فوائد قوله تعالى : (( وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير )) . حفظ
في هذه الآية الكريمة فوائد منها أن القرآن كلام الله لقوله : (( وكذلك أوحينا إليك قرءانا )) وجه كونه كلام الله أن هذا القرآن كلام أو شيء مخلوق ؟ كلام، وإذا كان كلاما وقد أضافه الله إلى نفسه علمنا أنه كلام الله عز وجل، وهل هو مخلوق ؟ لا، لوجهين : الوجه الأول : أنه وصفه وجميع أوصاف الله غير مخلوقة، لأن الصفة تابعة للذات، فالخالق هو الله وصفاته غير مخلوقة .
ثانيا: لو قلنا: إنه مخلوق لبطل الأمر والنهي، لأننا إذا قلنا: إنه مخلوق صار شيئا مخلوقا على شيء معين كما تخلق الشمس والقمر والنجوم والجبال والأنهار على شكل معين، فيكون مثلا: (( أقيموا الصلاة )) ليست أمرا، لماذا ؟ لأنه خلق رسما، خلق على هذا الرسم، الآن مثلا لو رسمت في القرآن: (( أقيموا الصلاة )) وأنت تقول أن هذه ليست كلاما ولكنها مخلوقة لم تفد الأمر، وكذلك يقال في الأخبار، الأخبار تأتيك آية طولية كلها في خبر ما إذا قلت أن القرآن مخلوق صارت مجرد نقش فقط، ما هي كلام، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله : " إن القول بأن القرآن مخلوق مبطل للشريعة لأنه لا يكون فيه أمر ولا نهي " إنما هي أشكال خلقت على هذا، (( أقيموا الصلاة أنتم )) إذا شاهدتم: (( أقيموا الصلاة )) وجدتم أنها وشي يختلف بعضه عن بعض، أقيموا لها شكل والصلاة لها شكل فإذا قلنا : إن هذه أشياء خلقها الله على هذا الشكل لم يكن أمرا ولا نهيا، طيب إذا الآية تفيد أن القرآن كلام الله لأن الله تعالى أضافه إلى نفسه .
من فوائد هذه الآيات الكريمة : فخر العرب لأن القرآن عربي وهو للأمم كلها.
ومن فوائدها حكمة الله تبارك وتعالى في إنزال القرآن باللغة التي يفهمها من أنزل إليه وهذا كقوله تعالى : (( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم )).
ومن فوائد الآية الكريمة : التأكيد على معرفة اللغة العربية، وجه ذلك أنه إذا كان القرآن عربيا وكنا مخاطبين به وملزمين بالعمل به فإنه لا يمكن الوصول إلى ذلك إلا بتعلم اللغة العربية .
ومن فوائد الآية : الإشارة إلى أن الناس جميعا ينبغي أن يكونوا يتحدثون باللغة العربية، لأن الناس كلهم جميعا يجب أن يكون دينهم الإسلام، فإذا كان يجب أن يكون دينهم الإسلام فإنه يلزم من ذلك أن يجب أن يتعلموا لغة الإسلام، ولذلك نرى أن الإسلام لما كان في أوج عزته وقوته دخل الناس في دين الله، وتعلموا اللغة العربية، ومن الفرس والروم من كانوا أئمة في الدين وأئمة في العربية، القاموس المحيط مرجع الناس في اللغة الآن وقبل الآن، من مؤلفه ؟ الفيروزأبادي، من قريش أو من بني هاشم ؟ لا هذا ولا هذا فارسي، ومع ذلك هو مرجع اللغة العربية، البخاري إمام المحدثين، يعني إمام نقلة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، عربي أو غير عربي ؟ غير عربي، لأنه في الفتوحات الإسلامية كانت الغلبة للمسلمين الذين يتكلمون باللغة العربية، فتعلم الناس العربية ضرورة أنه لا يمكن الوصول إلى فهم الدين إلا باللغة العربية، ما حال الناس اليوم ؟ على العكس، الآن العربي يحاول أن يتعلم اللغة الغير عربية، لأن الإسلام مع الأسف الشديد بمعاصي أهله خذلوا وذلوا، وكانوا من أذل الأمم إن لم أقل أذل الأمم، أنا أقول : أذل الأمم ولا أبالي، لأن عند المسلمين من الثروات العظيمة والمعادن العظيمة والأماكن الفسيحة والواسعة ما إذا قسناه بحالهم وجدنا أنهم أذل الأمم، من يكون عنده مثل هذه الثروات ثم يتخلف هذا التخلف، حفنة من اليهود تلعب بعقولهم ليلا ونهارا، ولو قلت : أمم من النصارى يلعبون بهم، ولو كان لهم عزة لكانوا هم الذين يتحكمون في الناس ويقاتلونهم حتى يكون الدين كله لله، لكن لما ذلوا ذلت لغتهم، الآن تجد المتاجر في بلاد العرب في مدننا في قرانا تجدها مملوءة باللافتات باللغة غير العربية، أحيان تجد المتاجر كأنك في سوق لندن إلا أن يشاء الله، كل هذا من الذي طيب.
من فوائد هذه الآيات الكريمة إثبات حكمة الله تؤخذ من قوله : (( لتنذر )) لأن اللام هنا للتعليل وكلما وجدت لام التعليل في القرآن فإن فيها إثبات حكمة الله عز وجل، وحينئذ نعلم أن جميع ما يفعله الله عز وجل أو يشرعه فهو لحكمة .
ومن فوائد الآية الكريمة: الاقتصار على أحد موضوعي الرسالة إذا اقتضت الحكمة ذلك، وجهه أنه قال: (( لتنذر أم القرى ومن حولها )) ولم يذكر البشارة، مع أن الله تبارك وتعالى في مواضع كثيرة يذكر الإنذار والبشارة: (( لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لد )) لأن السياق مع قريش، وقريش كما تعلمون عتاة معتدون فناسب ذكر الإنذار دون ذكر البشارة لأنه إذا رأيت شخصا معتديا، فهل أنت تحاول استقامته بالبشارة أولا أو بالإنذار أولا ؟ بالإنذار أولا، وهذا من بلاغة القرآن أن يجعل كل شيء في موضعه .
ومن فوائد هذه الآيات الكريمة : أن النبي صلى الله عليه وسلم ملزم بإنذار أم القرى إلزاما أوليا لقوله : (( لتنذر أم القرى )) وما سواها إنذارا ثانويا .
ومن فوائد الآية الكريمة : الإشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لن يصل إلى من أرسل إليهم مباشرة وإنما ينذر من حوله لقوله: (( لتنذر أم القرى ومن حولها )) وأنا ذكرت لكم قبل قليل هذه الفائدة ذكرناها في كتاب التفسير،
أيضا فيه فائدة أخرى وهي أن القرآن باللغة العربية لا يمكن أن ينتذر به إلا: (( أم القرى ومن حولها )) الذين هم عرب، وأما فارس والروم والأقباط وما أشبههم فهؤلاء لا ينتفعون بالقرآن إلا بعد أن يعرفوا اللغة العربية ويعرفوا معاني القرآن، ولعل هذا والله أعلم أيضا من الحكم أن الله قال : (( ومن حولها )) .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : تخويف الناس من يوم القيامة لقوله : (( وتنذر يوم الجمع )) .
ومن فوائدها : أن يوم القيامة واقع لا محالة لقوله : (( لا ريب فيه )) .
ومن فوائد الآية الكريمة : أن الناس في ذلك اليوم ينقسمون إلى قسمين : فريق في الجنة وفريق في السعير، أهل الجنة يتجهون إلى الصراط ليصلوا إلى الأعلى إلى الجنة، وأما أهل النار فلا يصعدون الصراط لأنه لا يرجى منهم أن ينجوا، بل إنهم يساقون إلى جهنم وردا، أي على أشد ما يكون من العطش، وتمثل لهم النار كأنها سراب يظنونها ماءا فيسرعون إليها، فإذا جاءوها وجدوا الأمر بالعكس فيتوقفون، ولكنهم يدعون إلى نار جهنم دعا ويقال لهم : (( هذه النار التي كنتم بها تكذبون * اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا )) .