فوائد قوله تعالى : (( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم )) . حفظ
في هذه الآية الكريمة: تسلية الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه إذا عَلِم أنه قد قِيل للرُّسل مِن قبلِه مثلُ ما قيل له سهُلَ عليه الأمر.
ومن فوائدِها أنَّ سنة الله تعالى واحدة فالمكَذِّبُون قولُهم واحد وفعلُهم واحد كقوله: (( إلا ما قد قيل للرسل من قبلك )).
ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات صفةُ المغفرة لله عز وجل وهي ستْر الذَّنب والتجاوز عنه، هذه المغفرة.
ومن فوائدها: إثباتُ شدَّةِ عقابه لقوله: (( وذو عقاب أليم )).
ومن فوائدها: رحمة الله بالعباد حيث يعرِض عليهم مُوجَبُ التوبة حتى لا يتمادَوْا في معصيته لقوله: (( إن ربك لذو مغفرة )).
ومن فوائدها: أنَّ هذا القرآن مثاني فإذا ذُكِر فيه جانب الترغيب ذُكِر معه جانب الترهيب لئَلَّا تطمَعَ النفس وتغلُوَ في الطَّمع فتأمَنَ مِن مكرِ الله فيجمَع الله تعالى بين هذا وهذا لئلا يطمَعَ الإنسان في الفَضْل فيأمَنَ مِن مكر الله، ولئَلَّا يخاف فيقْنَط من رحمة الله وعلى هذا فيكون سيْرُه إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: " ينبغي للسائر إلى الله عز وجل أن يكون خوفُه ورجاؤُه واحدًا فأيُّهما غلَب هلك صاحبه " وقال بعضهم: " ينبغي أن يكون الخوف والرجاء للإنسان كجناحي الطير إن انهزَع أحدهما سقط الطير " فيكون الرجاء والخوف واحدا متساويًا ترجو وتخاف ولهذا قال: (( يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ))، وفصَّل بعض أهل العلم فقال: " ينبغي للإنسان إذا عمِل الحسنات أن يكون جانبُ الرجاء في حقِّه أرجح، لأن هذا من إحسان الظن بالله " ووجهُه أنَّ الله لَمَّا وفقك للعمل فإنه قد وعدَك بالثواب، ولَمَّا وفقك للدعاء فقد وعدك بالإجابة، فعليه إذا فعلْتَ الخير فغلِّب جانب الرجاء، وإن فعلْت الشر أو هممْتَ به فغلِّب جانب الخوف ليردَعَك الخوف عن التمادي في الشر أو عن مواقعة الشر، هذا تفصيل، تفصيلٌ آخر بعضُهم سلك منحًى آخر وقال: في حال الصحة ينبغي أن يغَلِّب جانب الخوف، لأنَّ الصحيح الإنسان الذي قد أعطاه الله صِحَّةً ببدنه وعقله ربما يتمادى في الشر ولا يبالي، وإذا كنت في المرض فغلِّب جانب الرجاء لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يموتَنَّ أحدكم إلا وهو يُحسِن الظنَّ بربِّه ) لأنَّ الله تعالى عند حُسْنِ ظَنِّ عبدِه به، والذي ينبغي أن يقال: إنَّ الإنسان طبيبُ نفسه فإذا خاف من نفسه التمادي في المعاصي والتهاون بالطاعات فليُغَلِّب جانب الخوف، وإن خاف من نفسِه الزُّهُوّ والخُيَلَاء والأمْن مِن مَكْر الله فليُغَلِّبْ جانب الخوف فالإنسان في الحقيقة طبيبُ نفسه