شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ، ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) رواه مسلم ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ) وفي لفظ : ( قلوبكم وأعمالكم ) : هذا الحديث يدل على ما يدل عليه قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم )) ، فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى العباد ، إلى أجسامهم هل هي كبيرة أو صغيرة أو صحيحة أو سقيمة ، ولا ينظر إلى الصور هل هي جميلة أو ذميمة ؟ لا ، كل هذا ليس بشيء عند الله ، وكذلك لا ينظر إلى الأنساب هل هي رفيعة أو دنيئة ، ولا ينظر إلى الأموال ، ولا ينظر إلى شيء من هذا أبدا ، ليس بين الله تعالى وبين خلقه صلة إلا بالتقوى ، فمن كان لله أتقى ، كان من الله أقرب وكان عند الله أكرم .
إذن لا تفتخر بمالك ولا بجمالك ولا ببدنك ولا بأولادك ولا بقصورك ولا بسياراتك ولا بشيء من هذه الدنيا أبدا ، إنما إذا وفقك الله للتقوى فهذا من فضل الله عليك ، فاحمد الله عليه ، قال : ( ولكن ينظر إلى قلوبكم ) : فالقلوب هي التي عليها المدار ، وهذا يؤيد الحديث الذي صدَّر المؤلفُ به الكتاب : ( إنما الأعمال بالنيات ) ، القلوب هي التي عليها المدار ، كم من إنسان ظاهر عمله أنه صحيح وجيد وصالح لكن لما بُني على خراب صار خرابا ، النية هي الأصل ، تجد رجلين يصليان في صف واحد بإمام واحد يكون بين صلاتيهما كما بين المشرق والمغرب ، لماذا ؟ لأن القلب أحدهما قلبه غافل ، بل ربما يكون مُرائيا في صلاته والعياذ بالله يريد بها الدنيا ، والآخر قلبه حاضر يريد بصلاته وجه الله واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبينهما فرق عظيم ، فالعلم على ما في القلب ، وعلى ما في القلب يكون الجزاء يوم القيامة ، كما قال الله تعالى : (( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ )) : تُختبر السرائر ما هي الظواهر ، في الدنيا الحكم بين الناس على الظاهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما أقضي بنحو ما أسمع ) ، لكن في الآخرة العلم على ما في السرائر -نسأل الله أن يطهر سرائرنا وإياكم- العلم على ما في السرائر ، إذا كانت السريرة جيدة صحيحة فأبشر بالخير ، وإن كانت الأخرى فقدت الخير كله ، وقال الله تعالى : (( أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ )) : فالعلم على ما في القلب ، وإذا كان الله تعالى في كتابه وكان رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته يؤكدان على إصلاح النية ، فالواجب على الإنسان أن يصلح نيته ، يصلح قلبه ، ينظر ما في قلبه من الشك فيزيل هذا الشك إلى اليقين ، كيف ؟ إذا قال الإنسان إذا كان فيه شك كيف يكون يقين ؟ ينظر في الآيات ، ينظر في الآيات : (( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ )) ، (( إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين )) ، (( (وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )) ، أنت انظر في آيات الله ، إذا ألقى الشيطان في قلبك الشك فانظر في آيات الله ، انظر في هذا الكون ، انظر من يدبره ، انظر كيف تتغير الأحوال ، كيف يداول الله الأيام بين الناس حتى تعلم أن لهذا الكون مدبرا حكيما عز وجل ، الشرك طهر قلبك من الشرك ، كيف أطهر قلبي من الشرك ؟ أطهر قلبي بأن أقول لنفسي : إن الناس لا ينفعونني ، إن عصيت الله لم ينقذوني من العقاب ، وإن أطعت الله لم يجلبوا إلي الثواب ، من الذي يجلب لك الثواب ؟ هو الله ، من الذي يدفع عنك العقاب ؟ هو الله ، إذا كان الأمر كذلك فلماذا تشرك بالله عز وجل ؟! لماذا تنوي بعبادتك أن تتقرب إلى الخلق ؟! ولهذا من تقرب إلى الخلق بما يتقرب به إلى الله ابتعد الله عنه وابتعد عنه الخلق ، يعني لا يزيده تقربه إلى الخلق بما يقربه إلى الله إلا بعدا من الله ومن الخلق ، لأن الله إذا رضي عنك أرضى عنك الناس ، وإذا سخط عليك أسخط عليك الناس ، نعوذ بالله من سخطه وعقابه ، المهم يا أخي عالج القلب ، عالج القلب دائما ، كن دائما في غسيل للقلب حتى يطهر كما قال الله تعالى : (( أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُم )) ، (( لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُم )) فتطهير القلب أمر مهم جدا ، أسأل الله أن يطهر قلبي وقلوبكم وأن يجعلنا له مخلصين ولرسوله متبعين .
الطالب : آمين .