شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما ، قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة ، فقال : ( إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ، ولا قطعتم واديا ، إلا كانوا معكم حبسهم المرض ) . وفي رواية : ( إلا شركوكم في الأجر ) رواه مسلم . ورواه البخاري عن أنس - رضي الله عنه - ، قال : رجعنا من غزوة تبوك مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : ( إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبا ولا واديا ، إلا وهم معنا ؛ حبسهم العذر ) ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غَزاة ) يعني : في غزوة ، فقال : ( إن بالمدينة لأقوامًا ما سرتم مسيرا ، ولا قطعتم واديا ، إلا وهم معكم حبسهم المرض ) وفي لفظ : ( إلا شركوكم في الأجر ) ، وكذلك حديث البخاري عن أنس رضي الله عنه نحو هذا الحديث .
ففي هذا دليل على أن الإنسان إذا نوى العمل الصالح ، ولكنه حبسه عنه حابس ، فإنه يُكتب له الأجر ، يُكتب له أجر ما نوى ، أما إذا كان يعمله في حال عدم العذر ، يعني لما كان قادرا كان يعمله ثم عجز عنه فيما بعد ، فإنه يكتب له أجر العمل كاملا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من مرض أو سافر كُتِب له ما كان يعمل صحيحا مقيما ) ، فالمتمني للخير الحريص عليه إن كان من عادته أنه يعمله ، ولكن حبسه عنه حابس كتب له أجره كاملا ، فمثلا : إذا كان الإنسان من عادته أن يصلي مع جماعة في المسجد ، ولكنه حبسه حابس كنوم أو مرض أو ما أشبه ذلك ، فإنه يكتب له أجر المصلي مع الجماعة تماما من غير نقص ، وكذلك إذا كان من عادته أن يصلي تطوعا ولكنه منعه منه مانع ولم يتمكن منه ، فإنه يكتب له أجره كاملا ، وكذلك إذا كان من عادته أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ، ثم عجز عن ذلك ومنعه مانع ، فإنه يكتب له الأجر كاملا ، أما إذا كان ليس من عادته أن يفعله ، فإنه يكتب له أجر النية فقط ، دون أجر العمل ، ودليل ذلك : ( أن فقراء الصحابة رضي الله عنهم قالوا : يا رسول الله سبقنا أهل الدُّثور بالأجور والنعيم المقيم -يعني أن أهل الأموال سبقونا بالصدقة والعتق- فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه أدركتم مَن سبقكم ، ولم يدرككم أحد إلا من عمل مثلما عملتم ، فقال : تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ، ففعلوا فعلم الأغنياء بذلك ، ففعلوا مثلما فعلوا ، فجاء الفقراء للرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا فعلوا مثله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم ) ، ولم يقل لهم : إنكم أدركتم أجر عملهم ، لكن لا شك أن لهم أجر نية العمل ، ولهذا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام فيمن آتاه الله مالا فجعل ينفقه في سُبُل الخبر ، وكان رجل فقير يقول : لو أن لي مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فهو بنيته فهما في الأجر سواء ) ، يعني سواء في أجر النية ، أما العمل فإنه لا يكتب له أجره إلا إذا كان مِن عادته أن يعمله ، وفي هذا الحديث إشارة إلى أن من خرج في سبيل الله في الغزو والجهاد في سبيل الله ، فإن له أجر من شارك ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( ما سرتم مسيراً ولا قطعتم واديًا ولا شِعبًا إلا وهم معكم ) ، ويدل لهذا قوله تعالى : (( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) .
ونظير هذا أنَّ الرجل إذا توضأ في بيته فأسبغ الوضوء ، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة ، فإنه لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة ، وهذا من فضل الله عز وجل أن تكون وسائل العمل فيها هذا الأجر الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله الموفق .
لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجَدّ .