فوائد قوله تعالى : (( ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير )) . حفظ
قال الله عز وجل : (( ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة )) في هذه الآية فوائد منها : الرد على القدرية الذين ينفون القدر ويقولون إن الإنسان مستقل بعمله، لأنكم تعلمون كما درستم ـ أو بعضكم ـ في العقيدة أن الناس انقسموا بالنسبة لأفعال العبد إلى ثلاثة أقسام : قسم يقولون : إن العبد لا اختيار له ولا إرادة ولا مشيئة، وأنه يفعل الفعل الاختياري كالفعل الإجباري، وهؤلاء هم الجبرية وهم الجهمية، الجهمية جبرية بالنسبة لأفعال العبد، فحركة الإنسان الاختيارية كقيامه وقعوده وأكله وشربه ونومه واستيقاظه مجبر عليه، فهو في هذه الحركات كالمريض الذي يرتعش من الحرارة بغير اختياره، وهؤلاء ضالون لأنه على قاعدتهم يكون الله عز وجل إذا عذب الإنسان المخالف يكون ظالما له، لأنه ليس يختار، هم يرون أن الظلم في حق الله محال مستحيل، لأن الظلم تصرف الفاعل في غير ملكه، والله عز وجل له ملك السماوات والأرض ولهذا كان الظلم عندهم مستحيلا هذه طائفة.
وطائفة أخرى يقولون : الإنسان مستقل بعمله يفعل ما يشاء ولا علاقة لله تعالى في عمله، وهؤلاء هم القدرية الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة، لأن هؤلاء يقولون: الحوادث الكونية لها خالقان، حوادث العباد هم يخلقونها، وحوادث الكون يخلقها الله عز وجل، فجعلوا للحوادث خالقين كما أن المجوس جعلوا للحوادث خالقين، ولهذا سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة، وعلى رأيهم يكون في ملك الله ما لا يشاءه الله، إن الله له ملك السماوات والأرض فإذا كانت أفعال العباد بغير مشيئة الله وإرادته صار في ملكه ما لا يشاء، وهؤلاء ضالون غالطون، لأنه كيف يكون الله هو الخالق للعبد ونقول : العبد مستقل عن الله ولا لله فيه دخل ولا شيء، أهل السنة والجماعة يقولون : إن الإنسان يفعل باختياره وإرادته والقرآن دل على ذلك: (( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ))[الإسراء:19] (( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها )) (( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة )) يقولون : الإنسان له إرادة واختيار ويفرق بين الفعل الاختياري والفعل الإجباري ولا شك، الإنسان يقوم ويقعد ويأكل ويشرب وينام ويستيقظ كل ذلك لا يشعر أن أحدا يجبره عليه، ولكن مع هذا، هذا الفعل وهذه الإرادة مخلوقة لله عز وجل، كيف تكون مخلوقة لله ؟ لأن الإنسان نفسه مخلوق لله، فإراداته التي تكون في نفسه والأفعال التي تكون في جوارحه تكون مخلوقه لأن أوصاف المخلوق وأفعال المخلوق مخلوقة، كما أن أوصاف الخالق غير مخلوقة، ولهذا نقول : القرآن غير مخلوق لأنه كلام الله، إذا أهل السنة والجماعة والحمد لله هداهم الله للحق فكانوا وسطا بين متطرفين الآية الكريمة: (( ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة )) ترد على القدرية الذين يقولون : إن الإنسان مستقل بعمله، على رأيهم لا يستطيع الله عز وجل أن يهدي الناس جميعا أو يضلهم جميعا .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أن من حكمة الله عز وجل أن ينقسم الناس إلى مؤمن وكافر من قوله : (( ولكن يدخل من يشاء في رحمته )) لأنه لا يمكن أن تظهر أثر الرحمة إلا إذا انقسم الناس إلى مرحوم وغير مرحوم، فكان من حكمة الله عز وجل أن اختلف الناس، نحن نعلم لولا اختلاف الناس لم يتميز مؤمن من كافر، لولا اختلاف الناس ما قام جهاد، ولا قام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يكن فائدة في خلق الجنة والنار إلى غير ذلك .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : إثبات الرحمة لله عز وجل لقوله : (( في رحمته )) واعلم أن الرحمة نوعان : مخلوقة وغير مخلوقة، أما غير المخلوقة فهي رحمة الله التي هي وصفه، فهذه غير مخلوقة، لأن جميع صفات الله غير مخلوقة، وأما المخلوقة فهي الشيء البائن عن الله الذي كان من آثار رحمة الله التي هي وصفه، قال الله عز وجل : (( وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون )) هذه مخلوقة، في للظرفية، ولا يمكن أن تكون رحمة الله التي هي وصفه ظرفا لهؤلاء الذين آمنوا، إذا ففي رحمة الله أي المخلوقة، ما هي رحمة الله المخلوقة ؟ هي الجنة لقوله تعالى للجنة : ( أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ) طيب (( وربك الغفور ذو الرحمة )) ما المراد بالرحمة هنا الصفة أو المخلوقة ؟ الصفة، إذا من صفات الله تعالى الرحمة.
والعجب من قوم يدعون أنهم منزهون لله يقولون : إن الله لا يوصف بالرحمة، نسأل الله ألا يزيغ قلوبنا يقولون: إن الله لا يوصف بالرحمة لأن الرحمة انفعال وانكسار كما ترحم الصبي ترحم اليتيم والله عز وجل منزه عن ذلك، طيب ماذا نفعل بالآيات التي لا تحصى المثبتة لرحمة الله ؟ قالوا : فسر الرحمة بالإنعام، فيفسرونها بالرحمة المخلوقة، أو فسر الرحمة بإرادة الإنعام فيفسرونها بالإرادة، وهؤلاء الأشاعرة، لأنهم يقرون بالإرادة على أنها صفة لله، وسبحان الله حجتهم في هذا يقول : الإرادة دل عليها العقل والرحمة ما دل عليها العقل، بل دل العقل على خلافها، فنقول لهم : ما هو العقل الذي دل على الإرادة ؟ قالوا: العقل التخصيص، تخصيص المخلوقات، الجمل له صورة معينة الشاة لها صورة معينة بنو آدم لهم صورة معينة، فكونه يجعل البعير على هذه الصفة والشاة على هذه الصفة وبني آدم على هذه الصفة تدل على الإرادة، طيب الرحمة هناك أدلة عقلية على الرحمة أكثر دلالة من دلالة التخصيص على الإرادة، كل ما في الكون من النعم ماذا يدل عليه ؟ يدل على الرحمة، ولهذا العامي إذا أمطرت السماء قال : مطرنا بفضل الله ورحمته، فدلالة هذه الأشياء على الرحمة أقوى من دلالة التخصيص على الإرادة، فنحن نؤمن بأن لله رحمة، فإذا قال : إن الرحمة انكسار وانفعال قلنا : أن هذا بالنسبة لرحمة المخلوق، أما رحمة الخالق فهي تليق به عز وجل، ما فيه انكسار ولا فيها نقص ولا فيها عيب، أرأيتم الغضب ؟ الغضب انفعال يحدث للإنسان حتى يفقد أعصابه ويتصرف تصرف المجانين، حتى ربما كسر ماله، وضرب أولاده، وطلق زوجته، وربما يؤدي إلى أن يرمي بنفسه في الماء، الغضب لأنه جمرة يلقيها الشيطان في قلب الإنسان حتى يفور دمه، هل نقول: إن غضب الله كغضب الإنسان ؟ أبدا حاشا، إن غضب الله صفة تليق به تدل على كمال سلطانه وقدرته على الانتقام، لكنها لا يمكن أن ينتج عنها سوء تصرف أبدا، بخلاف غضب المخلوق.
المهم أن نقول : هناك قوم أنكروا رحمة الله وبماذا فسروا الرحمة ؟ بواحد من أمرين: إما الإنعام أو إرادة الإنعام، وهذا لا شك من ضلالهم وبدعهم وإرجاعهم أمور الغيب إلى ما تقتضيه عقولهم القاصرة، والحقيقة أن هذه العقول ليست عقولا بل هي أوهام وإلا فنحن نعلم علم اليقين أن ما جاءت به الشريعة لا يمكن أن يخالف صريح المعقول أبدا، صحيح المنقول لا يخالف صريح المعقول أبدا، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاب مجلدات في بيان موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول ويسمى " درء تعارض العقل مع النقل " طيب.
من فوائد الآية الكريمة : سوء عاقبة الظلم لقوله : (( والظالمين ما لهم من ولي ولا نصير )) حتى أولياؤهم في الدنيا لا ينفعونهم في الآخرة، ليس لهم ولي يتولاهم ولا نصير يدفع عنهم الأذى .
ومن فوائد الآية الكريمة : أن القائم بالعدل له ناصر وولي، تؤخذ من مفهوم المخالفة، إذا كان الظالم لا ولي له ولا نصير فمن قام بالعدل فله ولي ونصير .