفاتِ الله بصفاتِ خلْقِه فإنَّ هذا مِن الشرك، وقد يكون ندًّا في العبادة يعبدُه وإن كان لا يرى أنَّه مِثْلُ الله لكن يعبدُه ويدَّعِي أنَّه إنما عبَدَه لِيُقَرِّبَه إلى الله عز وجلن وقد يكون هناك أنداد في المحبة يُحِبُّ الشيء كما يُحِبُّ الله والعجَب أنَّ الشيطان يجرِي مِن ابن آدم مجرى الدم فيُحِبُّ الشخص ويتعلَّق به كثيرًا ويقول: أنا أحِبُّه لله والحقيقة أنَّه يحِبُّه مع الله وليس لله، الذي يحِبُّ الشخص لله تكون المحبَّة الأصلية ما هي؟ محبَّةُ الله وهذا أحبَّه لأنه يُحِبُّ الله، لكن الذي يجعل قلبَه منصرِفًا إلى هذا المحبوب لا يفَكِّرُ إلا به ولا ينام إلى على ذِكرِه ولا يستيقِظُ إلا بذِكرِه هذا لم يُحِبَّه لله بل أحبَّه مع الله، وهذا شرْك كما قال تعالى: (( ومِن الناس مَن يتَّخِذُ مِن دون الله أندادًا يحِبُّونَهم كحُبِّ الله ))، كذلك مِن النِّدّ أن يتعلَّقَ قلْبُ الإنسان بالمخْلُوق خوفًا ورجاءً لا محبة: خوفًا ورجاءً، بحيث يعتمِد عليه في تحصِيل معاشِه أو في دفع الضَّرَر عنه وهذا يقَع كثيرًا ولاسيَّمَا بعد فتحِ المستشْفَيات فإنَّ أكثرَ الناس يتعلَّق قلبُه بايش؟ بالمستشفى تجده إذا مرِض قال: .. هين أروح أصرف حبة أو حبتين، ما يقول: يا رب عافِني أو يلْجَأ إلى الله، على طُول روح حبة ولَّا حبتين ولَّا ثلاثة مع أنه ربما يكون هذا الطبيب الذي اعتمَدَ عليه ورجاه كافِرًا ملحِدًا، هذا أيضًا مِن اتِّخَاذ النِّدِّ لله ولهذا كان ضرَرُ المستشفيات الآن مع ما فيها من نَفْع وخَيْر كثير والحمد لله لكن كان فيها ضَرَر عظيم، لأنَّ الناس الآن صاروا يُعَلِّقون آمالهم ويُجْلُون آلامَهم بايش؟ بالمستشفيات، أبدًا لو يجي الإنسان لو تقُطّه الشوكة: يلَّا المستشفى طلِّعها بظفرك ولَّا طلعها بالمقياش قال: المستشفى، لا إله إلا الله، المرأة إذا جاها الطَّلْق وصارَت تُطْلِق طلقًا عادِيًّا ايش يعمل؟ المستشفى، والمستشفى ماذا يقول؟ والله هذه مسألة خطيرة لا بد مِن قَيْصَرِيَّة القيصرية هذه نشق البطن، ثم يبقى عندها عشرة شُقُوق في بطنها إذا ولدت عشرة أولاد يبقى هذا البطن ما يتحمل أي حمْل لو حمل انفجر، كلُّ هذا نوع مِن الشرك، لا تلجَأْ الى المستشفى إلَّا للضرورة القصوى اجعل رجائَك دائمًا معلَّقًا بالله وقل: إن الذي خلقَنِي وأوجَدَنِي أوّلَ مرة قادِر على أن يُزِيلَ ما نزَلَ بي مِن مرض أليس كذلك؟ وهو أقدَر مِن كُلِّ أحد يزيلُه عز وجل بدون أي عملية وبدون حبوب وبدون مياه وبدون إبَر، المهم أنَّ اتخاذ الأنداد ليس خاصًّا بشيءٍ معَيَّن، يكون في أشياء كثيرة، فإياك أن يكون لك نِدّ حتى إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( تعِسَ عبدُ الدينار تعِسَ عبْدُ الدِّرْهم تعِسَ عبدُ الخميصة تَعِس عبْد الخمِيلة ) مَن عابدُ هذه؟ هل الإنسان يضَع الدينار فوقه ويسجد له ويركع؟ لا ولا كذلك الدرهم ولا الخميصة ولا الخميلة لكن لَمَّا كان قلبُه معلَّقًا بهذا الشيء إن أُعطِي رَضِي وإن لم يُعْط سخِط صار عبدًا لها نسأل الله أن يُعِيذنا وإياكم من ذلك.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة بيان امتِناع النِّدِّ لله عز وجل لقوله: (( ذلك رب العالمين )) وجه الامتناع: أنَّه رب العالمين وأيُّ نِدٍّ يكون ربَّ العالمين؟ ماذا تقول يا أسامة أجب؟ ما هو؟ أين ذهبْتَ؟
الطالب: لا لا أسمع ..
الشيخ : تسمع ولكنك لا تعِي، لأن القلب غير حاضر أليس كذلك؟ نعم ولَّا بلى؟ الظاهر .. مقْتَرَف الذنب يُعفَى عنه، أقول: في هذا في قوله: (( ذلك رب العالمين )) دليل على ايش؟ على أنه لا يمكن أن يكون أحدٌ نِدًّا لله لماذا؟ لأن مَن يمكن أن يُقال: إنه رب العالمين؟ لا يمكن، فهو رَبّ وما سواه مرْبُوب إذًا ما سواه لا يصِح أن يكُون نِدًّا له.
ومن فوائد الآية الكريمة عموم ربوبِيَّة الله عز وجل لكُل ِّالعالم لقوله: (( ذلك رب العالمين )).
ومن فوائدها وجوب الخضوع له شرعًا كما أننا نخضَع له قدرًا، لأن هذا مقتضى الربوبية: أن تخضَع لهذا الرب شرعًا كما أنَّك خاضِعٌ له قدرا، كُلٌّ خاضِع لله قدرًا (( ولله يسجد مَن في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا )) هذا السجود ايش؟ القَدَرِي فيجِب أن تخضَعَ له شرعًا وأن تتذَلَّلَ له تكون أمامَه ذليلًا كما كنت أمامَه ذليلًا في قدَرِه.