فوائد قوله تعالى : (( فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون )) . حفظ
ومن فوائد الآية الكريمة التي بعدها أنَّ المستكبرين عن عبادة الله لن يضَرُّوا الله شيئا لقوله: (( فإن استكبروا فالذين عند ربك )).
ومن فوائدها كشْف تحدِّي هؤلاء الذين يعبدون غير الله بأنهم إذا عبدوا غير الله فلله مَن يعبد الله عز وجل.
ومِن فوائد الآية الكريمة ما استدَلَّ به بعضهم على أنَّ الملائكة أفضَل من البشر وعلَّلَ ذلك بأنَّ الملائكة ليس فيهم مُشْرِك لقوله: (( فالذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته )) وبنو آدم فيهم مؤمن وكافر، والجنس الذي ليس فيهم مشرك خيرٌ مِن الجنس الذي يكون فيه مشرك وموَحِّد، ولكن قد يُعارَضُ هذا الاستدلال فيقال: عبادة الجنس الذي فيه مُشْرِك وموحد أفضَل من عبادة جنسٍ ليس فيه مشرك، وذلك لِمَشَقَّةِ التوحيد في جِنسٍ فيه مشرك على الموحد، فيكون الموَحِّد من بني آدم أفضَل من الملائكة، لأنه عبَدَ الله في قوم لا يعبدون الله، أما الملائكة فكلهم يعبدُون الله ولا يستكْبِرُون عن عبادته، وهذه المسالة فيها خلاف بين أهل العلم وهو لكُلٍّ منهم أدلة لكنْ جمع شيخ الإسلام رحمه الله بين الأدلة فقال: الملائكة أفضَل باعتبار البداية وصالِحُو البشر أفضل باعتبار النهاية وهذا قولٌ لا بأس به جمْع بين الأدلة الدالَّة على التفضيل تفضيل الملائكة على البشر والبشر على الملائكة، ولهذا قال السَّفَّارِينِي رحمه الله:
وعندنا تفضيل أعيان البشر على ملائك ربنا كما اشتهر
قال -يعني الإمام أحمد-: ومَن قال سِوى هذا افترَى يعني مَن قال بغير تفضيل أعيان البشر على الملائكة فهو مُفتري، لكن الصواب يعني أن نقول كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: أما باعتبار البداية فالملائكة أفضَل، لأنهم خلقوا من نور ولا يعصُون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، لكن بالنهاية يكون لِصالِحِي البشر من الثواب والأَجر والقُرْب من الله ما ليس للملائكة.
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ للملائكة إرادة مِن أين يؤخذ؟
الطالب: (( يسبحون له ))
الشيخ : (( يسبحون له )) ولا تسبِيحَ إلا بإرادة ولا تسبِيحَ إلا بإرادة ومِن هنا نقفز إلى الفائدة الثانية وهي: أنَّ جميعَ المخلوقات من الأحجار والأشجار والأنهار والشمس والقمر والسماء والأرض لها إرادة، لأنَّها كلها تُسَبِّح الله (( تسبح له السماوات السبع والأرض ومَن فيهن وإن مِن شيءٍ إلا يُسَبِّح بحمده )) وبهذا نرُدُّ على الذين قالوا: إن قوله تعالى: (( يريد أن ينقض )) يعني الجدار هذا مجاز لأنَّ الجدار ليس له إرادة، فيُقال: مَن قال لكم إنَّه ليس له إرادة بل له إرادة وميلُه يدُلُّ على أنه أراد ولقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في أحد: ( إنه يحبنا ونحبه ) والمحَبَّة أخَصُّ من الإرادة وأثبتَها الرسول صلى الله عليه وسلم للجبل.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ بعض أهل العلم استَدَلَّ بها على عُلُوِّ الله وأنَّ الأشياء ليست كلُّها سواءً بالنسبة للقُرْبِ منه لقوله: (( فالذين عند ربك )) والعندية تقتَضِي القرب وأنَّ بعض المخلوقات إلى الله أقرَب مِن بعض، وهذا لا إشكال فيه، مَن يقول إنَّ مَن كان في الأرض السابعة السفلى هو في القُرْب إلى الله كالذي في السماء السابعة؟ لا أحَد يقول بهذا أما مِن جهة الإحاطة بالخلق فلا شكّ أنَّ القريب والبعيد عند الله على حدٍّ سواء، وأما من جهة الواقع فلا شك أنَّ مَن كان في السماوات أقرَب إلى الله ممن كان في الأرض ولهذا قال: (( فالذين عند ربك )) أقول إن بعض العلماء استدل بهذه الآية على عُلُوِّ الله وقال: نحن في الأرض والذين عند الله لا بد أن يكونوا في السماء، لأنَّه لولا علُوُّه لكنا نحن أيضًا عنده، فكونُه يقول: (( فالذين عند ربك )) يخاطب مَن في الأرض يدُلُّ على عُلُوِّ الله عز وجل، وهذا لا شك أنه استنباط جيد لكنَّا لسْنَا بحاجَةٍ إلى أن نـأتي بهذا الدليل الذي قد تخفَى دلالتُه على كثيرٍ من الناس وعندنا أدلَّة كثيرة واضحة على عُلُوِّ الله عز وجل: أدلة عقلية وأدلة سمعية وأدلة فطرية على عُلُوِّ الله، ولا أحد ينكِرُ عُلُوَّ الله عز وجل العُلُوَّ الذاتي إلا مخبُول غير عاقل وهو بين أمرين: إمَّا أنْ يقول بالحلول وإما أنْ يقول بالعدم، مَن أنكرَ عُلُوَّ الله فهو لا يخرج عن واحدٍ مِن أمرين: إما أن يقول بالحلول أو بالعدم، وفعلًا التزمُوا ذلك فالذين أنكروا علُوَّ الله انقسموا إلى قسمين: قسمٌ قال: إنَّ الله في كل مكان ولم يُنَزِّهِ الله عز وجل عن الحشوش والأقذار والأنتان والأسواق اللي فيها اللغو والكذب والغش وهذا -فيما أرى- كفرٌ صريح أنَّ مَن قال: إنَّ الله بذاته في كل مكان وهو كافر لو مات ما صَلَّيْتُ عليه ولا دعَوْتُ له بالرحمة لأنهَّ مكَذِّبٌ للقرآن وللأدلة العقلية ووَاصِمٌ لربِّه بكل عيب، ومنهم من يقول: إنَّ الله تعالى ليس داخِلَ العالم ولا خارِجَ العالم ولا متَّصِل بالعالم ولا مُبَاين ولا مُحَايِز ولا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال، بماذا وصف الله؟ بالعدم، وصف الله بالعدم، لو قيل لنا: صِفُوا المعدوم ما وصَفْناه بأكثر مِن هذا فيقال: أين هو؟ ما دام لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل بالعالم ولا منفصِل عن العالم ولا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال وين يروح؟ إلَّا العدم ولهذا لَمَّا قال ابن فَوْرَك لمحْمُود بن سَبَكْتَكِين رحمه الله: إني لا أقول إنَّ الله فوق العالم ولا تحت إلى آخره وذكَر هذه الأسْلُوبَات قال: بَيِّن لنا الفرق بين وُجود ربِّك وعدَمِه أو كلمةً نحوها، يعني معناه أنك إذا وصَفْتَ الله بهذه الأوصاف فهذا هو العدَم تمامًا، على كل حال تقْرِير أنَّ الله تعالى في السماء يعني العُلُوّ الذاتي أمْرٌ لا إشكالَ فيه، والعجب أنك تأتي العجوز التي لم تدْرُس ولم تفْهَم ولم تعْلَم وتسألها: أين الله؟ تقول: في السماء. إلا إذا كان الأمر كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أبواه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسَانه ) إلا إذا كانت عائِشَةً بين قوم يُنكِرُون العُلُوّ فربما تُنْكِر بناءً على أنَّ البيئة تُغَيِّر، أما لو أتَيْنا إلى إنسان من حيث الفطرة لرَأَيْنَاه لا يشُكّ في أنَّ الله في السماء، ولذلك أفحَم الهمَدَانِي رحمه الله أفحَم أبا المعالي الجويني حين كان أبا المعالي الجويني يُنكِر استواء الله على العرش ويقول: إنَّ الله تعالى كان ولا عرش وهو الآن على ما كان عليه. يريد أن ينكر استواءه على العرش، استواء الله على العرش دليلُه عقلي ولَّا سمعي؟ سمعِي يعني لولا أنَّ الله أخبرَنا أنَّه استوى على العرش ما علِمْنَا، بخلاف العُلُوّ، العُلُوّ دليلُه عقلِي وسمعي وفطري وأمَّا هذا فدليلُه سمعي، قال له الهمداني رحمه الله قال له: يا شيخ دعْنَا مِن ذِكْر العرش أخبِرْنا عن هذه الضرورة فما قال عارِفٌ قَطُّ: يا الله! إلا وجدَ من قلبه ضرورة بطَلَب العلو، "ما قال عارف" هذي كلمة (عارف) اصطلاح صوفي: العارف عندهم هو العالم الواسع العلم العابِد الكثير العبادة، ما قال عارِفٌ قَط: يا الله! إلا وجد من قلبه ضرورة بطلب العلو. صحيح هذا ولا لا؟
الطالب: صحيح
الشيخ : أي إنسان يقول: يا الله! يجد قلبه يتَّجِه إلى السماء، فصرخ أبو المعالي وجعل يضرِب على رأسه يقول: حيَّرَني الهمداني حيَّرَني عجَز أن يرُدَّ على هذا، فنحن نقول: هو الحمد لله إنَّ العلو أمْرٌ لا غُموضَ فيه ولا إشكالَ فيه ولا ينكرُه إلا شخص مغْموص -والعياذ بالله- بالبدعة ونحن نرى أنَّه كافر وأنه لا تنفَعُه صلاة ولا صدقة ولا صيام ولا حجّ ولو مات ما صلَّيْنا عليه.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ الملائكة مستغْرِقُون الزمنَ كلَّه في العبادة لقولِه: (( يسبحون له بالليل والنهار )) والباء وإن جاءت بمعنى الظرف بمعنى (في) التي هي الظرفية لكن فيها نوع مِن الدلالة على الاسْتِيعَاب كما قال الله تعالى في آية أخرى: (( يسبحون الليل -شوف- يسبحون الليلَ والنهار لا يفترون )).
ومن فوائد الآية الكريمة بيانُ قوة الملائكة لقوله: (( وهم لا يسئمون )) أي لا يمَلُّون ولا يتعَبُون مما يدُلُّ على قوتهم، والأدلة على قوتهم كثيرة منها قصة سليمان عليه الصلاة والسلام حين جاءه الهدهد بخبر
الطالب: سبأ
الشيخ : لا أحد يتكلم ياخي أنا أعرف أنه سبأ أو غير سبأ، حين جاءه الهدهد بخبر ملِكَة سبأ أنَّ لها عرشًا عظيمًا فقال سليمان: (( أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين )) فـ(( قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك )) وكان له وقت محدد يقوم فيه (( وإني عليه لقوي أمين )) جِنِّي يبي يجيبه من أقصى اليمن إلى الشام وهو واحِد، نعم ويقول: (إني عليه لقوي). يؤكد قوَّتَه (أمين) لن أخُونَ فيه (( قال الذي عنده علْمٌ من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرْتَدَّ إليك طرفُك )) الله أكبر! في الحال وجدَه أمامه (( فلما رآه مستقِرًّا عندَه قال هذا مِن فضل ربي )) والفاء تدل على ايش؟ الترتيب والتعقيب ثم قال: (( فلما رآه مستقرا عنده )) ولم يقل: فلما رآه عندَه، مستقِرًّا كأنه وُضِع في هذا المكان مِن سنوات مُسْتَقِر، نعم قال: (( هذا من فضل ربي )) الآن حضر مِن هناك بلحظة يعني كأنَّ العرش مثلًا على يمينك فنقلْته عن يسارك بل أشَدّ، قال أهل العلم: لأنَّ هذا دعَا الله عز وجل فحملَتْهُ الملائكة والملائكة أقوى مِن الجِنّ وهذا لا شَكَّ فيه أنهم أقوى من الجن، نعم (( وهم لا يسئمون )) ثم قال: (( ومن آياته )) إلى آخره
ومن فوائدها كشْف تحدِّي هؤلاء الذين يعبدون غير الله بأنهم إذا عبدوا غير الله فلله مَن يعبد الله عز وجل.
ومِن فوائد الآية الكريمة ما استدَلَّ به بعضهم على أنَّ الملائكة أفضَل من البشر وعلَّلَ ذلك بأنَّ الملائكة ليس فيهم مُشْرِك لقوله: (( فالذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته )) وبنو آدم فيهم مؤمن وكافر، والجنس الذي ليس فيهم مشرك خيرٌ مِن الجنس الذي يكون فيه مشرك وموَحِّد، ولكن قد يُعارَضُ هذا الاستدلال فيقال: عبادة الجنس الذي فيه مُشْرِك وموحد أفضَل من عبادة جنسٍ ليس فيه مشرك، وذلك لِمَشَقَّةِ التوحيد في جِنسٍ فيه مشرك على الموحد، فيكون الموَحِّد من بني آدم أفضَل من الملائكة، لأنه عبَدَ الله في قوم لا يعبدون الله، أما الملائكة فكلهم يعبدُون الله ولا يستكْبِرُون عن عبادته، وهذه المسالة فيها خلاف بين أهل العلم وهو لكُلٍّ منهم أدلة لكنْ جمع شيخ الإسلام رحمه الله بين الأدلة فقال: الملائكة أفضَل باعتبار البداية وصالِحُو البشر أفضل باعتبار النهاية وهذا قولٌ لا بأس به جمْع بين الأدلة الدالَّة على التفضيل تفضيل الملائكة على البشر والبشر على الملائكة، ولهذا قال السَّفَّارِينِي رحمه الله:
وعندنا تفضيل أعيان البشر على ملائك ربنا كما اشتهر
قال -يعني الإمام أحمد-: ومَن قال سِوى هذا افترَى يعني مَن قال بغير تفضيل أعيان البشر على الملائكة فهو مُفتري، لكن الصواب يعني أن نقول كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: أما باعتبار البداية فالملائكة أفضَل، لأنهم خلقوا من نور ولا يعصُون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، لكن بالنهاية يكون لِصالِحِي البشر من الثواب والأَجر والقُرْب من الله ما ليس للملائكة.
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ للملائكة إرادة مِن أين يؤخذ؟
الطالب: (( يسبحون له ))
الشيخ : (( يسبحون له )) ولا تسبِيحَ إلا بإرادة ولا تسبِيحَ إلا بإرادة ومِن هنا نقفز إلى الفائدة الثانية وهي: أنَّ جميعَ المخلوقات من الأحجار والأشجار والأنهار والشمس والقمر والسماء والأرض لها إرادة، لأنَّها كلها تُسَبِّح الله (( تسبح له السماوات السبع والأرض ومَن فيهن وإن مِن شيءٍ إلا يُسَبِّح بحمده )) وبهذا نرُدُّ على الذين قالوا: إن قوله تعالى: (( يريد أن ينقض )) يعني الجدار هذا مجاز لأنَّ الجدار ليس له إرادة، فيُقال: مَن قال لكم إنَّه ليس له إرادة بل له إرادة وميلُه يدُلُّ على أنه أراد ولقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في أحد: ( إنه يحبنا ونحبه ) والمحَبَّة أخَصُّ من الإرادة وأثبتَها الرسول صلى الله عليه وسلم للجبل.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ بعض أهل العلم استَدَلَّ بها على عُلُوِّ الله وأنَّ الأشياء ليست كلُّها سواءً بالنسبة للقُرْبِ منه لقوله: (( فالذين عند ربك )) والعندية تقتَضِي القرب وأنَّ بعض المخلوقات إلى الله أقرَب مِن بعض، وهذا لا إشكال فيه، مَن يقول إنَّ مَن كان في الأرض السابعة السفلى هو في القُرْب إلى الله كالذي في السماء السابعة؟ لا أحَد يقول بهذا أما مِن جهة الإحاطة بالخلق فلا شكّ أنَّ القريب والبعيد عند الله على حدٍّ سواء، وأما من جهة الواقع فلا شك أنَّ مَن كان في السماوات أقرَب إلى الله ممن كان في الأرض ولهذا قال: (( فالذين عند ربك )) أقول إن بعض العلماء استدل بهذه الآية على عُلُوِّ الله وقال: نحن في الأرض والذين عند الله لا بد أن يكونوا في السماء، لأنَّه لولا علُوُّه لكنا نحن أيضًا عنده، فكونُه يقول: (( فالذين عند ربك )) يخاطب مَن في الأرض يدُلُّ على عُلُوِّ الله عز وجل، وهذا لا شك أنه استنباط جيد لكنَّا لسْنَا بحاجَةٍ إلى أن نـأتي بهذا الدليل الذي قد تخفَى دلالتُه على كثيرٍ من الناس وعندنا أدلَّة كثيرة واضحة على عُلُوِّ الله عز وجل: أدلة عقلية وأدلة سمعية وأدلة فطرية على عُلُوِّ الله، ولا أحد ينكِرُ عُلُوَّ الله عز وجل العُلُوَّ الذاتي إلا مخبُول غير عاقل وهو بين أمرين: إمَّا أنْ يقول بالحلول وإما أنْ يقول بالعدم، مَن أنكرَ عُلُوَّ الله فهو لا يخرج عن واحدٍ مِن أمرين: إما أن يقول بالحلول أو بالعدم، وفعلًا التزمُوا ذلك فالذين أنكروا علُوَّ الله انقسموا إلى قسمين: قسمٌ قال: إنَّ الله في كل مكان ولم يُنَزِّهِ الله عز وجل عن الحشوش والأقذار والأنتان والأسواق اللي فيها اللغو والكذب والغش وهذا -فيما أرى- كفرٌ صريح أنَّ مَن قال: إنَّ الله بذاته في كل مكان وهو كافر لو مات ما صَلَّيْتُ عليه ولا دعَوْتُ له بالرحمة لأنهَّ مكَذِّبٌ للقرآن وللأدلة العقلية ووَاصِمٌ لربِّه بكل عيب، ومنهم من يقول: إنَّ الله تعالى ليس داخِلَ العالم ولا خارِجَ العالم ولا متَّصِل بالعالم ولا مُبَاين ولا مُحَايِز ولا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال، بماذا وصف الله؟ بالعدم، وصف الله بالعدم، لو قيل لنا: صِفُوا المعدوم ما وصَفْناه بأكثر مِن هذا فيقال: أين هو؟ ما دام لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل بالعالم ولا منفصِل عن العالم ولا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال وين يروح؟ إلَّا العدم ولهذا لَمَّا قال ابن فَوْرَك لمحْمُود بن سَبَكْتَكِين رحمه الله: إني لا أقول إنَّ الله فوق العالم ولا تحت إلى آخره وذكَر هذه الأسْلُوبَات قال: بَيِّن لنا الفرق بين وُجود ربِّك وعدَمِه أو كلمةً نحوها، يعني معناه أنك إذا وصَفْتَ الله بهذه الأوصاف فهذا هو العدَم تمامًا، على كل حال تقْرِير أنَّ الله تعالى في السماء يعني العُلُوّ الذاتي أمْرٌ لا إشكالَ فيه، والعجب أنك تأتي العجوز التي لم تدْرُس ولم تفْهَم ولم تعْلَم وتسألها: أين الله؟ تقول: في السماء. إلا إذا كان الأمر كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أبواه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسَانه ) إلا إذا كانت عائِشَةً بين قوم يُنكِرُون العُلُوّ فربما تُنْكِر بناءً على أنَّ البيئة تُغَيِّر، أما لو أتَيْنا إلى إنسان من حيث الفطرة لرَأَيْنَاه لا يشُكّ في أنَّ الله في السماء، ولذلك أفحَم الهمَدَانِي رحمه الله أفحَم أبا المعالي الجويني حين كان أبا المعالي الجويني يُنكِر استواء الله على العرش ويقول: إنَّ الله تعالى كان ولا عرش وهو الآن على ما كان عليه. يريد أن ينكر استواءه على العرش، استواء الله على العرش دليلُه عقلي ولَّا سمعي؟ سمعِي يعني لولا أنَّ الله أخبرَنا أنَّه استوى على العرش ما علِمْنَا، بخلاف العُلُوّ، العُلُوّ دليلُه عقلِي وسمعي وفطري وأمَّا هذا فدليلُه سمعي، قال له الهمداني رحمه الله قال له: يا شيخ دعْنَا مِن ذِكْر العرش أخبِرْنا عن هذه الضرورة فما قال عارِفٌ قَطُّ: يا الله! إلا وجدَ من قلبه ضرورة بطَلَب العلو، "ما قال عارف" هذي كلمة (عارف) اصطلاح صوفي: العارف عندهم هو العالم الواسع العلم العابِد الكثير العبادة، ما قال عارِفٌ قَط: يا الله! إلا وجد من قلبه ضرورة بطلب العلو. صحيح هذا ولا لا؟
الطالب: صحيح
الشيخ : أي إنسان يقول: يا الله! يجد قلبه يتَّجِه إلى السماء، فصرخ أبو المعالي وجعل يضرِب على رأسه يقول: حيَّرَني الهمداني حيَّرَني عجَز أن يرُدَّ على هذا، فنحن نقول: هو الحمد لله إنَّ العلو أمْرٌ لا غُموضَ فيه ولا إشكالَ فيه ولا ينكرُه إلا شخص مغْموص -والعياذ بالله- بالبدعة ونحن نرى أنَّه كافر وأنه لا تنفَعُه صلاة ولا صدقة ولا صيام ولا حجّ ولو مات ما صلَّيْنا عليه.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ الملائكة مستغْرِقُون الزمنَ كلَّه في العبادة لقولِه: (( يسبحون له بالليل والنهار )) والباء وإن جاءت بمعنى الظرف بمعنى (في) التي هي الظرفية لكن فيها نوع مِن الدلالة على الاسْتِيعَاب كما قال الله تعالى في آية أخرى: (( يسبحون الليل -شوف- يسبحون الليلَ والنهار لا يفترون )).
ومن فوائد الآية الكريمة بيانُ قوة الملائكة لقوله: (( وهم لا يسئمون )) أي لا يمَلُّون ولا يتعَبُون مما يدُلُّ على قوتهم، والأدلة على قوتهم كثيرة منها قصة سليمان عليه الصلاة والسلام حين جاءه الهدهد بخبر
الطالب: سبأ
الشيخ : لا أحد يتكلم ياخي أنا أعرف أنه سبأ أو غير سبأ، حين جاءه الهدهد بخبر ملِكَة سبأ أنَّ لها عرشًا عظيمًا فقال سليمان: (( أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين )) فـ(( قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك )) وكان له وقت محدد يقوم فيه (( وإني عليه لقوي أمين )) جِنِّي يبي يجيبه من أقصى اليمن إلى الشام وهو واحِد، نعم ويقول: (إني عليه لقوي). يؤكد قوَّتَه (أمين) لن أخُونَ فيه (( قال الذي عنده علْمٌ من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرْتَدَّ إليك طرفُك )) الله أكبر! في الحال وجدَه أمامه (( فلما رآه مستقِرًّا عندَه قال هذا مِن فضل ربي )) والفاء تدل على ايش؟ الترتيب والتعقيب ثم قال: (( فلما رآه مستقرا عنده )) ولم يقل: فلما رآه عندَه، مستقِرًّا كأنه وُضِع في هذا المكان مِن سنوات مُسْتَقِر، نعم قال: (( هذا من فضل ربي )) الآن حضر مِن هناك بلحظة يعني كأنَّ العرش مثلًا على يمينك فنقلْته عن يسارك بل أشَدّ، قال أهل العلم: لأنَّ هذا دعَا الله عز وجل فحملَتْهُ الملائكة والملائكة أقوى مِن الجِنّ وهذا لا شَكَّ فيه أنهم أقوى من الجن، نعم (( وهم لا يسئمون )) ثم قال: (( ومن آياته )) إلى آخره