تتمة فوائد قوله تعالى : (( ... أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون * فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون )) . حفظ
لكن المقام مقام مُحَاجَّة ومقام الـمُحَاجَّة لا بأس أن يُذكَر فيها المفاضلة بين الـمُفَضَّل والـمُفَضَّل عليه، ونظيرُ هذا بل أبلغ منه قول الله تعالى: (( آلله خير أم ما يشركون )) أفِيدُوني: هل في أصنامهم خير؟
الطالب: لا.
الشيخ : لكن هذا مِن باب الـمُحَاجَّة وأنَّ الإنسان يُحَاجُّ الخصمَ بما يُقِرُّ به، طيب قوله: (( هو أشد منهم قوة )) يتفرع على هذا من الفوائد: خطأُ مَن يفَسِّر قول الله تعالى: (( الله أعلم حيث يجعل رسالته )) (( وربُّك أعلم بمن في السماوات والأرض )) (( وهو أعلَم بالمهتدين )) وما أشبه ذلك حيث يُفسِر (أعلم) بعالم كالجلالين رحمه الله (أعلم) يقول: عالم هذا خطأ عظيم وتحريفٌ للقرآن أيُّهما أبلغ أعلم أو عالم؟ أعلم، لأنَّ أعلم يمنع المشاركة، و(عالم) لا يمنع المشاركة تقول: فلان عالِم وفلان عالم وفلان عالم لكن إذا قلت: فلان أعلَم. معناه أنه لا يساويه أحدٌ في درجته فتفسير (أعلم) بـ(عالم) لا شك أنه تحريف للقرآن وقصور عظيم.
من فوائد هذه الآية الكريمة بيان أنَّ هؤلاء المكذبين لهود وهم عاد جمعوا بين الأمرين بين الاستكبار وبين التكذيب الاستكبار في قوله: (( استكبروا في الأرض )) التكذيب (( وكانوا بآياتنا يجحدون )).
ومِن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ الله عز وجل أرسل الرسلَ بالآيات وأقام البينات والبراهين على أنَّه الحق وأنَّ رسُلَه حق لقولِه: (( بآياتنا )).
ومن فوائد هذه الآيات أنَّ الرياح تجرِي بأمر الله لقوله: (( فأرسلْنَا عليهم ريحًا )) ولا شكَّ أنَّ كلَّ شيء يجري بأمرِ الله حتى أفعال البشر تكون بأمر الله عز وجل كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، فكلُّ شيء فإنه يسير بأمر الله عز وجل الرياح السَّحاب البحار الأنهار كلُّها تجري بأمر الله عز وجل.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة بيانُ حال هذه الريح التي أهلك الله بها عادًا وأنها ريحٌ صرْصَر شديدة، وفي آياتٍ أخرى ما يدل على أنها ليس فيها مطر وليس فيها خير بل هي عقيمَةٌ عن الخير كله.
ومن فوائد هذه الآيات الكريمة حكمَةُ الله عز وجل في مجازَاة مَن يستَحِقُّ الجزاء حيث يُجازَى بمثل عملِه ولهذا يقول العلماء: الجزاء من جنس العمل وجهُ ذلك: أنَّ الله أرسلَ على هؤلاء المستكبرين الذين يقولون: مَن أشدُّ منا قوة. أرسل عليهم الريح اللَّيِّنَة الْهـَيـِّنة ومِن حكمة الله عز وجل في هذا العذاب أنها لم تكن تجرِفُهم في آن واحد بل سُلِّطَت عليهم سبع ليالي وثمانية أيام، ليكون هذا أشدّ في استغراق العقوبة، لأنَّ الإنسان المعاقب لو عُوقِب بما يهلكُه فورا لكان ينتهِي من العقوبة، لكن إذا كانت العقوبة تأتِي عليه في ساعات أو أيام صار هذا أشد.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة بيان أنَّ أفعال الله تعالى مقرونةٌ بالحكمة لقوله؟ اي الظاهر أنك سارح أليس؟ كذلك طيب أظن قررنا أن الذي يسرَح والسرح يحتاج إلى مشي أنه يقام قائمًا حتى ينتهي الدرس ... فهل لك أن تقوم ولَّا؟ أوَ تستقيم؟ طيب في هذا بيان إثبات أنَّ أفعال الله تعالى مقرونةٌ بالحكمة لقوله: (( لنذيقهم )) وهذا مذهب أهل السنة والجماعة أنَّ أفعالَ الله تعالى مقرونةٌ بالحكمة وأنَّ شرعَه مقرُونٌ بالحكمة فكُلُّ ما شرعَه أو قدَّرَه فإنه لحكمة لكن هل هذه الحكمة معلومة؟ منها ما هو معلوم ومنها ما ليس بمعلوم وأسأل الأخ المالي هذا اضرِب لي مثلًا بما حكمتُه غير معقولة يعني لا ندرِكُها بالعقل؟
الطالب: يعني شيء لا يدركه العقل؟ ما في شيء لا يدركه العقل ...
الشيخ : في أشياء مِن الشَّرع أو مِن القدر معلومَةُ الحكمة وفي أشياء غير معلومة أنا أريد أن تضرِب لي مثلًا للأشياء غير المعلومة التي لا نعلَمُ حكمتَها؟
الطالب: .. مِن المقدرات ..؟
الشيخ : لا مِن المشروعات أسهل لك
الطالب: من المشروعات يعني مثل ما يعذب من الكفار ..
الشيخ : لا لا، حكمة معلومة هذي نعم
الطالب: .. خمس صلوات
الشيخ : نعم مثل الصلوات الخمس ما نعلم الحكمة في أنَّها خمْس أو نعلم الحكمة في أنها أربع وأربَع وأربَع وثنتين وثلاث ما نعلم، لأنَّ عقولنا قاصرة، طيب لكنَّنا نعلم أنَّ الله لا يفعل شيئًا إلا لحكمة ولهذا كان جواب عائشة لِمُعَاذَة أن قالت: كان يصيبُنا ذلك فنُؤْمَر بقضاء الصوم ولا نؤمَر بقضاء الصلاة يعني: وإذا كان الأمر كذلك نؤمَر بقضاء هذا دون هذا فهذا لا بد أن يكون لحكمة، طيب مِن علماء الأمة وفِرَقِها مَن يقول: إنَّ أفعال الله لا تعلَّل ما لها حكمة وشرعُه ما له حكمة يفعَل لمجرد المشيئة يحكم بالشرع لمجرد المشيئة وهؤلاء لا شك أنهم وصَفُوا الله بالنَّقص والسَّفَه وقد أنكر الله على ذلك في قوله تعالى: (( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ))[ص:27] وقال: (( وما خلَقْنَا السماوات والأرضَ وما بينهما لاعبين )) وقال: (( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ))[المؤمنون:115] والآيات في هذا كثيرة وكلُّ آية فيها لام التعليل فإنها تدُلّ على الحكمة، طيب في أُناس عكَسُوا قالوا: إنَّ أفعالَ الله مُعلَّلة بحكمة وأنه يجب عليه أن يفعَل ما تقتضِيه الحكمة وأن يشرَع ما تقتَضيه الحكمة، وهؤلاء أصَابُوا من وجه وأخطئوا من وجه، أصابوا حيث ظنُّوا أننا نُوجِب نحن على ربِّنا بعقولِنا ما نرى أنَّ الحكمة تقتضِيه وهذا غلط ولَّا صح؟ فاهمين كلامي ولَّا لا؟ هؤلاء يقولون: يجب على الله أن يفعل ما فيه الحكمة وجوبًا هذا غلط مِن وجه وصحيح من وجه، فإن أرادوا بذلك أننا نُوجِب على الله أن يفعل ما تقتضي عقولُنا أنه الحكمة فهذا غلط، وإن أرادوا أنَّ الله أوجبَ على نفسه أن يفعل ما به الحكمة لأنه حكيم فهذا صحيح، ونحن لا نشك أنَّ الحكمة هي مراد الله عز وجل، وأنه لا يفعل شيئًا ولا يحكم شيئًا إلا لحكمة، لكن هل نحن الذين نُقَدِّرُ الحكمة ثم نوجِب على الله أن يفعل؟ هذا هو الخطأ فالثاني هذا مذهب المعتزلة والأول مذهب الأشاعرة وأتباعهم والصواب الوسط ودائمًا خير الأمور الوسط
الطالب: ما هو الوسط يا شيخنا؟
الشيخ : الوسط أنَّ الله يجِب عليه يفعل لإيجابه على نفسه الحكمة لأنَّه نفى أن يكون فعلُه عبثًا أو لعبًا أو باطلًا وهذا يقتضي أنَّه سبحانه وتعالى يفعَلُ الشيء لحكمة لكن لسْنا نحن الذين نوجِبُها على الله.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا، لقوله: (( لِنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا )).
ومن فوائدها أنَّ الكافر يعاقب بالعقوبتين: عقوبة الدنيا وعقوبة الآخرة لقوله: (( لنذيقهم
الطالب: عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذابُ الآخرة أخزى ))
الشيخ : ولعذابُ الآخرة أخزى ))، أمَّا المؤمن فإن الله تعالى لا يجمع عليه العقوبتين: إذا عُوقِب بالذنب في الدنيا لم يُعاقِب به في الآخرة، لقوله تبارك وتعالى: (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير )) ولأنَّ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم أخبَرَ أنَّ مَن أتَى شيئًا من هذه القاذورات يعني المعاصي فعُوقِب به في الدنيا لم يُعذَّب به في الآخرة، فالمؤمن إذا عُوقِب في الدنيا على عملِه لم يعاقَب في الآخرة، والكافر يعاقب بهذا وهذا وانظر إلى قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَة )) حيث قال: يضاعف له العذاب فإما أن يكون المراد أنَّ عذاب الآخرة أشَد فيكون بالنسبة لشدَّتِه مضاعفًا وإما أن يكون هو الجمع له بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، وقولنا: إنه يُجمَع له بين عذابين ليس معناه أنَّه حتمِي لكن نقول: إنَّه إذا عُذِّبَ بذنبه في الدنيا لم يسلَمْ مِن تعذيبِه به في الآخرة انتبهوا لهذا حتى لا يرِدَ علينا أنَّ الكفار الآن يموتون وهم في غاية ما يكون من السرور والعافية والأموال والأولاد ولم يجِدُوا عذابًا، والمعنى أنهم لم يجدُوا عذابًا يُشَاهَد لكن العذاب القلبي عندهم لا شك أنَّه موجود أشَدُّ الناس عذابًا قلبيًّا وقلقًا هم الكفار وكلما كان الإنسان أعصَى لربه كان أشَدَّ قلقًا وأقلَّ راحة، وكلما كان أشدَّ إيمانًا وعملًا صالحًا كان أشدَّ طمأنينة استمع إلى قوله تعالى: (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ))[النحل:97] ولم يقل عز وجل: لنعطينه مالًا كثيرًا لا، لنحيينه حياة طيبة ولو كان فقيرًا فتجدُ حياتَه طيبة مطمئِنَّ البال مستريحًا لا يهتَمُّ بشيء إلا بما يرضي الله عز وجل.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّه لا ناصرَ للمعذَّبِين يوم القيامة لقوله: (( وهم لا ينصرون )) وهذه لها شواهد ومنها قوله تعالى: (( يوم تبلى السرائر * فما له من قوةٍ ولا ناصر )) وكذلك هم يقِرُّون بأنهم (( فما لنا من شافعين * ولا صديقٍ حميم )) ثم قال: (( وهم لا ينصرون ))
الطالب: لا.
الشيخ : لكن هذا مِن باب الـمُحَاجَّة وأنَّ الإنسان يُحَاجُّ الخصمَ بما يُقِرُّ به، طيب قوله: (( هو أشد منهم قوة )) يتفرع على هذا من الفوائد: خطأُ مَن يفَسِّر قول الله تعالى: (( الله أعلم حيث يجعل رسالته )) (( وربُّك أعلم بمن في السماوات والأرض )) (( وهو أعلَم بالمهتدين )) وما أشبه ذلك حيث يُفسِر (أعلم) بعالم كالجلالين رحمه الله (أعلم) يقول: عالم هذا خطأ عظيم وتحريفٌ للقرآن أيُّهما أبلغ أعلم أو عالم؟ أعلم، لأنَّ أعلم يمنع المشاركة، و(عالم) لا يمنع المشاركة تقول: فلان عالِم وفلان عالم وفلان عالم لكن إذا قلت: فلان أعلَم. معناه أنه لا يساويه أحدٌ في درجته فتفسير (أعلم) بـ(عالم) لا شك أنه تحريف للقرآن وقصور عظيم.
من فوائد هذه الآية الكريمة بيان أنَّ هؤلاء المكذبين لهود وهم عاد جمعوا بين الأمرين بين الاستكبار وبين التكذيب الاستكبار في قوله: (( استكبروا في الأرض )) التكذيب (( وكانوا بآياتنا يجحدون )).
ومِن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ الله عز وجل أرسل الرسلَ بالآيات وأقام البينات والبراهين على أنَّه الحق وأنَّ رسُلَه حق لقولِه: (( بآياتنا )).
ومن فوائد هذه الآيات أنَّ الرياح تجرِي بأمر الله لقوله: (( فأرسلْنَا عليهم ريحًا )) ولا شكَّ أنَّ كلَّ شيء يجري بأمرِ الله حتى أفعال البشر تكون بأمر الله عز وجل كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، فكلُّ شيء فإنه يسير بأمر الله عز وجل الرياح السَّحاب البحار الأنهار كلُّها تجري بأمر الله عز وجل.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة بيانُ حال هذه الريح التي أهلك الله بها عادًا وأنها ريحٌ صرْصَر شديدة، وفي آياتٍ أخرى ما يدل على أنها ليس فيها مطر وليس فيها خير بل هي عقيمَةٌ عن الخير كله.
ومن فوائد هذه الآيات الكريمة حكمَةُ الله عز وجل في مجازَاة مَن يستَحِقُّ الجزاء حيث يُجازَى بمثل عملِه ولهذا يقول العلماء: الجزاء من جنس العمل وجهُ ذلك: أنَّ الله أرسلَ على هؤلاء المستكبرين الذين يقولون: مَن أشدُّ منا قوة. أرسل عليهم الريح اللَّيِّنَة الْهـَيـِّنة ومِن حكمة الله عز وجل في هذا العذاب أنها لم تكن تجرِفُهم في آن واحد بل سُلِّطَت عليهم سبع ليالي وثمانية أيام، ليكون هذا أشدّ في استغراق العقوبة، لأنَّ الإنسان المعاقب لو عُوقِب بما يهلكُه فورا لكان ينتهِي من العقوبة، لكن إذا كانت العقوبة تأتِي عليه في ساعات أو أيام صار هذا أشد.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة بيان أنَّ أفعال الله تعالى مقرونةٌ بالحكمة لقوله؟ اي الظاهر أنك سارح أليس؟ كذلك طيب أظن قررنا أن الذي يسرَح والسرح يحتاج إلى مشي أنه يقام قائمًا حتى ينتهي الدرس ... فهل لك أن تقوم ولَّا؟ أوَ تستقيم؟ طيب في هذا بيان إثبات أنَّ أفعال الله تعالى مقرونةٌ بالحكمة لقوله: (( لنذيقهم )) وهذا مذهب أهل السنة والجماعة أنَّ أفعالَ الله تعالى مقرونةٌ بالحكمة وأنَّ شرعَه مقرُونٌ بالحكمة فكُلُّ ما شرعَه أو قدَّرَه فإنه لحكمة لكن هل هذه الحكمة معلومة؟ منها ما هو معلوم ومنها ما ليس بمعلوم وأسأل الأخ المالي هذا اضرِب لي مثلًا بما حكمتُه غير معقولة يعني لا ندرِكُها بالعقل؟
الطالب: يعني شيء لا يدركه العقل؟ ما في شيء لا يدركه العقل ...
الشيخ : في أشياء مِن الشَّرع أو مِن القدر معلومَةُ الحكمة وفي أشياء غير معلومة أنا أريد أن تضرِب لي مثلًا للأشياء غير المعلومة التي لا نعلَمُ حكمتَها؟
الطالب: .. مِن المقدرات ..؟
الشيخ : لا مِن المشروعات أسهل لك
الطالب: من المشروعات يعني مثل ما يعذب من الكفار ..
الشيخ : لا لا، حكمة معلومة هذي نعم
الطالب: .. خمس صلوات
الشيخ : نعم مثل الصلوات الخمس ما نعلم الحكمة في أنَّها خمْس أو نعلم الحكمة في أنها أربع وأربَع وأربَع وثنتين وثلاث ما نعلم، لأنَّ عقولنا قاصرة، طيب لكنَّنا نعلم أنَّ الله لا يفعل شيئًا إلا لحكمة ولهذا كان جواب عائشة لِمُعَاذَة أن قالت: كان يصيبُنا ذلك فنُؤْمَر بقضاء الصوم ولا نؤمَر بقضاء الصلاة يعني: وإذا كان الأمر كذلك نؤمَر بقضاء هذا دون هذا فهذا لا بد أن يكون لحكمة، طيب مِن علماء الأمة وفِرَقِها مَن يقول: إنَّ أفعال الله لا تعلَّل ما لها حكمة وشرعُه ما له حكمة يفعَل لمجرد المشيئة يحكم بالشرع لمجرد المشيئة وهؤلاء لا شك أنهم وصَفُوا الله بالنَّقص والسَّفَه وقد أنكر الله على ذلك في قوله تعالى: (( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ))[ص:27] وقال: (( وما خلَقْنَا السماوات والأرضَ وما بينهما لاعبين )) وقال: (( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ))[المؤمنون:115] والآيات في هذا كثيرة وكلُّ آية فيها لام التعليل فإنها تدُلّ على الحكمة، طيب في أُناس عكَسُوا قالوا: إنَّ أفعالَ الله مُعلَّلة بحكمة وأنه يجب عليه أن يفعَل ما تقتضِيه الحكمة وأن يشرَع ما تقتَضيه الحكمة، وهؤلاء أصَابُوا من وجه وأخطئوا من وجه، أصابوا حيث ظنُّوا أننا نُوجِب نحن على ربِّنا بعقولِنا ما نرى أنَّ الحكمة تقتضِيه وهذا غلط ولَّا صح؟ فاهمين كلامي ولَّا لا؟ هؤلاء يقولون: يجب على الله أن يفعل ما فيه الحكمة وجوبًا هذا غلط مِن وجه وصحيح من وجه، فإن أرادوا بذلك أننا نُوجِب على الله أن يفعل ما تقتضي عقولُنا أنه الحكمة فهذا غلط، وإن أرادوا أنَّ الله أوجبَ على نفسه أن يفعل ما به الحكمة لأنه حكيم فهذا صحيح، ونحن لا نشك أنَّ الحكمة هي مراد الله عز وجل، وأنه لا يفعل شيئًا ولا يحكم شيئًا إلا لحكمة، لكن هل نحن الذين نُقَدِّرُ الحكمة ثم نوجِب على الله أن يفعل؟ هذا هو الخطأ فالثاني هذا مذهب المعتزلة والأول مذهب الأشاعرة وأتباعهم والصواب الوسط ودائمًا خير الأمور الوسط
الطالب: ما هو الوسط يا شيخنا؟
الشيخ : الوسط أنَّ الله يجِب عليه يفعل لإيجابه على نفسه الحكمة لأنَّه نفى أن يكون فعلُه عبثًا أو لعبًا أو باطلًا وهذا يقتضي أنَّه سبحانه وتعالى يفعَلُ الشيء لحكمة لكن لسْنا نحن الذين نوجِبُها على الله.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا، لقوله: (( لِنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا )).
ومن فوائدها أنَّ الكافر يعاقب بالعقوبتين: عقوبة الدنيا وعقوبة الآخرة لقوله: (( لنذيقهم
الطالب: عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذابُ الآخرة أخزى ))
الشيخ : ولعذابُ الآخرة أخزى ))، أمَّا المؤمن فإن الله تعالى لا يجمع عليه العقوبتين: إذا عُوقِب بالذنب في الدنيا لم يُعاقِب به في الآخرة، لقوله تبارك وتعالى: (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير )) ولأنَّ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم أخبَرَ أنَّ مَن أتَى شيئًا من هذه القاذورات يعني المعاصي فعُوقِب به في الدنيا لم يُعذَّب به في الآخرة، فالمؤمن إذا عُوقِب في الدنيا على عملِه لم يعاقَب في الآخرة، والكافر يعاقب بهذا وهذا وانظر إلى قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَة )) حيث قال: يضاعف له العذاب فإما أن يكون المراد أنَّ عذاب الآخرة أشَد فيكون بالنسبة لشدَّتِه مضاعفًا وإما أن يكون هو الجمع له بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، وقولنا: إنه يُجمَع له بين عذابين ليس معناه أنَّه حتمِي لكن نقول: إنَّه إذا عُذِّبَ بذنبه في الدنيا لم يسلَمْ مِن تعذيبِه به في الآخرة انتبهوا لهذا حتى لا يرِدَ علينا أنَّ الكفار الآن يموتون وهم في غاية ما يكون من السرور والعافية والأموال والأولاد ولم يجِدُوا عذابًا، والمعنى أنهم لم يجدُوا عذابًا يُشَاهَد لكن العذاب القلبي عندهم لا شك أنَّه موجود أشَدُّ الناس عذابًا قلبيًّا وقلقًا هم الكفار وكلما كان الإنسان أعصَى لربه كان أشَدَّ قلقًا وأقلَّ راحة، وكلما كان أشدَّ إيمانًا وعملًا صالحًا كان أشدَّ طمأنينة استمع إلى قوله تعالى: (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ))[النحل:97] ولم يقل عز وجل: لنعطينه مالًا كثيرًا لا، لنحيينه حياة طيبة ولو كان فقيرًا فتجدُ حياتَه طيبة مطمئِنَّ البال مستريحًا لا يهتَمُّ بشيء إلا بما يرضي الله عز وجل.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّه لا ناصرَ للمعذَّبِين يوم القيامة لقوله: (( وهم لا ينصرون )) وهذه لها شواهد ومنها قوله تعالى: (( يوم تبلى السرائر * فما له من قوةٍ ولا ناصر )) وكذلك هم يقِرُّون بأنهم (( فما لنا من شافعين * ولا صديقٍ حميم )) ثم قال: (( وهم لا ينصرون ))