التعليق على تفسير الجلالين : (( لا يسئم الإنسان من دعاء الخير )) أي لا يزال يسأل ربه المال والصحة وغيرهما (( وإن مسه الشر )) الفقر والشدة (( فيئوس قنوط )) من رحمة الله وهذا وما بعده في الكافر . حفظ
ثم قال عز وجل: (( لا يسئم الإنسان من دعاء الخير )) قوله: (لا يسئم) أي لا يمَلّ بل لا يزال يسأل، و(الإنسان) هنا يحتمِل أن يكون المراد به الكافر ويحتمِل أن يُرَادَ به الجنس أي جنس الإنسان سواءٌ كان مؤمنًا أم كافرًا، ثم تُنَزِّل الأحوال على ما يليق بها، (( لا يسئم الإنسان من دعاء الخير )) (دعاء) مضاف و(الخير) مضاف إليه مِن باب إضافة المصدر إلى مفعوله، وهو أيضًا -أعني الخير- مفعول لـ(دعاء) والمدعُوُّ هو الله عز وجل، فعندنا: داعٍ ومدْعُوّ ومدْعُوٌّ به أي: مطلوب، فالداعي الإنسان والمدْعُو الله والمدعُوُّ به الخير، وقال المؤلف: " أي لا يزال يسأل ربه المالَ والصِّحَّة وغيرهما " من البنين والزوجات والجاه والشَّرَف وغير ذلك مما يدْعُوه الإنسان رغبةً به، " (( وإن مسه الشر )) الفقر والشدة " وتخصيص الشَّرّ بالفقر والشدة ليس على سبيل الحصر بل هو على سبيل المثال، لأنه يشمَل الفقر والشِّدَّة وفقْد الأولاد وفقْد الجاه والإِيذاء من الخلق وأشياء كثيرة، فتخصيص المؤلِّف ذلك بالفقْر والشدة مِن باب التمثيل، (( وإن مسَّه الشر فيئوسٌ قنوط )) الفاء رابطة للجواب وهو (إن)، و(يئوس) خبر لمبتدأ محذوف -انتبه يا ولد! انتبه وإلا أقمناك مِن مكانك أنت- (يئوس) خبر المبتدأ أي: فهو: يئوسٌ قنوط قال المؤلف: " مِن رحمة الله تعالى " وهذا وما بعده بالكافر " (يئوس) قنوط، هل هناك فرق بين اليأس والقنوط؟ الجواب: نعم اليأس هو زوالُ الرجاء بحيث ينقطع رجاء الإنسان، والقنوط أشَدُّ اليأس وعلى هذا فيكون قوله: (يئوس) هذا ابتداء القنوط، (قنوط) هذا نهايته، وقوله: (يئوسٌ قَنُوط) أعربْنا (يئوس) خبر المبتدأ محذوف فماذا نعرب (قنوط)؟ نعربه على أنه خبرٌ ثانٍ وتعدُّدُ الأخبار جائز واقِعٌ في اللغة العربية وواقع في القرآن قال الله تعالى: (( وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد * فعالٌ لما يريد )) كلّ هذه أخبار متعَدِّدة ولا يصِحُّ أن يكون الثاني وصفًا للأول، لأنها كلّها تعود على موصوفٍ واحد وعليه فنقول: (قنوط) خبرٍ ثان للمبتدأ المحذوف ولا يصِحُّ أن يكون نعتًا لـ(يئوس) لأنَّ (يئوس) نفسَها نعْت، قال المؤلف رحمه الله: " وهذا وما بعده في الكافرين " "هذا" المشَار إليه اليأس والقنوط -(وما بعده) سيذكره- في الكافرين " وإنما قال المؤلف ذلك، لأن المؤمن لا ييأس ولا يقنط قال الله تعالى: (( إنه لا ييأس من رَوْح الله إلا القوم الكافرون ))، وقال تعالى: (( ومن يقنَطُ مِن رحمَةِ ربِه إلا الضالون )) فلا يمكِن للمؤمن أن ييْأَس، وعلى هذا فيكون هذا الوصف للكافرين