التعليق على تفسير الجلالين : (( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه )) أي ليس قبله كتاب يكذبه ولا بعده (( تنزيل من حكيم حميد )) أي الله المحمود في أمره . حفظ
" (( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه )) أي ليس قبلَه كتابٌ يكَذِّبُه ولا بعدَه " (لا يأتيه الباطل) الباطل ضِدُّ الصحيح وضِدُّ الحق فعند الفقهاء يقولون: الصلاة باطلة. الصلاة صحيحة. فيجعلون البطلان في مقابل الصِّحَّة، وفي القرآن الكريم (( ذلك بأن الله هو الحق وأنَّ مَا يدعون مِن دونه هو الباطل )) فجعَل الباطل في مُقابَلَة الحق، إذًا (لا يأتيه الباطل) الذي هو ضِدّ الحقّ، وقوله: (( من بين يديه ولا من خلفه )) فسرها المؤلف بتفسير غريب قال: " أي ليس قبله كتاب يكذبه ولا بعده " وفي هذا نظَرٌ ظاهر، والصواب أنه لا يأتيه الباطل مِن بين يديه أي فيما يُخبِرُ به، ولا من خلفِه فيما أخبرَ عنه، كلُّ ما أخبر به فهو حق وكل ما أخبر عنه بأنه سيكون فهو حقّ، طيب أيضًا لا يأتيه الباطل من حيث الأحكام كلُّ ما حكمَ به فهو حَقّ وغايته حق، فيكون المعنى أنَّ هذا القرآن الكريم لا يشتمِل أو ليس فيه -في الأصحّ- ليس فيه شيءٌ من الكذب لا في الإِخبار عما مضى وهو ما بين يديه، ولا في الإخبار عما يُستَقْبل وهو قوله: (( ولا من خلقه ))، وإن شئتَ اعْكِس فقل: ما بين يديه هو المستقبل وما خلفه هو الماضي، كذلك أيضًا لا يأتيه الباطل من حيث الأحكام أحكامُه كلُّها عدْل ما فيها جور، ولهذا تجِد القرآن الكريم كما يعطِي الربَّ حقَّه مِن العبادة يعطي المخلوق حقَّه أيضًا (( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا )) هذا حقُّ الله، بعدَه: (( وبالوالدين إحسانا )) فهو حقٌّ في أحكامه حقٌّ في أخباره (( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ))، واقْرَؤُوا إن شئتم قولَ الله تعالى: (( وتمَّتْ كلمة ربك صدقًا وعدلًا )): (( صدقا )) باعتبار الأخبار (( عدلا )) باعتبار الأحكام.
(( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا مِن خلفِه تنزيلٌ مِن حكيمٍ حميد )) (( تنزيل )) هذه خبر مبتدأ محذوف، ويجوز أن يكون خبر ثاني لقوله: (( وإنه )) ثاني ولَّا ثالث؟ ثالث (لكتابٌ) (عزيز) صفة لـ (كتاب)، (( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه )) هذه يجوز أن تكون صفةً لـ(كتاب) أيضًا وعلى هذا فيكون (تنزيل) خبرًا ثانيً، ويجوز أن تكون خبرًا ثانيا أي: (لا يأتيه الباطل) خبرًا ثانيا لـ(إنَّ) وعلى هذا فتكون (تنزيلٌ) خبرًا ثالثًا، ويجوز أن تكون (تنزيل) خبر لمبتدأٍ محذوف والتقدير: هو تنزيلٌ من حكيمٍ حميد ولعلَّ هذا التقدير أولى، لأنَّه يدُلُّ على أنَّ الجملة استئنافية لبيان عظَمَةِ هذا القرآن، قال: (( تنزيل )) أي مُنَزَّلٌ من حكيم حميد، فإذا فسَّرْنا (تنزيل) بأنه منَزَّل صار المصدر بمعنى إيش؟ يا جماعة هنا النحو إذا فسَّرْنا (تنزيل) بـ(مُنَزَّل) صار المصدر هنا بمعنى اسم المفعول، والمصدر يأتي بمعنى اسم المفعول وبمعنى اسم الفاعل والذي يُعيِّنُ ذلك هو السياق، (( تنزيلٌ من حكيم حميد )) (حكيم) أي ذي حِكْمَة وذي حُكْم فالحكم لله والحكمة في أحكامِه عز وجل فالربُّ عز وجل مُتَّصِف بالحكم الذي لا مُعقِّبَ له بالحكمِ النافذ الذي لا مانِع له وفي الدعاء المأثور ( لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعْت ) أيضًا هو مُتَّصِف بالحكمة كلُّ أحكامه حكمة، إن نظرتَ إلى الأحكام القدرية وجدتها في غاية الحكمة، وإن نظرتَ في الأحكام الشرعية وجدتها كذلك في غاية الحكمة فهو عز وجل حاكِم وذو حِكْمة كم مِن حاكم لا حكمَةَ له؟ وكم مِن حكيمٍ لا حُكْم له؟ كثيرٌ مِن الرجال حكماء عقلاء ولكن ليس عندهم حكم، لا يستطيع أن يحكُم ولا على امرأتِه، وكم مِن إنسان حاكِم ذو سُلطة قوي ولكن ليس عنده حكمة؟ أمَّا الرب عز وجل فهو حاكم حكيمٌ، وبدأ بذكر الحكيم قبل الحميد، لأنَّ الحمدَ مُفَرَّع على الحكمة فإنَّ الحكيم يكون محمودًا قال المؤلف: " أي الله المحمود " يعني كأنه يقول: المراد بالحكيم الحَمِيد هو الله وقوله: " المحمود " أشار إلى أنَّ فعيلًا هنا بمعنى مفعول، في اللغة العربية تأتي فَعِيل بمعنى فاعِل وفَعِيل بمعنى مفعول فإذا قلت: فلان جرِيح. بمعنى مجروح، وإذا قلت: فلان سميع. بمعنى سامع، فهي في اللغة العربية تأتي بمعنى فاعل وبمعنى مفعول، هنا فسَّرَها المؤلف بمعنى محمُود، طيب لكن هل هذا التفسير قاصر؟ الجواب: نعم فيه قصور، لأنَّ حميدًا هنا بمعنى فاعل وبمعنى مفعول فهو محمود وهو أيضًا حامِد، أليس الله تعالى يُثنِي كثيرًا على المؤمنين وعلى الرُّسل وعلى مَن شاء من عباده؟ هذا حمْد، يعني وصْف هؤلاء المخلوقين الذين أثنَى الله عليهم هو حمدُهم في الواقع، إذًا فيكون (حميد) الأخ؟
الطالب: بمعنى فاعل ومفعول
الشيخ : بمعنى فاعل ومفعول: بمعنى مفعول أي: أنه محمود وبمعنى فاعل أي: أنه حامد انتبهوا! والمؤلف رحمه الله في تفسيرِه قصُور.
(( تنزيل من حكيم حميد ))