التعليق على تفسير الجلالين : (( ولقد ءاتينا موسى الكتاب )) التوراة (( فاختلف فيه )) بالتصديق والتكذيب كالقرآن (( ولولا كلمة سبقت من ربك )) بتأخير الحساب والجزاء للخلائق إلى يوم القيامة (( لقضي بينهم )) في الدنيا فيما اختلفوا فيه (( وإنهم )) أي المكذبين به (( لفي شك منه مريب )) موقع في الريبة . حفظ
(( ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه )) لَمَّا ذكر الله تعالى هذا الكتاب العزيز وأنَّه للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقْر وهو عليهم عمى بيَّن ما كان مِن الأمم السابقة نحو كتبِهم فقال: (( ولقد آتينا موسى الكتاب )) (آتينا) بمعنى أعطينا، {سدوا الفراغ هذا قم سدها يا رجل! } الجملة هذه مؤكدة بثلاثة مؤكدات وهي القسم واللام و(قد) وتقدير الكلام: والله لقد آتينا وهو يقَع كثيرًا في الكتاب العزيز أي: مثل هذه الصيغة تقَع كثيرًا في القرآن، وقوله: (( آتينا موسى الكتاب )) هذا الإتيان إتيانٌ كوني وشرعي فالله تعالى قد أنزل عليه التوراة فعلًا وقد آتاه الحُكْم بها، وموسى هو ابن عمران أفضَل أنبياء بني إسرائيل وهو في المرتبة الثالثة بالنسبة لأولي العزم، لأنَّ أولي العزم هم خمسة أفضلُهم محمد صلى الله عليه وسلم ثم إبراهيم ثم موسى، وقوله: (( الكتاب ))يعني التوراة وسماها الله تعالى كتابًا، لأن الله تعالى كتبَها بيدِه كما قال تعالى: (( وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظةً وتفصيلًا لكل شيء )) قال: " (( فاختلف فيه )) بالتصديق والتكذيب كالقرآن " اختُلِف أي اختلَفَ الناس فيه فمنهم المصَدِّق ومنهم المكَذِّب كما كان الناس أيضًا بالنسبة للقرآن وهكذا جميعُ الأمم بالنسبة لِمَا جاءت به الرسل منهم المصَدِّق ومنهم المكَذِّب { شف يا أحمد خليك معنا لا تقلب الكتاب }فاختُلِف فيه كذلك أيضا جميع ما جاءت به الرسل يختلِفُ الناس فيه بين مؤمنٍ وكافر، وهذا تسلِيَةٌ للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (( ولولا كلمةٌ سبقَتْ مِن ربك لقُضِي بينهم )) (لولا) هذه كلمة شرطية حرف شرط وهي -كما قال النحاة- حرف وُجُود لوجود (لولا كلمة) هذا موجود (لقُضِي) هذا معدُوم نعم حرف وُجُودٍ لعدَم، وقوله: (( كلمة سبقت من ربك )) يقول المفَسّر: " بتأخير الحساب والجزاء للخلائق إلى يوم القيامة " فإنَّ الجزاء الكامل إنما يكون يوم القيامة أمَا في الدنيا فهو جزاءٌ لا شكّ يُعاقَب فيه المجرمون ويفْلِح فيه المؤمنون لكنَّه ليس الجزاء الكامل من كل وجه، " (( لَقُضِي بينهم )) في الدنيا فيما اختلفوا فيه "والمرادُ بذلك القَضاء التام فلا يُنافِي هذا ما وقع لآل فرعون مِن الغرق والهلاك لَمَّا كذَّبُوا موسى صلى الله عليه وسلم " (( وإنهم )) أي المكذبين به (( لفي شك منه مريب )) مُوقِعٍ في الرِّيبة