الكلام على مذاهب الناس في مسألة أفعال العباد . حفظ
ومن فوائد الآية الكريمة إثباتُ المشيئة للعبد لقوله: (( اعملوا ما شئتم )) فيكونُ في ذلك رَدٌّ على من؟ على الجبرية، الجبرية يقولون: الإنسان مُجْبَر على العمل وليس له أي إرادة فيما يفعل، عجبًا لهم يُصَلِّي بلا إرادة، ويتوضأ بلا إرادة، ويمشي بلا إرادة، ويقعُد بلا إرادة، ويؤمن بلا إرادة، ويكفر بلا إرادة، سبحان الله! مُجْبَر؟ قال: نعم مجبر، مجبر فالحركة هذه طبيعِيَّةٌ فيه كالإحراق في النار هل النار تُحرِق باختيارها؟ لا، لكن أُودِعَ فيها الإحراق، هم يقولون: هذه الأفعال والحركات مِن الإنسان لَا إرادِيَّة لكنه جُبِل عليها، ويقولون: إنَّ حرَكَتَه الإرادية كحَرَكَتِه الاضطرارية فنزول الإنسان في الدَّرج مِن العُلْيا إلى السفلى وصُعودُه من السفلى إلى العليا كمَن دُحْرِجَ دحْرَجَةً الدرج، والمدحرج له اختيار ولَّا ما له اختيار؟
الطالب: ما له اختيار
الشيخ : هم يقولون: هكذا اللي ينزِل باختياره لا فرق، فقيل لهم: إذا كان كذلك فإنَّ مِن أظلَم الظلم أن يُعَذِّبَ اللهُ الظالم لأنَّ الظالم يقول: أنا مُجبَر ما لي قُدرَة ولا لي اختيار، قالوا: لا، لا يمكن، الظُّلْم في حَقِّ الله مستحِيلٌ مستحِيلٌ لذاتِه لا لِأَنَّ الله لا يُريدُه لكنَّه مستحيل لذاتِه لماذا؟ فقالوا: لأنه تصَرُّفُ الخالق في مُلكِه والمتصَرِّف في ملكه ليس بظالِم، واضح؟ ولهذا قال ابن القيم عنهم: " والظلمُ عندَهُم الـمُحَالُ لذاتِه " ونحن نقول: أخطَأْتم لأنَّ الله تعالى شرَعَ شرائع وأوعَد مَن خالَفَها ووعَد مَن وافقَها وأعطى الإنسان حرية والظُّلْم ممكِن في حَقِّ الله لكنَّه مستحِيلٌ عليه إرادَةً بمعنى أنه لا يريد الظلم ولو شاء لَظَلَم لكنه لا يريده، وليس وصفَه إطلاقًا قال الله تعالى: (( وما ربك بظلام للعبيد )) وقال: (( ما يُبَدَّلُ القول لدي وما أنا بظلام للعبيد )) وقال الله تعالى في نفي إرادة الظلم: (( وما الله يُريد ظلمًا للعباد )) وكيف يتَمَدَّحُ الله عز وجل بأمْر مستحيل؟ هذا غير ممكن لولا أنَّ الظلم ممكِن ما كان وصْفُ الله به كمالًا فهو ممْكِن أن يُعَذِّب الإنسان الذي أمْضَى ليلَه ونهارَه في طاعة الله ممكِن عقلًا أو لا؟ عقلًا ممكِن، لكنَّ الله تعالى لا يُريد هذا لذلك بطَلَ قولهم بأنَّه الظَّلم محالٌ في حَقِّ الخالق لأنَّه يتصرف في ملكه، على كلِّ حال في الآية هذه (( اعملوا ما شئتم )) دليل على إثباتِ المشيئة لِلعبد وهو يرُدُّ ردًّا واضِحًا على الجبرية، العجب أنَّه قامَ أناس ضد الجبرية فدَاوَوُا البدعة ببِدْعة قالوا: الإنسان له مشيئة وإرادَة واخْتِيار لكنَّه منفصِل عن إرادة الله تعالى ومشيئَتِه مُستقِلّ بالعمل ما لله فيه إرادَة إطلاقًا، كيف؟ قال: نعم أنت الآن تذهب وتجيء باختيارك لا تشعُر أن أحدًا يجبِرُك أو يكرهك فإذًا لا علاقةَ لله بفعلك أنت تفعل مختارًا مستقِلًّا عن إرادة الخالق، أفهمتم الآن؟ طيب، أيهم أقرب إلى المعقول الجبرية أو القدرية؟ القدرِيَّة أقرب للمعقول، لأن كل إنسان يعرِف أنَّه يفعَل الشيء باختياره وأنَّه يُحمَد على فعلِه للخير ويُذَمّ على فعلِه الشر ولو كان بغير اختيار ما استَحَقّ أن يُحمَد على الخير ولا أن يُذَمَّ على الشَّرّ كُلٌّ يعلَم ذلك، ولهذا يُسَمَّوْن العقلَانيين، لأنهم يُحَكِّمُون العقل حتى في مثل هذا الأمر، إذًا نقول: قُوبِلَت بدعَةُ الجبرية ببدعة مَن؟ القدرية الذين أثْبَتُوا للإنسان إرادَةً استقلالًا ولهذا يُسَمَّوْن مجُوس هذه الأمة، مجوس هذه الأمة كيف؟ لأنَّ المجوس يقولون: الحوادِث لها خالقان: الظُّلمة والنُّور، كلّ ما في الدنيا مِن شَرّ فخالقُه الظلمة، كُلّ ما فيها مِن خير فخالقُه النور، لأنَّ الأشياء اللي في الدنيا كلها إمَّا خير وإما شر، فيجب أن يكون هناك إلهان: إلَهُ الخير وإلَه الشر، أيُّهما المناسب للخير؟ النُّور لأن النور فيه سَعَة الصدر وانشراح، وأيهما أنسَب للشر؟ الظلمة، قالوا: إذًا جميع ما يحْدُث في الكون له خالقان: ظلمة ونُور، الظلمة تخلُق الشر والنور يخْلُق الخير وفي هذا يقول المتنبي في ممدُوحِه:
وكم لظلام الليل عندك من يد تحَدِّث أنَّ المانَوِيَّة تكذب
(كم) للتكثير "كم لظلام الليل عندك مِن يَدٍ" أي من نعمة "تحَدِّث أنَّ المانوية" وهم فرقة من المجوس "تكذب" لأنَّ المانوية يقولون الظلمة تخلق الشر، والنِّعَم خير ولا شر؟ خير، يقول لممدوحِه: أنت تجُود ليلًا ونهارًا مما يُكَذِّب المانَوِيَّة الذين يقولون: إنَّ الظلمة تخلُق الشر، على كل حال نحن نقول: إنَّ الجبرية قوبِلَتْ بدعتهم ببدْعة واعْلَمْ أن البدعة لا يمكن أن تُقَاوَم ببدعة لأن