تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي قالوا ءاذناك )) أعلمناك الآن (( ما منا من شهيد )) أي شاهد بأن لك شريكا . حفظ
وعلى هذا فلا اختلاف في المعنى بين ثمرات وثمرة " (( وما تخرج من ثمرة )) وفي قراءة ثمرات (( من أكمامها )) أوعيتها " الأكمام الأوعية يقول: " جمع (كِمّ) بكسر الكاف إلا بعلمه " الأكمام هي أوعية الطلع فهذا معروف في النخل وكذلك معروف في الأزهار تجد الزهرة عليها غلاف يُسمّى هذا كِمّ، فما تخرج من ثمرَة من كِمِّها إلا بعلم الله عز وجل أي ثمرة تكون صغيرة أو كبيرة مأكولة أو غير مأكولة فهي بعلم الله عز وجل، ووجهُ كونِها بعلمِه أنَّ هذه التمرات مخلوقَةٌ لله وكلُّ مخلوقٍ لله فهو معلوم له، لقول الله تعالى: (( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )) فأنت متى أقرَرْت أنَّ الله خالق هذه لزِم مِن إقرارك أن يكون اللهُ عالـمًا بها، لأنه لا يمكن أن يخلقها وهو لا يعلم ولهذا استدَلّ الله لذلك بدليلٍ عقلي: (( ألا يعلم مَن خلق وهو اللطيف الخبير )).
(( وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضَعُ إلا بعلمه )) ما تحمل مِن أنثى أيّ أنثى من بني آدم أو من الحيوان أي أنثى ما تحمل ولا تضع إلا بعلم الله عز وجل، فابتداء الحمل معلومٌ عند الله ووضعُه كذلك معلوم عند الله تبارك وتعالى، نرجع إلى قوله: (من أنثى) وإلى قولِه (من ثمرة) الإعراب: (من) حرف جر زائد: زائد مِن حيث الإعراب وليس زائدًا مِن حيث المعنى، لأنَّه يفيد معنًى وهو التوكيد، وعلى هذا فنقول: (من ثمرة) (من) حرف جر زائد و(ثمرة) فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها حركة [كذا] المحل بحرف الجر الزائد، وكذلك يقال: (من أنثى) (من) حرف جر زائد و(أنثى) فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع مِن ظهورها التعذُّر وهو في محلِّ جرٍّ لفظًا لدخول (من) عليه، وقوله (( إلا بعلمه )) بعلمه السابق أو الحادث عند وجود هذا الشيء؟ الجواب: السابق، لأنَّ علمَ الله تعالى مُحيطٌ بكل شيء أزلًا وأبدًا فهو يعلم ما تخرج مِن ثمراتٍ مِن أكمامها إلى يوم القيامة، وكذلك ما تحمِل مِن أنثى وما تضع.
ثم قال عز وجل: (( ويوم يناديهم أين شركائي )) يعني: (يوم) ظرف والظرف يحتاج إلى ما يتعلَّقُ به، لأنه مفعولٌ فيه وإذا كان مفعولًا فيه فلا بد مِن فعلٍ يكون عاملًا فيه فأين العامل؟ العامل في هذا مقدَّر والتقدير: واذكُرْ يومَ يناديهم وهو -أي مثل هذا التعبير- موجودٌ في القرآن كثيرًا والتقدير كما ذكرت: العامِل محذوف التقدير: اذكُر يوم يناديهم أين شركائي إلى آخره، وإنما أمر الله تعالى نبيَّه بذكره، تخويفًا لهؤلاء المكذبين وتسليَةً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقوله: (( يناديهم )) أي يدعوهم بصوت رفيع لأن النداء يكون بصوتٍ رفيع والمناجاة تكون بصوت أدنَى، وفاعل (يناديهم) هو الله، بدليل قوله: (أين شركائي) يعني أنَّ الله تعالى يُنادي هؤلاء المشركين يقول: أين شركائي؟ وهذا الاستفهام للتعجيز والتوبيخ أيضًا فهو جامِع بين معنيين: التعجيز والثاني التوبيخ يعني: أين الذين أشركتُم معي يقول الله عز وجل: (( قالوا آذَنَّاك )) أعلمناك الآن (( مَا مِنَّا مِن شَهِيد )) (آذَن) بمعنى أعلم ومنه قوله تعالى: (( وأذانٌ مِن الله ورسوله )) أي إعلامٌ مِن الله ورسوله فـ(آذَن) بمعنى أَعْلَم ومنه ما في الحديث أنَّ الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للنساء اللاتي يغسِلْن ابنتَه: ( إذا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي ) أي: أعلمنَنِي، (آذناك) يقول المؤلف: " أعلمناك الآن " فأفاد المؤلف بقولِه: " الآن " أنَّ الفعل الماضي (آذنَّاك) بمعنى المضارع فهو إذًا جملةٌ خبرية حالية بمعنى: الآن نعلمُك ما منا من شهيد، وقيل: آذناك إنَّها فعل ماضي على بابِها فهي بمعنى الخبر عن شيءٍ ماضي، انتبه الآن! فعندنا قولان: هل الإعلام هنا يومَ القيامة كما قال المؤلف (آذناك الآن) أو هو إعلامٌ سابق في الدنيا؟ إن نظرْنا إلى ظاهِر اللفظ قلنا: نُرَجِّح أنه إعلامٌ في الدنيا يعني: أعلمْناك في الدنيا فيكُونُ على ظاهِرِه لكن يُشكِل على هذا التفسير أنَّ واقِعَ حالِهم لا يدُلُّ على هذا، لأنهم مشرِكون فعلًا فكيف يؤذنونه أنَّه ما منهم مِن شهيدٍ بذلك، أجابَ القائلون بهذا: أنَّ المعنى آذناك بحسَب الفطرة وما في قلوبنا، لأنه ما مِن مولودٍ يُولَد إلَّا على الفطرة، انتبهوا الآن للمعنى آذَنَّاك صيغتُها: فعل ماضي يقتضِي أن يكون هذا الإعلامُ سابقًا عن وقت الخطاب، هذه واحدة، (آذناك) فعل ماضي لكن يُراد به الخبر عن الحالِ الحاضرة فهو بمعنى: نحن نؤذِنُك الآن، هذا التفسير مخالف لظاهر اللفظ لكنَّه موافِقٌ لواقِع حالِهم، التفسير الأول: موافِقٌ للفظ لكنَّه مخالف لظاهر حالهم، لأنهم لا يُعلِمُونه بذلك إذ أنهم مشركون فعلًا، أجاب هؤلاء الذين يقولون إنه (آذناك) في الدنيا بأنهم أعلمُوه بحسَب الفطرة التي فُطِرُوا عليها، لأنه ما مِن مولودٍ يُولد إلا على الفطرة.
(( قالوا آذناك ما منا من شهيد )) أي شاهدٍ بأنَّ لك شريكًا " (ما منا من شهيد) (ما) نافية، و(منا) جار ومجرور خبر مقدم، و(من) حرف جر زائِد إعرابًا، و(شهيد) مبتدأ مرفوعٌ بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، يعني معناه: أننا قد أقررنا بأنَّه لا أحدَ منا يشهَد بأنَّ لك شريكًا وهم يقولون هذا الآن لكنّه لا ينفعهم، لأنه إقرارٌ بعد معاينة العذاب والإقرارُ بعد معاينة العذاب ليس بنافع، ولهذا أقرَّ فرعون حين أُغرِق بأنَّه لا إله إلا الذي آمنَتْ به بنو إسرائيل ولكنه لم ينفَعْه فقيل له: (( الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ))