فوائد قوله تعالى : (( تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم )) . حفظ
قال الله تبارك وتعالى : (( تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن )) إلى آخره في هذه الآية الكريمة بيان عظمة الله عز وجل وأن هذه السماوات على شدتها وقوتها تكاد تتفطر من عظمة الله، وهذا كقوله لما سأل موسى أن يرى ربه قال: (( لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا )) بل إن كلام الله عز وجل ـ وهو كلامه ـ لو نزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله، ففي هذه الآية بيان عظمة الله عز وجل.
وفيها من فوائدها أيضا بيان علو الله عز وجل الذاتي لقوله : (( من فوقهن )) .
ومن فوائدها : إثبات الملائكة لقوله : (( والملائكة يسبحون بحمد ربهم )) ويجب علينا أن نؤمن بالملائكة على أنهم عالم غيبي وأن لهم أجسادا وأن لهم أجنحة كما قال الله تبارك وتعالى .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : كمال عبادة الملائكة لله عز وجل لقوله : (( يسبحون بحمد ربهم )) فيجمعون له بين التنزيه والتمجيد، التنزيه في قوله : (( يسبحون )) التمجيد في قوله : (( بحمد ربهم )) .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أن الملائكة أفضل من بني آدم، لأن بني آدم ليست حالهم هذه أي التسبيح بحمد الله بل منهم مؤمن ومنهم كافر، فيكون الملائكة أفضل من بني آدم، وهذا هو أحد الأقوال في هذه المسألة، ومن العلماء من يقول : بل صالحوا البشر أفضل، يعني أن المؤمنين من البشر أفضل من المؤمنين من الملائكة، ولهذا كانت الملائكة مسخرة لهم، وهذا القول هو الذي نص عليه الإمام أحمد : أن صالحي البشر أفضل من الملائكة، لأن الملائكة خلقوا للعبادة فليس عندهم صوارف تصرفهم عن عبادة الله، والبشر خلقوا للعبادة ولا شك لكن هناك صوارف تصرفهم وهي الشبهات والشهوات، ومن المعلوم أن تحقيق الإيمان مع الصوارف أشد معاناة ومجاهدة من تحقيق الإيمان مع عدم الصوارف، ولهذا كان الرجل المتمسك بدين الله في أخر الزمان أفضل من خمسين من الصحابة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( للعامل فيهن أجر خمسين منكم ) وإنما كان كذلك لمشقة العبادة على هذا الذي بين أمة فاسدة، واختار شيخ الإسلام رحمه الله التفصيل في ذلك فقال : " الملائكة أفضل باعتبار البداية والبشر أفضل باعتبار كمال النهاية " لأن البشر في النهاية يدخلون الجنة والملائكة يدخلون عليهم من كل باب: سلام عليكم بما صبرتم، كأنما خلقوا لتهنئتهم وتطمينهم، فيكون في هذا تفصيل: الملائكة أفضل باعتبار البداية لأنهم خلقوا من نور وبنو آدم من طين، ولأنهم في عبادة الله عز وجل، لكنهم باعتبار النهاية البشر أفضل، وبعد هذا فإن الخوض في ذلك ليس من الأمور المهمة لأننا قد نقول: ما علمنا من فضائلهم وفضائل البشر نؤمن به، وأما التفضيل عند الله فهم درجات عند الله والله بصير بما يعملون، لا ندري، باعتبار ما يظهر لنا نعطي كل إنسان ما تميز به وباعتبار ما عند الله، الله عليم به، ولسنا مؤاخذين فيما إذا توقفنا في هذا الأمر .
ومن فوائد هذه الآية : فضيلة الجمع بين التسبيح والتحميد لقوله: (( يسبحون بحمد ربهم )) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : ( كلمتان حبيتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) فما أجدرنا أن تكون هاتان الكلمتان على ألسنتنا دائما لأنهما: خفيفتان على اللسان، ما فيه تعب، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، فماذا علينا لو كان الإنسان يديم هذا: القول سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، وهو يشتغل وهو يعمل وهو يمشي وهو مضطجع، وهو قاعد، لحصلنا خيرا كثيرا، ولوصلنا بإذن الله عز وجل إلى محبة الله لنا، لأن ما دمنا نأتي ونلازم ما يحبه فهو أكرم منا عز وجل .
ومن فوائد هذه الآيات الكريمة : أن الملائكة مربوبون ليس لهم حق من الربوبية لقوله : (( بحمد ربهم )) وعلى هذا فمن دعا جبريل أو ميكائيل أو إسرافيل أو مالك أو غير ذلك فإنه كافر مشرك بالله، ولهذا أهل النار لم يقولوا:، يا مالك أخرجنا من النار ولكنهم قالوا كما قال الله عنهم : (( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون )) وقال تعالى : (( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ ))[غافر:49] انظر إلى الحياء والخجل والعياذ بالله لم يقولوا : ادعوا ربنا بل قالوا: (( ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب )) لأنهم أحقر في أنفسهم من أن يدعوا الله عز وجل فيقولون : ياربنا خفف عنا يوما من العذاب .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : فضل الملائكة على البشر بمعنى أن لهم منة ونعمة لقوله : (( ويستغفرون لمن في الأرض )) ولا شك أن من استغفر لك فله عليك منة وفضل .
ومن فوائدها : نعمة الله علينا بأن سخر لنا الملائكة يستغفرون لنا، لأن الملائكة لولا أن الله سخرهم لنا ما استغفروا لنا لكن الله سخرهم، ففيه فضل ونعمة من الله سبحانه وتعالى على المؤمنين حيث أن الملائكة يستغفرون لهم .
ومن فوائد الآية الكريمة : التوكيد على أن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم، بكم مؤكدات ؟ بثلاث مؤكدات: (( ألا إن الله هو الغفور الرحيم )).
ومن فوائدها : إثبات ثلاثة أسماء من أسماء الله وهي الله الغفور الرحيم، وهل أسماء الله تعالى مشتقة ؟ الجواب نعم مشتقة بلا شك، الله من الإلوهية، الغفور من المغفرة، الرحيم من الرحمة، فهو لم يسمى بهذه الأسماء إلا وهو متصف بما دلت عليه من صفات، ولهذا نقول : كل اسم من أسماء الله فهو متضمن لصفة أو صفتين أو أكثر حسب ما تدل عليه هذه الأسماء من المطابقة والتضمن والالتزام .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أننا إذا علمنا أن الله غفور رحيم فجدير بنا أنه نسأله المغفرة والرحمة لأنه أهل لذلك، فيكون في هذا تربية للإنسان وسلوكه في وصوله إلى الله عز وجل أن يعلم بأنه غفور فيستغفر، وأنه رحيم فيسترحم .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أن فيها حثا للإنسان على ترك الذنوب وعلى فعل الطاعات، وجه ذلك أن المغفرة تحتاج إلى عمل صالح إلى توبة يغفر الله بها الذنب، والرحمة تحتاج إلى طاعات يتوصل بها الإنسان إلى رحمة الله عز وجل .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : بيان الحكمة في حكم الله الكوني القدري لأن قوله: (( إلا إن الله هو الغفور الرحيم )) كالتعليل لقوله: (( ويستغفرون لمن في الأرض )) كأن قائل يقول: لماذا يستغفرون لمن في الأرض ؟ قال: لأن الله هو الغفور الرحيم .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الأسماء الحسنى تكون كاملة بانفرادها واجتماعها، لأنه لما جمع بن الغفور والرحيم تولد منهما صفة ثالثة غير المغفرة والرحمة، وهي اجتماع هذين الاسمين الدالين على الوصف في حق الله عز وجل، فبالمغفرة تمحوا الذنوب وفي الرحمة يحصل المطلوب .