تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( وكذلك )) مثل ذلك الإيحاء (( أوحينا إليك قرءانا عربيا لتنذر )) تخوف (( أم القرى ومن حولها )) أي أهل مكة وسائر الناس (( وتنذر )) الناس (( يوم الجمع )) أي يوم القيامة تجمع فيه الخلائق (( لا ريب )) شك (( فيه فريق )) منهم (( في الجنة وفريق في السعير )) النار . حفظ
الشيخ : والعروبة هنا هل هي عروبة النسب أو عروبة اللسان ؟ الظاهر أنها عروبة اللسان، لكن حقيقة الأمر أن عروبة اللسان أصلها عروبة النسب، إذ أن اللغة العربية وإن تكلم بها من ليس بعربي هي أصلها من عروبة النسب، ولذلك أولئك القوم الذين من فارس والروم نقول : هم عرب لسانا وليسوا عربا نسبا فهل يلحقهم مدح العرب ؟ الجواب لا، لا يلحقهم، لأن المدح للعرب إنما هو عرب النسب، أما الوصف الذي عرب باللسان فلا يستحق هذا المدح، ولهذا لو سئلنا : من أشرف الناس نسبا ؟
الطالب: العرب.
الشيخ : عرب اللسان أو عرب النسب ؟ عرب النسب.
وبينا فيما سبق أن الله تعالى أجمل ثم فصل، فقال في أوله : (( كذلك يوحي إليك )) وهنا قال : (( وكذلك أوحينا إليك )) وأضاف الإيحاء إليه عز وجل لأن الأمر مهم جدا والموحى به هو أشرف الكلام (( قرءانا )) قلنا : أن قرآنا مصدر كالغفران والشكران، وهل هو بمعنى اسم الفاعل أو بمعنى اسم المفعول ؟ أي هل المعنى أنه قارئ أو المعنى أنه مقروء ؟ ذكرنا أنه يجوز فيه الوجهان : أما كونه قارئا فلأنه جامع لجميع الكمالات في الكلام، ومنه القرية لأنها تجمع الناس، وأما كونه بمعنى مفعول فلأنه يقرأ ويتلى، وكلاهما وصف صالح للقرآن ولا ينافي بعضهما بعضا، وعلى هذا فيحمل على المعنيين جميعا كما هي القاعدة في التفسير وفي الحديث النبوي، إذا كان يحتمل معنيين لا مرجح لأحدهما على الآخر وليس بينهما منافاة فالواجب أن يحمل عليهما جميعا، قرآنا عربيا أي بلغة العرب، والمراد بلغة العرب نطقا أو نسبا ؟ الأصل نسبا لأن لغة العرب انتشرت بعد الفتوحات الإسلامية وإلا هي كانت في الجزيرة فقط.
ثم قال : (( لتنذر أم القرى )) اللام للتعليل، فما هو المعلل ؟ قوله : (( أوحينا )) وعلى هذا فاللام متعلقة بقوله : (( وأوحينا )) (( لتنذر )) قال المؤلف : " لتخوف (( أم القرى ومن حولها )) أي أهل مكة وسائر الناس " قوله : (( لتنذر أم القرى )) هي مكة، وسميت بذلك لأنها جامعة للقرى إذ أن جميع القرى تأوي إليها، ولا شك أن المسلمين كلهم يتجهون إلى أم القرى لأن الكعبة فيها، وهي أيضا تجمع القرى من جهة أنه يجب على كل المسلمين أن يحجوا هذا البيت من استطاع إليه سبيلا، لقوله تعالى: (( ولله على الناس حج البيت )) أو حَج البيت قراءتان سبعيتان (( من استطاع إليه سبيلا )) إذا سميت أم القرى لماذا ؟ لأنها تجمع جميع القرى، والقرى هنا المدن لأن القرية البلد الصغير عرفا، أما لغة فإن القرية تطلق حتى على المدينة الكبيرة كما قال الله تبارك وتعالى: (( وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم )) وقوله : (( ومن حولها )) يقول المؤلف : المراد بمن حولها " سائر الناس " وهذا التفسير وإن كان معناه صحيحا لأن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بلغت جميع الناس ومن لم تبلغه فستبلغه، ولكن ظاهر اللفظ خلاف ذلك، لأن ما حول الشيء فهو القريب منه، وحينئذ يبقى في الأمر إشكال فإن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى جميع الناس، ولكن يقال لا إشكال فهو كقوله تعالى: (( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم )) وهو مبعوث لكل الخلق ولهذا قال : (( وآخرين منهم لما يلحقوا به )) وعلى هذا فنقول : المراد بالإنذار الإنذار المباشر، والإنذار المباشر من النبي صلى الله عليه وسلم ما كان إلا لأم القرى ومن حولها، ولهذا ما فتحت الشام ولا العراق ولا مصر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان الجزيرة فقط، وعليه فيكون المراد بقوله: (( تنذر )) الإنذار الذي تم في حياته عليه الصلاة والسلام فإنه لم يشمل إلا أم القرى ومن حولها، وقوله: (( أم القرى ومن حولها )) هل المراد بهذا إنذار المدينة نفسها أو المراد الأهل ؟ الأهل لا شك، ولا يشكل هذا على أحد، وهذا هو الذي جعل شيخ الإسلام رحمه الله يقول : إنه لا مجاز في القرآن ولا في غيره من اللغة العربية، لأنه إذا كان اللفظ دالا على معناه الخاص فإنه لا يعتبر مجازا، ونحن نقول هنا ليس المراد أن الرسول ينذر بيوت مكة وأسواقها وإنما المراد أن ينذر أهلها، بقي أن يقال أين مفعول ينذر الثاني، لأن أنذر تنصب مفعولين كما قال الله تعالى : (( فأنذرتكم نارا تلظى )) الكاف مفعول أول ونارا مفعول ثاني نقول: المفعول الثاني محذوف ويقدر بما يناسب، ممكن هنا أن نقدره بقوله : (( يوم الجمع )) (( لتنذر أم القرى ومن حولها )) (( يوم الجمع )) بدليل قوله: (( وتنذر يوم الجمع )) فتجد الآن الآية الكريمة الجملة الأولى حذف منها مفعول والثانية حذف منها مفعول، لكن الجملة الأولى حذف مفعولها الثاني والجملة الثانية حذف مفعولها الأول، وهذا من بلاغة القرآن، إذا المفعول الثاني في قوله : (( لتنذر أم القرى )) محذوف تقديره يوم الجمع، ولنا أن نقدره تقديرا آخر لكن ما دام بين أيدينا ما يدل عليه فهو أولى.
قال الله تعالى : (( وتنذر يوم الجمع )) قال: " (( وتنذر )) الناس " هذا المفعول الأول المحذوف (( يوم الجمع )) المفعول الثاني أي: تنذرهم اليوم الذي يجمع فيه الناس وذلك يوم القيامة تجمع فيه الخلائق، وهذا من أسماء يوم القيامة يوم الجمع، كما أنه يسمى يوم القيامة لأنه يشتمل على المعنى هذا وهذا، وقوله : (( يوم الجمع )) يقول: " تجمع فيه الخلائق " لقول الله تعالى : (( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود )) (( لا ريب فيه )) " (( لا ريب )) شك " (( فيه ... )) إلى آخره قوله : (( لا ريب )) الريب هو الشك لكن قال شيخ الإسلام رحمه الله : " إن تفسير الريب بالشك تفسير مقارب وليس مطابقا، لأن الريب يوحي بقلق في النفس والمعنى ليس فيه ريب وقلق " نعم قوله : (( لا ريب فيه)) لا نافية، فهل المراد بالنفي النهي فيكون المعنى لا ترتابوا فيه، أو المراد بالنفي معناه الحقيقي، نقول المراد به معناه الحقيقي، لأنه إذا كان معناه النفي صارت صفة هذا اليوم انتفاء الريب، وعلى هذا فمن ارتاب فيه فقد ارتاب في أمر واقع، لكن لو جعلنا النفي بمعنى النهي لكنا أخرجنا الكلام عن ظاهره هذه من جهة، ومن جهة أخرى أن النهي قد يمتثله الناس وقد لا يمتثلونه، لكن النفي هنا أوضح أولا لمطابقته لظاهر اللفظ، لأن ظاهر اللفظ النفي.
وثانيا: لأنه يعطي أن هذا اليوم موصوف بانتفاء الريب فيه، فيكون من ارتاب مخالفا للواقع، " (( لا ريب فيه فريق )) منهم (( في الجنة وفريق في السعير )) في النار " فريق مبتدأ وفريق الثاني مبتدأ، ومن كان منكم عارفا بالنحو فسيقول في هذا إشكال، ما هو الإشكال ؟
الطالب: الابتداء بالنكرة.
الشيخ : والابتداء بالنكرة غير جائز، لماذا ؟ لأن المبتدأ محكوم عليه فإذا قلت : زيد قائم فقد حكمت على زيد بالقيام، والمحكوم عليه لابد أن يكون معروفا، إذا كان نكرة أي فائدة في الحكم عليه، فكلام النحويين في أنه لا يجوز الابتداء بالنكرة هذا تعليله، لأن المبتدأ محكوم عليه، والمحكوم عليه لابد أن يكون معرفة معلوما، فهنا ابتدأ بالنكرة، يقول النحويون : إن المسوغ للابتداء بالنكرة في هذه الآية هو التقسيم، والتقسيم مفيد، فريق في الجنة أي نوع من الناس في الجنة ونوع في السعير، فالتقسيم يبيح الابتداء بالنكرة، ومنه قول الشاعر :
فيوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر
فهذا مبتدأ نكرة لكنه فيه التقسيم فيكون المسوغ للابتداء بالنكرة هنا هو التقسيم، نعم (( فريق في ا لجنة وفريق في السعير )) أيهم أكثر ؟ فريق السعير أكثر كما جاء في الحديث الصحيح أن الله تعالى يوم القيامة ينادي يقول : ( يا آدم ، فيقول : لبيك وسعديك فيقول : أخرج من ذريتك بعث النار أو بعثا إلى النار ـ أي مبعوثا إلى النار ـ قال: يا رب وما بعث النار قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون واحد في الجنة ) والباقي من الألف في النار، إذا أيهم أكثر ؟ أهل النار أكثر من أهل الجنة بكثير، أجارنا الله وإياكم من النار، ففزع الصحابة لهذا، وقالوا: يا رسول الله أينا ذلك الواحد ؟ قال لهم: ( أبشروا إنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج ) وهم من بني آدم كما دل على ذلك القرآن، فمنكم واحد وألف منهم ففرح الصحابة رضي الله عنهم بذلك، المهم أن الله قال : فريق وفريق مع اختلاف الفريقين اختلافا عظيما، نعم فدل ذلك على أن الفريق في اللغة يطلق على القليل والكثير، (( فريق في الجنة وفريق في السعير )) ما هي الجنة ؟ الجنة هي الدار التي أعدها الله تعالى للمؤمنين والمتقين، وهي دار فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأصناف النعيم في هذه الجنة جعلني الله وإياكم منهم موجودة في القرآن والسنة، أما السعير والعياذ بالله فهي النار تسعر بها الأجساد، وفيها من أنواع العذاب والنكال ما يتمنى أهلها أن يموتوا ولا يحصل لهم، قال الله تعالى : (( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون )) (( وفريق في السعير )).
الطالب: العرب.
الشيخ : عرب اللسان أو عرب النسب ؟ عرب النسب.
وبينا فيما سبق أن الله تعالى أجمل ثم فصل، فقال في أوله : (( كذلك يوحي إليك )) وهنا قال : (( وكذلك أوحينا إليك )) وأضاف الإيحاء إليه عز وجل لأن الأمر مهم جدا والموحى به هو أشرف الكلام (( قرءانا )) قلنا : أن قرآنا مصدر كالغفران والشكران، وهل هو بمعنى اسم الفاعل أو بمعنى اسم المفعول ؟ أي هل المعنى أنه قارئ أو المعنى أنه مقروء ؟ ذكرنا أنه يجوز فيه الوجهان : أما كونه قارئا فلأنه جامع لجميع الكمالات في الكلام، ومنه القرية لأنها تجمع الناس، وأما كونه بمعنى مفعول فلأنه يقرأ ويتلى، وكلاهما وصف صالح للقرآن ولا ينافي بعضهما بعضا، وعلى هذا فيحمل على المعنيين جميعا كما هي القاعدة في التفسير وفي الحديث النبوي، إذا كان يحتمل معنيين لا مرجح لأحدهما على الآخر وليس بينهما منافاة فالواجب أن يحمل عليهما جميعا، قرآنا عربيا أي بلغة العرب، والمراد بلغة العرب نطقا أو نسبا ؟ الأصل نسبا لأن لغة العرب انتشرت بعد الفتوحات الإسلامية وإلا هي كانت في الجزيرة فقط.
ثم قال : (( لتنذر أم القرى )) اللام للتعليل، فما هو المعلل ؟ قوله : (( أوحينا )) وعلى هذا فاللام متعلقة بقوله : (( وأوحينا )) (( لتنذر )) قال المؤلف : " لتخوف (( أم القرى ومن حولها )) أي أهل مكة وسائر الناس " قوله : (( لتنذر أم القرى )) هي مكة، وسميت بذلك لأنها جامعة للقرى إذ أن جميع القرى تأوي إليها، ولا شك أن المسلمين كلهم يتجهون إلى أم القرى لأن الكعبة فيها، وهي أيضا تجمع القرى من جهة أنه يجب على كل المسلمين أن يحجوا هذا البيت من استطاع إليه سبيلا، لقوله تعالى: (( ولله على الناس حج البيت )) أو حَج البيت قراءتان سبعيتان (( من استطاع إليه سبيلا )) إذا سميت أم القرى لماذا ؟ لأنها تجمع جميع القرى، والقرى هنا المدن لأن القرية البلد الصغير عرفا، أما لغة فإن القرية تطلق حتى على المدينة الكبيرة كما قال الله تبارك وتعالى: (( وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم )) وقوله : (( ومن حولها )) يقول المؤلف : المراد بمن حولها " سائر الناس " وهذا التفسير وإن كان معناه صحيحا لأن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بلغت جميع الناس ومن لم تبلغه فستبلغه، ولكن ظاهر اللفظ خلاف ذلك، لأن ما حول الشيء فهو القريب منه، وحينئذ يبقى في الأمر إشكال فإن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى جميع الناس، ولكن يقال لا إشكال فهو كقوله تعالى: (( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم )) وهو مبعوث لكل الخلق ولهذا قال : (( وآخرين منهم لما يلحقوا به )) وعلى هذا فنقول : المراد بالإنذار الإنذار المباشر، والإنذار المباشر من النبي صلى الله عليه وسلم ما كان إلا لأم القرى ومن حولها، ولهذا ما فتحت الشام ولا العراق ولا مصر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان الجزيرة فقط، وعليه فيكون المراد بقوله: (( تنذر )) الإنذار الذي تم في حياته عليه الصلاة والسلام فإنه لم يشمل إلا أم القرى ومن حولها، وقوله: (( أم القرى ومن حولها )) هل المراد بهذا إنذار المدينة نفسها أو المراد الأهل ؟ الأهل لا شك، ولا يشكل هذا على أحد، وهذا هو الذي جعل شيخ الإسلام رحمه الله يقول : إنه لا مجاز في القرآن ولا في غيره من اللغة العربية، لأنه إذا كان اللفظ دالا على معناه الخاص فإنه لا يعتبر مجازا، ونحن نقول هنا ليس المراد أن الرسول ينذر بيوت مكة وأسواقها وإنما المراد أن ينذر أهلها، بقي أن يقال أين مفعول ينذر الثاني، لأن أنذر تنصب مفعولين كما قال الله تعالى : (( فأنذرتكم نارا تلظى )) الكاف مفعول أول ونارا مفعول ثاني نقول: المفعول الثاني محذوف ويقدر بما يناسب، ممكن هنا أن نقدره بقوله : (( يوم الجمع )) (( لتنذر أم القرى ومن حولها )) (( يوم الجمع )) بدليل قوله: (( وتنذر يوم الجمع )) فتجد الآن الآية الكريمة الجملة الأولى حذف منها مفعول والثانية حذف منها مفعول، لكن الجملة الأولى حذف مفعولها الثاني والجملة الثانية حذف مفعولها الأول، وهذا من بلاغة القرآن، إذا المفعول الثاني في قوله : (( لتنذر أم القرى )) محذوف تقديره يوم الجمع، ولنا أن نقدره تقديرا آخر لكن ما دام بين أيدينا ما يدل عليه فهو أولى.
قال الله تعالى : (( وتنذر يوم الجمع )) قال: " (( وتنذر )) الناس " هذا المفعول الأول المحذوف (( يوم الجمع )) المفعول الثاني أي: تنذرهم اليوم الذي يجمع فيه الناس وذلك يوم القيامة تجمع فيه الخلائق، وهذا من أسماء يوم القيامة يوم الجمع، كما أنه يسمى يوم القيامة لأنه يشتمل على المعنى هذا وهذا، وقوله : (( يوم الجمع )) يقول: " تجمع فيه الخلائق " لقول الله تعالى : (( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود )) (( لا ريب فيه )) " (( لا ريب )) شك " (( فيه ... )) إلى آخره قوله : (( لا ريب )) الريب هو الشك لكن قال شيخ الإسلام رحمه الله : " إن تفسير الريب بالشك تفسير مقارب وليس مطابقا، لأن الريب يوحي بقلق في النفس والمعنى ليس فيه ريب وقلق " نعم قوله : (( لا ريب فيه)) لا نافية، فهل المراد بالنفي النهي فيكون المعنى لا ترتابوا فيه، أو المراد بالنفي معناه الحقيقي، نقول المراد به معناه الحقيقي، لأنه إذا كان معناه النفي صارت صفة هذا اليوم انتفاء الريب، وعلى هذا فمن ارتاب فيه فقد ارتاب في أمر واقع، لكن لو جعلنا النفي بمعنى النهي لكنا أخرجنا الكلام عن ظاهره هذه من جهة، ومن جهة أخرى أن النهي قد يمتثله الناس وقد لا يمتثلونه، لكن النفي هنا أوضح أولا لمطابقته لظاهر اللفظ، لأن ظاهر اللفظ النفي.
وثانيا: لأنه يعطي أن هذا اليوم موصوف بانتفاء الريب فيه، فيكون من ارتاب مخالفا للواقع، " (( لا ريب فيه فريق )) منهم (( في الجنة وفريق في السعير )) في النار " فريق مبتدأ وفريق الثاني مبتدأ، ومن كان منكم عارفا بالنحو فسيقول في هذا إشكال، ما هو الإشكال ؟
الطالب: الابتداء بالنكرة.
الشيخ : والابتداء بالنكرة غير جائز، لماذا ؟ لأن المبتدأ محكوم عليه فإذا قلت : زيد قائم فقد حكمت على زيد بالقيام، والمحكوم عليه لابد أن يكون معروفا، إذا كان نكرة أي فائدة في الحكم عليه، فكلام النحويين في أنه لا يجوز الابتداء بالنكرة هذا تعليله، لأن المبتدأ محكوم عليه، والمحكوم عليه لابد أن يكون معرفة معلوما، فهنا ابتدأ بالنكرة، يقول النحويون : إن المسوغ للابتداء بالنكرة في هذه الآية هو التقسيم، والتقسيم مفيد، فريق في الجنة أي نوع من الناس في الجنة ونوع في السعير، فالتقسيم يبيح الابتداء بالنكرة، ومنه قول الشاعر :
فيوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر
فهذا مبتدأ نكرة لكنه فيه التقسيم فيكون المسوغ للابتداء بالنكرة هنا هو التقسيم، نعم (( فريق في ا لجنة وفريق في السعير )) أيهم أكثر ؟ فريق السعير أكثر كما جاء في الحديث الصحيح أن الله تعالى يوم القيامة ينادي يقول : ( يا آدم ، فيقول : لبيك وسعديك فيقول : أخرج من ذريتك بعث النار أو بعثا إلى النار ـ أي مبعوثا إلى النار ـ قال: يا رب وما بعث النار قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون واحد في الجنة ) والباقي من الألف في النار، إذا أيهم أكثر ؟ أهل النار أكثر من أهل الجنة بكثير، أجارنا الله وإياكم من النار، ففزع الصحابة لهذا، وقالوا: يا رسول الله أينا ذلك الواحد ؟ قال لهم: ( أبشروا إنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج ) وهم من بني آدم كما دل على ذلك القرآن، فمنكم واحد وألف منهم ففرح الصحابة رضي الله عنهم بذلك، المهم أن الله قال : فريق وفريق مع اختلاف الفريقين اختلافا عظيما، نعم فدل ذلك على أن الفريق في اللغة يطلق على القليل والكثير، (( فريق في الجنة وفريق في السعير )) ما هي الجنة ؟ الجنة هي الدار التي أعدها الله تعالى للمؤمنين والمتقين، وهي دار فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأصناف النعيم في هذه الجنة جعلني الله وإياكم منهم موجودة في القرآن والسنة، أما السعير والعياذ بالله فهي النار تسعر بها الأجساد، وفيها من أنواع العذاب والنكال ما يتمنى أهلها أن يموتوا ولا يحصل لهم، قال الله تعالى : (( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون )) (( وفريق في السعير )).