تتمة بيان اختلاف الفرق الإسلامية في فهم هذه الآية : (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) . حفظ
والأشاعرة هم أكثر الناس انتشارا في البلاد الإسلامية، ولهذا يجب أن نعرف مذهبهم تماما ونعرف الرد عليهم حتى يتقلص هذا المذهب أو يزول بالكلية، ونسأل الله تعالى أن يزيله إلى الحق، يقولون : نثبت هذه الصفات السبع وغيرها لا، ولذلك يقولون في استعمالهم للنصوص ما سوى هذا: إما أن نفوضه ونقول: لا ندري معناه، وإما أن نؤوله ونحن نسمي تأويلهم تحريفا لأن التأويل الذي لا دليل عليه تحريف، طيب وفي ذلك يقول ناظم عقيدتهم : " وكل نص أوهم التشبيه أوله أو فوض ورم تنزيها " والله عجيب، إن فوضناه أو أولناه بمعنى التحريف فإننا لم نرم التنزيه بل وقعنا في العيب، وجهه لأن إذا قلنا : لا نعلم هذا المعنى، لا نعلم معنى، فهذا يعني أن الله أنزل علينا كتابا مجهولا لا يدرى معناه، وليته لا يدرى معناه في أمور تتعلق بفعل العبد كالصلاة والطهارة في العقيدة، وإن حرفناه وقعنا أيضا في بلاء في اتهام الله عز وجل أنه لم يبين لعباده إلا ما كان خلاف الحق، وكلاهما شيء كبير، حتى إن شيخ الإسلام رحمه الله يقول : إن قول أهل التفويض من شر أقوال أهل البدع والإلحاد، وأنه هو الذي فتح للفلاسفة القدح في الدين وقالوا : إذا كنتم لا تعرفون المعنى وأنتم عجم بالنسبة للقرآن العربي نحن نعرف، وصاروا يخبطون خبط عشواء.
الآن نعود إلى مذهب الأشاعرة يثبتون لله سبع صفات: الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام، ومع ذلك إثباتهم لها ليس كإثبات أهل السنة والجماعة، نضرب مثلا بالكلام، الكلام يقولون : الله عز وجل ما هو يتكلم بصوت مسموع أبدا، وإنما كلامه هو المعنى القائم بنفسه، وما يسمعه العباد فإنما هو عبارة عن الكلام مخلوق، فلما قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( إني فرضت عليك خمسين صلاة ) بهذا اللفظ أو معناه، الله ما قاله، لأن الكلام هو المعنى القائم بنفسه، لكن خلق أصواتا سمعها النبي صلى الله عليه وسلم تعبر عما في نفسه، سبحان الله الآن لو تفكرنا لوجدنا قولهم هذا أخبث من قول الجهمية، ليش ؟ الجهمية عندهم صراحة قالوا : كلام الله مخلوق ومسموع لكنه مخلوق، هؤلاء قالوا : كلام الله غير مخلوق لكنه غير مسموع، هو المعنى القائم بنفسه ويخلق أصواتا تسمع تعبر عما في نفسه، أيهم أصرح ؟ الجهمية، ما بين أيدينا القرآن هذا، الجهمية يقولون : هذا كلام الله حقيقة لكنه مخلوق، الأشاعرة يقولون : لا، هذا ما هو كلام الله حقيقة، هذا عبارة عن كلام الله، وكلام الله هو المعنى القائم بالنفس، أيهم أحسن ؟ الأول، وكلاهما غير حسن، لكن نحن نقول أحسن كما قال الله عز وجل : (( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقر )) مع أنه ما فيه خير مستقر أهل النار، على كل حال الأشعرية أثبتوا سبع صفات قيل لهم: ما هو الدليل على إثبات الصفات السبع ونكر ما سواها ؟ قالوا : الدليل العقل، العقل دل على إثبات هذه الصفات ولم يدل على إثبات غيرها، إذن حكموا العقل فيما يثبتون لله ولم يحكموا الله فيما يثبت لنفسه، وهذا عدوان في حق الله عز وجل، من الذي يحكم على نفسه لنفسه ؟ الله عز وجل، أنتم تحكمون على الله قالوا : الله خاطبنا ولنا عقول لابد أن نعمل العقول، قلنا : طيب، أعطونا دليلا عقليا على هذه الصفات السبع، قالوا : نعم نعطيكم أدلة عقلية، الإيجاد يدل على القدرة، لأن العاجز لا يوجد شيئا، ومعلوم أننا نرى المخلوقات تتواجد شيئا فشيئا، قالوا: إيجادها يدل على القدرة، طيب المخلوقات الكائنة بعضها إنسان وبعضها حصان وبعضها جمل وبعضها شمس وبعضها قمر وبعضها سماء وبعضها أرض، هذا التخصيص يدل على الإرادة، لولا الإرادة ما صار هذا كذا وهذا كذا، إذن أثبتنا الإرادة والقدرة، هذه المخلوقات محكمة متقنة ما فيها تناقض ولا تصادم، لم نرى الشمس يوما من الأيام اصطدمت بالأرض أو بالقمر أو بالنجوم، محكم متقن يدل على العلم، إذن ثبت ثلاث صفات عن طريق العقل: وهي العلم والإرادة والقدرة، قالوا: وهذه الصفات لا يمكن أن تقوم إلا بحي، فثبتت بذلك صفة الحياة، قالوا: والحي إما أن يكون سميعا بصيرا متكلما، أو أصم أعمى أخرس، والأول كمال والثاني: نقص والله تعالى منزه عن النقص، فوجب أن يكون سميعا بصيرا متكلما، فنحن قد نوافقهم على هذا ونقول: العقل دل على ذلك، لكن ما سوى هذه دل عليها الشرع ونحن نتنزل معهم إلى آخر شيء، نقول: ما سوى ذلك دل عليه الشرع، ومن المعلوم أن انتفاء الدليل المعين لا يستلزم انتفاء المدلول، لأن الأدلة قد تتعدد على مدلول واحد، فإذا قدرنا أن العقل لم يدل على الصفات التي أثبتها الله لنفسه سوى السبع فقد دل عليها الشرع، والشرع يثبت بدليل واحد وبدليلين وبثلاثة المهم أن يكون له دليل، هذه واحدة، هذا جواب، جواب آخر أن نمنع من كون العقل لم يدل على بقية الصفات ونقول : بقية الصفات منها ما دل عليه العقل ومنها ما دل عليه السمع فقط، فمثلا إنزال المطر إنبات النبات رفع الوباء بسط الرزق، ممن هذا ؟ من الله عز وجل، ماذا يدل عليه هذا ؟ يدل على الرحمة دلالة واضحة أقوى من دلالة التخصيص على الإرادة، لأن دلالة التخصيص على الإرادة لا يفهمه إلا ذاك إلا طالب العلم المختص، حتى طالبة العلم أحيانا ننشب نحن وإياهم، يقول: كيف دلت التخصيص على الإرادة ؟ لكن كون هذه الأمور النافعة، حصول النعم واندفاع النقم تدل على الرحمة، هل هو خفي أو واضح ؟ واضح، حتى العامي، العامي يخرج من بيته في الصباح وقد جاء المطر في الليل فيقول : مطرنا بفضل الله ورحمته وهو عامي فنقول لهم : الآن ما نفيتموه زاعمين أن العقل لا يدل عليه فلنا عنه جوابان :
الجواب الأول أننا لا نسلم أن العقل لا يدل عليه، بل نقول : إن العقل يدل عليه وإن كان لا يدل على كل صفة لكن بالجملة .
ثانيا : أن نقول : هب أن العقل لا يدل عليه لكن دل عليه السمع القرآن والسنة، ولا يلزم من انتفاء دلالة العقل أن لا يثبت الشيء بدليل آخر، لأن انتفاء الدليل المعين لا يستلزم انتفاء المدلول، وهذه قاعدة مفيدة وأضرب لكم ذلك بشيء محسوس، مكة كم لها من طريق ؟ طرق متعددة، فإذا قدر أن هذا الطريق يمتنع السير معه لوجود قطاع طريق أو وجود أمطار أفسدته أو ما شابه ذلك، ألا يمكن أن نصل إلى مكة من طريق آخر ؟ بلى، هكذا المعاني، إذا انتفى دليل من الأدلة لكن وجدنا دليل آخر هل ننكر هذا المدلول لأن أحد الأدلة غير قائم ؟ لا، ما دام هذا الدليل غير قائم فهناك دليل آخر.
ولذلك هدى الله أهل السنة والجماعة إلى القول الوسط لا تمثيل ولا تعطيل قالوا : نثبت لله عز وجل جميع ما وصف به نفسه في القرآن أو فيما صحت به السنة، لاحظوا لا بد هذا القيد بالنسبة للسنة فيما صحت به السنة، لأن من الأحاديث ما هو ضعيف أو موضوع ، القرآن لا تقل : ما صح في القرآن لأن كله صحيح، في السنة لابد أن تقيد أو ما صحت به السنة، نثبت كل صفة ولا نتحاشى ولا نتهيب، إذا كان الله عز وجل أثبت لنفسه يدا وقال : (( بل يداه مبسوطتان )) هل علينا أن نتهيب من إثبات اليد بل هل لنا أن نتهيب ؟ لا يجوز أبدا، بل الهيبة أن نخالف، أثبت اليد ولا تبالي، أثبت ربك لنفسه وجها تتهيب من إثبات الوجه ؟ لا، التهيب حقيقة من نفي الوجه، أما ما أثبته الله فيجب أن نثبته لكن على هذه القاعدة: ليس كمثله شيء، فنقول : لله وجه وليس كوجه المخلوق، يقينا أنه ليس كأوجه المخلوقين، فإن قال قائل : ما دليلك ؟ لماذا لا تحمل الوجه على الوجه المعروف ؟ دليله: (( ليس كمثله شيء )).
أثبت الله تعالى أنه يأتي يوم القيامة: (( وجاء ربك والملك صفا صفا )) أتتهيب أن تصف الله بالمجيء ؟ لا، ما نتهيب نقول : نصف الله بالمجيء، لكن هل هو كمجيء الملك على فرس أو سيارة أو ما أشبه ذلك ؟ لا، يقينا ليس كذلك، لكنه مجيء يليق بجلاله، أثبت الله لنفسه أنه استوى على العرش في عدة مواضع من القرآن تبلغ سبعة بهذا اللفظ: (( استوى على العرش )) هل تتهيب أن تثبت ذلك لله ؟ لا، بل هو مستو حقيقة، أتهيب أن أقول : (( استوى )) بمعنى استولى، لأن استوى بمعنى استولى تحريف للكلم على مواضعه، لكنني أؤمن إيمانا لا شك فيه أن هذا الاستواء لا يماثل استواء المخلوقين في أي حال من الأحوال، استوائي على الفك أو على البعير لو أزيل ما استويت عليه لسقطت لا شك، لكن استواء الله على العرش ليس كذلك، ليس استواء احتياج إلى العرش، لأن الله غني عن العرش وعن غيره، لكنه استواء عظمة وسلطان، حققوا العقيدة لا تغركم الأوهام، وما ذنب الإنسان إذا قال : أنا أؤمن بكل ما أثبته لنفسه ؟ ليس ذنبا، بل هذا حقيقة الانقياد والاستسلام لله عز وجل، لكن يجب شيء واحد وهو أن تؤمن بأنه لا مثيل له، لأن الله قال: (( لا تضربوا لله الأمثال )) وقال : (( ليس كمثله شيء )) (( ولا تجعلوا لله أندادا )) وأشبه ذلك، وأنت لا تعلم الغيب، الله عز وجل هو الذي يعلم وهو أخبرك عن نفسه بكذا فقل : آمنا وصدقنا.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن المعطلة أقسام : قسم عطلوا البعض، وقسم عطلوا الصفة دون الاسم، وقسم عطلوا الصفة والاسم نفيا لا إثباتا، يعني بمعنى قالوا : لا نصف الله بشيء ثابت لكن نصفه بالنفي، وقسم قالوا : لا نصفه لا بالنفي ولا بالإثبات، إن وصفناه بثابت شبهناه بالموجودات وإن وصفناه بمنفي شبهناه بالمعدومات.
الآن نعود إلى مذهب الأشاعرة يثبتون لله سبع صفات: الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام، ومع ذلك إثباتهم لها ليس كإثبات أهل السنة والجماعة، نضرب مثلا بالكلام، الكلام يقولون : الله عز وجل ما هو يتكلم بصوت مسموع أبدا، وإنما كلامه هو المعنى القائم بنفسه، وما يسمعه العباد فإنما هو عبارة عن الكلام مخلوق، فلما قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( إني فرضت عليك خمسين صلاة ) بهذا اللفظ أو معناه، الله ما قاله، لأن الكلام هو المعنى القائم بنفسه، لكن خلق أصواتا سمعها النبي صلى الله عليه وسلم تعبر عما في نفسه، سبحان الله الآن لو تفكرنا لوجدنا قولهم هذا أخبث من قول الجهمية، ليش ؟ الجهمية عندهم صراحة قالوا : كلام الله مخلوق ومسموع لكنه مخلوق، هؤلاء قالوا : كلام الله غير مخلوق لكنه غير مسموع، هو المعنى القائم بنفسه ويخلق أصواتا تسمع تعبر عما في نفسه، أيهم أصرح ؟ الجهمية، ما بين أيدينا القرآن هذا، الجهمية يقولون : هذا كلام الله حقيقة لكنه مخلوق، الأشاعرة يقولون : لا، هذا ما هو كلام الله حقيقة، هذا عبارة عن كلام الله، وكلام الله هو المعنى القائم بالنفس، أيهم أحسن ؟ الأول، وكلاهما غير حسن، لكن نحن نقول أحسن كما قال الله عز وجل : (( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقر )) مع أنه ما فيه خير مستقر أهل النار، على كل حال الأشعرية أثبتوا سبع صفات قيل لهم: ما هو الدليل على إثبات الصفات السبع ونكر ما سواها ؟ قالوا : الدليل العقل، العقل دل على إثبات هذه الصفات ولم يدل على إثبات غيرها، إذن حكموا العقل فيما يثبتون لله ولم يحكموا الله فيما يثبت لنفسه، وهذا عدوان في حق الله عز وجل، من الذي يحكم على نفسه لنفسه ؟ الله عز وجل، أنتم تحكمون على الله قالوا : الله خاطبنا ولنا عقول لابد أن نعمل العقول، قلنا : طيب، أعطونا دليلا عقليا على هذه الصفات السبع، قالوا : نعم نعطيكم أدلة عقلية، الإيجاد يدل على القدرة، لأن العاجز لا يوجد شيئا، ومعلوم أننا نرى المخلوقات تتواجد شيئا فشيئا، قالوا: إيجادها يدل على القدرة، طيب المخلوقات الكائنة بعضها إنسان وبعضها حصان وبعضها جمل وبعضها شمس وبعضها قمر وبعضها سماء وبعضها أرض، هذا التخصيص يدل على الإرادة، لولا الإرادة ما صار هذا كذا وهذا كذا، إذن أثبتنا الإرادة والقدرة، هذه المخلوقات محكمة متقنة ما فيها تناقض ولا تصادم، لم نرى الشمس يوما من الأيام اصطدمت بالأرض أو بالقمر أو بالنجوم، محكم متقن يدل على العلم، إذن ثبت ثلاث صفات عن طريق العقل: وهي العلم والإرادة والقدرة، قالوا: وهذه الصفات لا يمكن أن تقوم إلا بحي، فثبتت بذلك صفة الحياة، قالوا: والحي إما أن يكون سميعا بصيرا متكلما، أو أصم أعمى أخرس، والأول كمال والثاني: نقص والله تعالى منزه عن النقص، فوجب أن يكون سميعا بصيرا متكلما، فنحن قد نوافقهم على هذا ونقول: العقل دل على ذلك، لكن ما سوى هذه دل عليها الشرع ونحن نتنزل معهم إلى آخر شيء، نقول: ما سوى ذلك دل عليه الشرع، ومن المعلوم أن انتفاء الدليل المعين لا يستلزم انتفاء المدلول، لأن الأدلة قد تتعدد على مدلول واحد، فإذا قدرنا أن العقل لم يدل على الصفات التي أثبتها الله لنفسه سوى السبع فقد دل عليها الشرع، والشرع يثبت بدليل واحد وبدليلين وبثلاثة المهم أن يكون له دليل، هذه واحدة، هذا جواب، جواب آخر أن نمنع من كون العقل لم يدل على بقية الصفات ونقول : بقية الصفات منها ما دل عليه العقل ومنها ما دل عليه السمع فقط، فمثلا إنزال المطر إنبات النبات رفع الوباء بسط الرزق، ممن هذا ؟ من الله عز وجل، ماذا يدل عليه هذا ؟ يدل على الرحمة دلالة واضحة أقوى من دلالة التخصيص على الإرادة، لأن دلالة التخصيص على الإرادة لا يفهمه إلا ذاك إلا طالب العلم المختص، حتى طالبة العلم أحيانا ننشب نحن وإياهم، يقول: كيف دلت التخصيص على الإرادة ؟ لكن كون هذه الأمور النافعة، حصول النعم واندفاع النقم تدل على الرحمة، هل هو خفي أو واضح ؟ واضح، حتى العامي، العامي يخرج من بيته في الصباح وقد جاء المطر في الليل فيقول : مطرنا بفضل الله ورحمته وهو عامي فنقول لهم : الآن ما نفيتموه زاعمين أن العقل لا يدل عليه فلنا عنه جوابان :
الجواب الأول أننا لا نسلم أن العقل لا يدل عليه، بل نقول : إن العقل يدل عليه وإن كان لا يدل على كل صفة لكن بالجملة .
ثانيا : أن نقول : هب أن العقل لا يدل عليه لكن دل عليه السمع القرآن والسنة، ولا يلزم من انتفاء دلالة العقل أن لا يثبت الشيء بدليل آخر، لأن انتفاء الدليل المعين لا يستلزم انتفاء المدلول، وهذه قاعدة مفيدة وأضرب لكم ذلك بشيء محسوس، مكة كم لها من طريق ؟ طرق متعددة، فإذا قدر أن هذا الطريق يمتنع السير معه لوجود قطاع طريق أو وجود أمطار أفسدته أو ما شابه ذلك، ألا يمكن أن نصل إلى مكة من طريق آخر ؟ بلى، هكذا المعاني، إذا انتفى دليل من الأدلة لكن وجدنا دليل آخر هل ننكر هذا المدلول لأن أحد الأدلة غير قائم ؟ لا، ما دام هذا الدليل غير قائم فهناك دليل آخر.
ولذلك هدى الله أهل السنة والجماعة إلى القول الوسط لا تمثيل ولا تعطيل قالوا : نثبت لله عز وجل جميع ما وصف به نفسه في القرآن أو فيما صحت به السنة، لاحظوا لا بد هذا القيد بالنسبة للسنة فيما صحت به السنة، لأن من الأحاديث ما هو ضعيف أو موضوع ، القرآن لا تقل : ما صح في القرآن لأن كله صحيح، في السنة لابد أن تقيد أو ما صحت به السنة، نثبت كل صفة ولا نتحاشى ولا نتهيب، إذا كان الله عز وجل أثبت لنفسه يدا وقال : (( بل يداه مبسوطتان )) هل علينا أن نتهيب من إثبات اليد بل هل لنا أن نتهيب ؟ لا يجوز أبدا، بل الهيبة أن نخالف، أثبت اليد ولا تبالي، أثبت ربك لنفسه وجها تتهيب من إثبات الوجه ؟ لا، التهيب حقيقة من نفي الوجه، أما ما أثبته الله فيجب أن نثبته لكن على هذه القاعدة: ليس كمثله شيء، فنقول : لله وجه وليس كوجه المخلوق، يقينا أنه ليس كأوجه المخلوقين، فإن قال قائل : ما دليلك ؟ لماذا لا تحمل الوجه على الوجه المعروف ؟ دليله: (( ليس كمثله شيء )).
أثبت الله تعالى أنه يأتي يوم القيامة: (( وجاء ربك والملك صفا صفا )) أتتهيب أن تصف الله بالمجيء ؟ لا، ما نتهيب نقول : نصف الله بالمجيء، لكن هل هو كمجيء الملك على فرس أو سيارة أو ما أشبه ذلك ؟ لا، يقينا ليس كذلك، لكنه مجيء يليق بجلاله، أثبت الله لنفسه أنه استوى على العرش في عدة مواضع من القرآن تبلغ سبعة بهذا اللفظ: (( استوى على العرش )) هل تتهيب أن تثبت ذلك لله ؟ لا، بل هو مستو حقيقة، أتهيب أن أقول : (( استوى )) بمعنى استولى، لأن استوى بمعنى استولى تحريف للكلم على مواضعه، لكنني أؤمن إيمانا لا شك فيه أن هذا الاستواء لا يماثل استواء المخلوقين في أي حال من الأحوال، استوائي على الفك أو على البعير لو أزيل ما استويت عليه لسقطت لا شك، لكن استواء الله على العرش ليس كذلك، ليس استواء احتياج إلى العرش، لأن الله غني عن العرش وعن غيره، لكنه استواء عظمة وسلطان، حققوا العقيدة لا تغركم الأوهام، وما ذنب الإنسان إذا قال : أنا أؤمن بكل ما أثبته لنفسه ؟ ليس ذنبا، بل هذا حقيقة الانقياد والاستسلام لله عز وجل، لكن يجب شيء واحد وهو أن تؤمن بأنه لا مثيل له، لأن الله قال: (( لا تضربوا لله الأمثال )) وقال : (( ليس كمثله شيء )) (( ولا تجعلوا لله أندادا )) وأشبه ذلك، وأنت لا تعلم الغيب، الله عز وجل هو الذي يعلم وهو أخبرك عن نفسه بكذا فقل : آمنا وصدقنا.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن المعطلة أقسام : قسم عطلوا البعض، وقسم عطلوا الصفة دون الاسم، وقسم عطلوا الصفة والاسم نفيا لا إثباتا، يعني بمعنى قالوا : لا نصف الله بشيء ثابت لكن نصفه بالنفي، وقسم قالوا : لا نصفه لا بالنفي ولا بالإثبات، إن وصفناه بثابت شبهناه بالموجودات وإن وصفناه بمنفي شبهناه بالمعدومات.