مناقشة تفسير قوله تعالى : (( ومن ءاياته خلق السموات والأرض )) خلق (( و ما بث )) فرق ونشر (( فيهما من دآبة )) هي ما يدب على الأرض من الناس وغيرهم (( وهو على جمعهم )) للحشر (( إذا يشآء قدير )) في الضمير تغليب العاقل على غيره . حفظ
" وخلق (( ما بث )) فرق ونشر (( فيهما )) "أي في السماوات والأرض " (( من دابة )) وهي ما يدب على الأرض "،قوله:(( ما بث )) يعني: خلق (( ما بث )) وبث بمعنى فرق ونشر (( فيهما ))أي في السماوات والأرض (( من دابة )) أي مما يدب على الأرض من الإنسان وغيره، فهو من آيات الله،من آيات الله في هذه المخلوقات أن الله سبحانه وتعالى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، تجد حيوانات وهي بُهم لا عقول لها تجدها تكسب رزقها وتذهب تطلبه، وتخزن ما تخزن منه إن كان مما يخزن من الأقوات، وتجدها تحن لأولادها وترحم أولادها وتجوع لشبعهم، إلى غير ذلك مما إذا تأملته عجبت من هذه المخلوقات البهم، الطيور أعطاها الله عز وجل قوة نظر بعيد بدليل أنها ترى الحب وهي في جو السماء، والآدمي لا يرى هذا بلا شك، لكن لما كانت الطيور لا تمشي على الأرض يسر الله لها بصرا نافدا قويا حتى ترى الحب وهي في جو السماء فتنزل وتأخذه وتطير، إلى غير ذلك من الآيات العجيبة، انظر مثلا إلى الذر الصغير كيف يهتدي إلى جحره وهو يأتي إليه من بعيد، ثم إنه يمشي على خط واحد شاهدناه بأعيننا، يمشي على خط واحد على البساط الذي ليس به أثر تراب، فتجده يصل إلى النهاية وإذا به ينحرف على زاوية، كيف اهتدى إلى هذا ؟إلا بهداية الله عز وجل، وقد قيل إنه كلما مشى فإنه يخرج منه شيء أي مادة يشمها الذر الآخر فيمشي تبعه، هذا من آيات الله عز وجل، تجد النمل وهو أكبر من الذر يحرص على أن يأتي بزاده من بعيد ثم يخزنه في جحره، وإذا أراد أن يخزنه أكل رؤوس الحب من أجل ألا ينبت، لأنه لو بقي الحب برؤوسه نبت وفسد عليه، فتجده يدقم أعلى الحبة وأسفلها حتى لا تنبت، ثم إذا جاء المطر وابتلت الأرض ووصل البلل إلى جحره تجده ينقل هذا الحب ليخرجه إلى الشمس والهواء حتى ييبس، من الذي علمه ؟ الله عز وجل لا شك، فهو من آيات الله، وما أحسن الاستعانة على هذا بقراءة كتاب مفتاح دار السعادة لابن القيم رحمه الله، مفتاح دار السعادة هذا ذكر فيه عجائب، حتى ذكر فيه قصة أن رجلا وضع طعما لذرة من الذرات إما لحمة أو غيرها، حاولت الذرة أن تحمله عجزت فرجعت إلى جحرها واستغاثت بأخواتها، فأقبلن إليه يزفون، لما أقبلن عليه نزعه ورفعه من الأرض فجعلت الذرة تطلبه ما وجدت شيئا، فانصرفت وبقيت الأولى التي كانت قد دلت عليه، فوضع الطعم فلما تيقنته ذهبت إلى قومها فدعتهم، فما أقبلن نزعه فطلبنه فلم يكن رجعن، ثم وضع الطعم للمرة الثالثة فتأكدتههذه الذرة ثم رجعت إلى قومها تستفرعهم فلما أقبلن نزعه، فلما طلبنه ولم يجدنه أكلن هذه الذرة نهائيا، قطعن أوصالا، يقول فحكيت ذلك لشيخ الإسلام ابن تيمية متعجبا منه، قال: نعم كل شيء مفطور على عقوبة الظالم الكاذب، وهذه كذبت عليهن وظلمتهن فلم يبقى إلا أن تعدم، لأن الساعي في الأرض فسادا يجب إعدامه حتى الآدمي، ولكن هل عليه دية هذه المقتولة،الرجل ؟ نعم، هو ظالم لها نسأل الله أن يعفوا عنه، على كل حال قصدي بذلك أن كل شيء هداه الله عز وجل لما خلقه له، حتى الذر شاهدته أنا في حوض نخلة لما سقيت النخلة الماء دخل الماء من تحت الأرض إلى جحر الذر، فجعلت الذر تحمل بيضها الأبيض وبسرعة حتى أخرجته عن الماء، من الذي هداها لهذا ؟ الله عز وجل وآيات الله كثيرة، ولهذا قال عز وجل :(( وما بث فيهما من دابة )) وفي الآية الأخرى:(( وما يبث من دابة )) فأتى بالماضي وأتى بالمضارع الدال على الاستمرار.
قوله:" (( من دابة )) وهو ما يدب على الأرض من الناس وغيرهم(( وهو على جمعهم )) للحشر (( إذا يشاء )) جمعهم (( قدير ))"(( وهو على جمعهم )) أي جمع هذه المخلوقات (( إذا يشاء ))أي إذا يشاء جمعهم، فالمفعول به محذوف دل عليه السياق (( قدير ))أي لا يعجزه شيء، يقول المفسر رحمه الله: " في الضمير تغليب العاقل "الضمير: يعني في جمعهم، تغليب العاقل لأن الميم الدالة على الجمع لا تكون إلا في العقلاء، وأما غير العقلاء فيؤتى بنون النسوة، لكن هنا أتى بضمير الجمع مع أن ما في الأرض من دابة أكثره غير عقلاء، لكن يقول المؤلف رحمه الله :" تغليب للعاقل .