شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... فقلت : هل سمعته يذكر في الهوى شيئا ؟ قال : نعم ، كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فبينا نحن عنده إذ ناداه أعرابي بصوت له جهوري : يا محمد ، فأجابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحوا من صوته : (( هاؤم فقلت له :
ويحك! اغضض من صوتك فإنك عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد نهيت عن هذا ! فقال : والله لا أغضض . قال الأعرابي : المرء يحب القوم ولما يلحق بهم ؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( المرء مع من أحب يوم القيامة ) . فما زال يحدثنا حتى ذكر بابا من المغرب مسيرة عرضه أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عاما - قال سفيان أحد الرواة : قبل الشام - خلقه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض مفتوحا للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه. رواه الترمذي وغيره، وقال: حديث حسن صحيح... " . مع ذكر فوائد الحديث .
حفظ
الشيخ : ثم إن زر بن حُبيش سأل صفوان بن عسَّال هل سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الهوى شيئا ؟ الهوى يعني المحبة ، والميل فقال : ( نعم ) ثم ذكر قصة الأعرابي الذي كان جهوري الصوت فجاء ينادي : ( يا محمد ) بصوت مرتفع ، فقيل له : ويحك تنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوت مرتفع والله عز وجل يقول : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ )) ، ولكن الأعراب لا يعرفون الآداب كثيرا ، لأنهم بعيدون عن المدن وبعيدون عن العلم ، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بصوت مرتفع ، كما سأل الأعرابي ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل الناس هديا ، يعطي كل إنسان بقدر ما يتحمله عقله ، فخاطبه بمثل ما خاطب به النبيَ صلى الله عليه وسلم ، قال له الأعرابي : ( المرء يحب القوم ولما يلحق بهم ) يعني : يحب القوم ولكن عمله دون عملهم ، لا يساويهم في العمل ، فمع مَن يكون أيكون معهم أو لا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( المرء مع من أحب يوم القيامة ) ، الحمد لله نعمة عظيمة ، وقد روى أنس بن مالك هذه القطعة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( المرء مع من أحب ، قال أنس : فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم ) ، وهكذا أيضا نحن نشهد الله عز وجل على محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وصحابته ، وأئمة الهدى من بعدهم ، ونسأل الله أن يجعلنا معهم ، هذه بشرى ، بشرى للإنسان أنه إذا أحب قوما صار معهم وإن قَصُر به عمله ، يكون معهم في الجنة ، ويجمعه الله معهم في الحشر ويشربون من حوض النبي صلى الله عليه وسلم جميعا وهكذا ، كما أن من أحب الكفرة فإنه ربما يكون معهم والعياذ بالله ، لأن محبة الكافرين حرام ، بل قد تكون من كبائر الذنوب ، فالواجب على المسلم أن يكره الكفار وأن يعلم أنهم أعداء له ، مهما أبدوا من الصداقة والمودة والمحبة فإنهم لن يتقربوا إليك إلا لمصلحة أنفسهم ومضرتك أيضا ، أما أن يتقربوا إليك لمصلحتك فهذا شيء بعيد إن كان يمكن أن نجمع بين النار والماء فيمكن أن نجمع بين محبة الكفار لنا وعداوتهم لنا ، لأن الله تعالى سماهم أعداء : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ )) ، وقال عز وجل : (( مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ )) كل كافر فالله عدو له ، وكل كافر فهو عدو لنا ، وكل كافر فإنه لا يضمر لنا إلا الشر ، ولهذا يجب عليك أن تكره مِن قلبك كل كافر مهما كان جنسه ، ومهما كان تقربه إليك ، فاعلم أنه عدوك : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ )) إذًا نأخذ مِن هذه قاعدة أصلها النبي عليه الصلاة والسلام : ( المرء مع من أحب ) ، ( المرء مع من أحب ) فعليك يا أخي أن تَشدد قلبك على محبة الله ورسوله وخلفائه الراشدين وصحابته الكرام وأئمة الهدى من بعدهم ، لتكون معهم ، نسأل الله أن يحقق لنا ذلك بمنه وكرمه .