فوائد قوله تعالى : (( لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط * ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ )) . حفظ
في هذه الآية والتي قبلَها بيان حال الإنسان الكافر وهو كفرُه بنعمة الله عز وجل واعتزازُه بنفسه بقوله: (( وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي )) فإن هذا يدل على كفرِه الشديد وإعجابِه بنفسه واعتزازه بها.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ الله تعالى يرحَم الكافر لقوله: (( ولئن أذقناه رحمة )) وبناء على هذا لو سَأَلْنا سائل: هل الله يرحم الكافر؟ فالجواب: نعم يرحمُه والدليل هذه الآية، ولكن اعلَمْ أنَّ رحمةَ الله تبارك وتعالى نوعان: رحمةٌ خاصة ورحمةٌ عامة فما به قِوَام البَدَن مِن الرحمة العامة وما به قوام الدين مِن الرحمة الخاصة، خليكم معنا الرحمة نوعان: عامة وخاصة فما به قِوَام البَدَن عامة، لأنه يشمل المؤمن والكافر والبَرّ والفاجر والإنسان والحيوان هذه رحمة عامة، وما به قوام الدين فهو الرحمة الخاصة وهذا يختَصُّ بالمؤمنين والفرق بينهما أنَّ الرحمة العامة إنما هي غِذَاء البدَن فقط وتزول بزوالِه، والرحمة الخاصة غذاء الروح تبقى ببقاء الروح، والروح منذ خلقها الله لا تفنَى الأرواح من الأشياء التي خُلِقَتْ للبقاء بخلاف الأجساد قال الله: (( كل من عليها فان )) لكن الروح لا تفنى كالوِلْدان في الجنة والحور العين في الجنة خُلِقَت للبقاء، إذًا نقول الفرق بين الرحمة العامة والخاصة: الرحمة العامة غذاءٌ للأبدان فقط وتنقضي بموت البدن، وأمَّا الرحمة الخاصة فهي غذاء الأرواح وتبقى دائمًا في الدنيا والآخرة.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة بيانُ فضْل الله عز وجل على الكَافر لكون الرحمة التي أصابت الكافر من عند الله لقوله: (( منا )).
ومِن فوائد هذه الآية الكريمة إعجَاب الكافر بنفسه حيث يُضِيف هذه الرحْمة التي هي من الله إلى نفسه لقوله: (( هذا لي )) أو يضيفها إلى استحقاقِه إياها فكأنَّ اللهَ لا مِنَّةَ له عليه على القول الثاني أنَّ معنى قوله: (( هذا لي )) هذا مستحَقٌّ لي.
ومِن فوائد هذه الآية الكريمة بيانُ عُتُوِّ الكافر حيث أنكر ما قامت الأدلة الشرعية والعقلية والحِسِّيَّة على ثبوتِه في قولِه (( وما أظن الساعة قائمة )) الأدلة الشرعية على ثبوت قيام الساعة كثيرة لا تُحْصَى، الأدلة العقلية هو أنه ليس مِن الحكمة أن يُوجِدَ الله هذه الخليقة ويأمُرُها وينهَاها ويُسَلِّطُ بعضَها على بعضٍ بالسيف فيقاتل المؤمنُ الكافر ثم تكون النهاية لا شيء، هذا سَفَه وقد أشار الله إلى ذلك في قوله: (( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون )) أيُّ فائدة لخلقٍ يُوجَد ويُؤْمر ويُنهى ويُسَلَّطُ بعضُه على بعض في القتل العمْد ثم النهاية لا شيء، لا فائدة مِن هذا وحكمَةُ الله تبارك وتعالى تأبَى أن يقَعَ مثلُ ذلك من الله هذا دليل عقلي واضِح دليلٌ عقليٌّ يوجب أن يُبعَث الناس ليُجَازَوا على أعمالهم، أمَّا الدليل الحِسِّي على ثُبوت البعث وإمكانِه وجوازِه فالله تعالى يكرِّرُه في القرآن (( ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة )) يعني هامِدة ليس فيها نبات (( فإذا أنزلنا عليها الماء )) أي: ماء المطر (( اهتزَّت وربَتْ )) فصارت حيَّة بعد أن كانت ميِّتَة قال الله تعالى: (( إنَّ الذي أحياها لمُحْيي الموتى إنَّه على كل شيء قدير )) فإحياء الأرض من بعد موتها والناس شاهدون دليل على إمكان إحياء الموتى وبعثِهم وهذا دليل واضح حسِّيٍّ ولا عقلي؟ حسي مُشاهَد، كذلك أيضًا أشهدَنا الله عز وجل في الدنيا إحياءَ الموتى فلنَسْتَعْرض هذا في القرآن: المشهَد الأول: بنو إسرائيل قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة. فأخذتهم الصاعقة وماتوا ثم بُعِثُوا هذا في الدنيا، المشهد الثاني: القَتِيل الذي اختلفت القبيلتان فيه فأمرهم الله أن يذْبَحُوا بقرة وأن يضرِبوا القتيل ببعضِها ففعلوا فحَيِيَ القتيل وقال: إن الذي قتلَه فلان. إحياءٌ بعد الموت، المشهد الثالث: الذي خرجُوا من ديارِهم وهم ألوف حذَرَ الموت خافوا من الموت وخرجوا من ديارهم فقال لهم الله موتوا فماتُوا ثم أحياهم، أماتَهم ليعلموا أنه لا مفرَّ لهم من قضاءِ الله ثم أحياهم ليقضِي أجلًا مُسَمَّى، المشهد الرابع: صاحبُ القرية مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها