فوائد قوله تعالى : (( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون )) . حفظ
في الآيتين فوائد: أوَّلًا أنَّ للهِ آيات كثيرة لا تنحَصِر في آيتين أو ثلاث ندرك ذلك مِن قوله: (( ومن آياته )) وما أكثرها في القرآن الكريم: (( ومن آياته أن خلقَكم من تراب )) (( ومن آياته أن خلَق لكم من أنفسكم أزواجًا )) (( ومن آياته خَلْقُ السماوات والأرض وما بثَّ فيهما من دابة )) وهي كثيرة.
من فوائد الآية الكريمة أنَّ لله تعالى آياتٍ محسوسة تُعِينُ على الآيات المعقولة، وهذا مِن رحمة الله عز وجل أنَّ اللهَ أرى عبادَه الآيات المحسوسة لِيستعِينُوا بها على الآيات المعقولة، الآيات المعقولة كُلٌّ يعلم أنَّ كُلَّ حادِثٍ لا بد له مِن مُحْدِث هذه آية عقلية لا يُنْكِرُها أحَد ولهذا قال تعالى: (( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون )) الجواب: لا هذا ولا هذا، هم ما خُلِقُوا مِن غير شيء بل لا بد لهم مِن خالق، ولا خلقوا أنفسهم إذًا لهم خَالق وهو الله عز وجل، ولهذا لَمَّا سمِعَ جُبَير بن مُطْعِم هذه الآية وكان مِن أسرى بدر وسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرَأ بالطور وصل هذه بالآية يقول: كاد قلبي يطير يعني عرفت أني على خطأ وأنَّ المشركين كلهم مُخْطِئُون (( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون )) الجواب: لا هذا ولا هذا فيتعَيَّن أن يكون لهم خالِق، إذًا آياتُ الله عز وجل إما عقلية وإما سمعية محسُوسة، هنا مِن آياته الليل والنهار الآيات هذه محسوسة ولا عقلية؟ محسوسة كُلٌّ يعرف الليل والنهار وأنه لا يمكن لأحد أن يأتِي بهما.
من فوائد الآية الكريمة أنَّ الليلَ والنهار والشمسَ والقمر آياتٌ عظيمة ولهذا نصَّ الله عليهم والأمر كذلك هذه الشمس الكوكب العظيم الـمُنِير الحارّ لا يمكن لأي مخلوق أن يصنَع مثلها إطلاقًا، وقد بَيَّنَّا في أثناء التفسير وجهَ ذلك.
ومن فوائد الآية الكريمة النَّهْي عن السجود للشمس والقمر، لقوله: (( لا تسجدوا للشمس ولا للقمر )) مع أنهما مِن آيات الله لكنَّها مخلوقة، والسجود إنما يكون للخالق، وننتقل مِن هذا إلى نقطَةٍ مهمة أشار إليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو أنَّ صفاتِ الله عز وجل ليسَت هي الله فلا يجُوزُ دعاء الصِّفَة ولا السجود لِصفات الله ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: مَن دعا صفة من صفات الله فإنه كافِر بالاتفاق، يعني لو قال قائل: يا رحمة الله ارحميني. كيف يا رحمة الله ارحميني؟ هل الرحمة شيء بائِن عن الله يستطيع أن يرْحَم أو لا؟ لا فإذا قلت: يا رحمة الله ارحميني معناه أنك جعلْتَ مع الله إلهًا آخر وهذا كفر، وكذلك لو قلت يا قُدْرَة الله أنقذيني هذا حرام شرك قل: يا الله بقدرتك أنقِذْني، ولا يرِدُ على هذا قوله: ( اللهم برحمتك أستغيث ) لأنْ ليس المعنى أنني أستغيث بالرحمة وكأني أعتقدُها شيئًا مستقِلًّا لكن المعنى التَّوَسُّل إلى الله تعالى برحمتِه كأنَّه يقول: يا رب أغثني برحمتِك فيجِب التنبُّه لهذه المسألة، ومن ذلك أيضًا من الخطأ في مثل هذا قول بعض الناس: شاءت قدرة الله. شاء القدر. هذا حرام لا يجوز، القدرة نفسها ليس لها مشيئة المشيئة لِمَن؟ لله عز وجل أما القدرة فليس لها مشيئة لأنها صفة صفةٌ في موصوف والشَّائِي والمختار هو الله عز وجل، أمَّا: اقتضت قدرةُ الله فهذا صحيح، يعني أنه من مُقْتَضَيَات القدرة كذا وكذا أما المشيئة فلا تكون إلا مِن شاءٍ له اختيار وهذا لا يمكن أن يكون مِن الصفة.
ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ مِن بلاغَة القرآن أنه إذا ذَكَرَ الحكم ذَكَرَ الدليلَ العقلي عليه لقوله: (( واسجدوا لله الذي خلقهن )) (اسجدوا لله) هذا واضح أمر شرعي لكن (الذي خلقهن) دليل كوني قدَرِيّ على أنَّ المسْتَحِقّ للسجود من؟ الذي خلق هذه الأشياء كيف تسجدون للشمس والقمر ولا تسجدوا لله الذي خلقَهن، ونظير ذلك قولُه تعالى: (( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم ))، ونظير ذلك قوله تعالى: (( فأما عاد فاستكبروا في الأرض وقالوا مَن أشد منا قوة )) قال الله تعالى: (( أو لم يروا أنَّ الله الذي خلقَهم هو أشدُّ منهم قوة )) لم يقل: أولم يروا أنَّ الله أشد منهم قوة بل قال: الذي خلقهم، ليدُلَّ بذلك دلالة عقلية واضحة أنهم دون الله تعالى في القدرة لأنَّ الله هو الذي خلقَهم وهذا مِن أساليب القرآن المعجِزَة التي تدُلُّ على أنَّه مِن لدُن حكِيم خبير.
ومن فوائد هذه الآيات الكريمة الردّ على عابدي الشمس والقمر لقوله: (( لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله )) استنبط بعض العلماء من هذه الآية فائدة وهي مشروعية صلاة الكسوف قال: لأَنَّ الله قال: (( من آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر )) ولم يقل: لليل والنهار وذلك لأنَّ الشمس والقمر إذا تغيَّرَتَا فقد ينشَأُ في قلب عابدِهما أن يسجُدَ لهما كالتائب فقال: (لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن) وهذا الاستنباط فيه شيء من البُعْد لكنه ليس يعني ممتَنِعًا أن يكون في ذلك إشارة إلى مشروعية صلاة الكسوف.
ومن فوائد الآية الكريمة أنَّه لا يمكن لإنسان يدَّعِي أنَّه يعبُد الله حقَّا أن يسْجُدَ لغَيْر الله لقوله: (( إن كنت إياه تعبدون )).
ومن فوائد هذه الآية الكريمة تحدِّي مَن أشرك بالله بأيِّ نوعٍ من الشرك أن يكون عابدًا حقًّا لله، فالمرائي مثلًا نقول: إنَّك لم تعبُد الله حقًّا لم تُفْرِدْه بالعبادة لأنك أردت بعبادتك التقرُّب إلى مَن؟ إلى المخلوقين ولهذا قال: (( إن كنتم إياه تعبدون ))