تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... قال الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا )) ، وقال تعالى : (( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين )) ، وقال تعالى : (( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )) ، وقال تعالى: (( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) ، وقال تعالى: (( استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين )) ، وقال تعالى : (( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين )) ، والآيات في الأمر بالصبر وبيان فضله كثيرة معروفة ... " . حفظ
الشيخ : ثم ساق المؤلف -رحمه الله- الآيات التي فيها الحث على الصبر والثناء على فاعليه ، فقال : " وقول الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا )) " : فأمر اللهُ المؤمنين بمقتضى إيمانهم وبشرف إيمانهم بهذه الأوامر الثلاثة ، بل أربعة : (( اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون )) : فالصبر عن المعصية ، والمصابرة على الطاعة ، والمرابطة كثرة الخير ، وتتابع الخير ، والتقوى تعم ذلك كله .
(( واتقوا الله لعلكم تفلحون )) : فاصبروا عن محارم الله ، لا تفعلوها ، تجنبوها ولا تقربوها ، ومن المعلوم أن الصبر عن المعصية لا يكون إلا حيث دعت إليها النفس ، أما الإنسان الذي لم تطرأ على باله المعصية فلا يقال إنه صبر عنها ، ولكن إذا دعتك نفسك غلى المعصية فاصبر واحبس النفس .
وأما المصابرة فهو على الطاعة ، لأن الطاعة فيها أمران : الأمر الأول : فعل يتكلف به الإنسان ويُلزم نفسه به ، والثاني : ثقل على النفس لأن فعل الطاعة كترك المعصية ثقيل على النفوس الأمارة بالسوء ، فلهذا كان الصبر على الطاعة أفضل مِن الصبر عن المعصية ، ولهذا قال الله تعالى : (( صابروا )) : كأن أحدا يصابرك كما يصابر الإنسان عدوه في القتال والجهاد .
وأما المرابطة : فهي كثرة الخير والاستمرار عليه ، ولهذا جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط فذلكم الرباط ) : لأن فيه استمرارا في الطاعة وكثرة لفعلها .
وأما التقوى : فهي تشمل ذلك كله ، لأن التقوى : " اتخاذ ما يقي من عقاب الله ، وهذا يكون بفعل الأوامر واجتناب النواهي " ، وعلى هذا فعطفها على ما سبق من باب عطف العام على الخاص ، ثم بين الله سبحانه وتعالى أن القيام بهذه الأوامر الأربعة سبب للفلاح ، فقال : (( لعلكم تفلحون )) : والفلاح كلمة جامعة تدور على شيئين : على حصول المطلوب ، والنجاة من المرهوب ، فمن اتقى الله عز وجل حصل له مطلوبه ، ونجا من مرهوبه .
وأما الآية الثانية فقال -رحمه الله- : " وقوله تعالى : (( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين )) " : هذه الآية فيها قسم من الله عز وجل أن يختبر العباد بهذه الأمور (( ولنبلونكم )) يعني : لنختبرنكم ، (( بشيء من الخوف )) : ما هو بكل شيء ، بشيء منه ، لا بالخوف كله ، لأن الخوف كله مهلك مدمر ، لكن بشيء منه من الخوف والجوع .
الخوف : هو فقد الأمن وهو أعظم من الجوع ، ولهذا قدمه الله عليه ، لأن الإنسان الجائع ربما يتعلل ويذهب يطلب ولو كان لحاء شجر ، لكن الخائف والعياذ بالله لا يستقر لا في بيته ولا في سوقه ، الخائف أعظم من الجائع ، ولهذا بدأ الله به فقال : (( بشيء من الخوف )) ، وأخوف ما نخاف منه ذنوبنا ، لأن الذنوب سبب لكل الويلات ، وسبب للمخاطر والمخاوف والعقوبات الدينية ، والعقوبات الدنيوية ، والجوع : يعني أن يُبتلى بالجوع ، والجوع يحتمل معنيين : المعنى الأول : أن يحدث الله تعالى في العباد وباء هو وباء الجوع ، بحيث يأكل الإنسان ولا يشبع ، وهذا يمر على الناس ، وقد مر بهذه البلاد سنةٌ معروفة عند العامة تسمى سنة الجوع ، يأكل الإنسان الشيء الكثير ولكنه لا يشبع والعياذ بالله أبدا ، نُحَدَّث أن الإنسان يأكل من التمر مخفر كامل في آن واحد ولا يشبع والعياذ بالله ، ويأكل الخبز الكثير ولا يشبع لمرض فيه ، هذا نوع من الجوع ، النوع الثاني مِن الجوع : الجدب ، والسنين الممحلة التي لا يَدُر فيها ضرع ولا ينمو فيها زرع والعياذ بالله ، هذا من الجوع (( ونقص من الأموال والأنفس )) : نقص الأموال يعني : نقص الاقتصاد ، بحيث تصاب الأمة بقلة المادة والفقر ويتأخر اقتصادها وترهق حكومتها بالديون التي تأتي نتيجة لأسباب يقدرها الله عز وجل ابتلاء وامتحانا . والأنفس : الموت ، بحيث يحل في الناس أوبئة تهلكهم وتقضي عليهم ، وهذا أيضا يحدث كثيرة ولقد حُدثنا أنه حدث في هذه البلاد -يعني البلاد النجدية- حدث فيها وباء عظيم تسمى سنته عند العامة : سنة الرحمة ، إذا دخل الوباء في البيت لم يُبق منهم أحدا إلا دفن والعياذ بالله ، يدخل في البيت فيه عشرة أنفس أو أكثر فيُصاب هذا بمرض ، ومن بكرة الثاني والثالث والرابع حتى يموتون عن آخرهم ، وحُدثنا أنه قُدم في هذا المسجد ، المسجد الجامع الكبير في عنيزة ، وكان الناس في الأول في قرية صغيرة ما فيه كثرة عالم كما فيه اليوم ، يقدم أحيانا في فرض الصلاة الواحدة سبع جنائز ثمانية جنائز ، نعوذ بالله ، من الأوبئة ، هذا أيضا نقص من الأنفس .
والثمرات : ألا يكون هناك جوع ، ولكن تنقص الثمرات ، تُنزع بركتها في الزروع في النخيل في الأشجار الأخرى ، والله عز وجل يبتلي العباد بهذه الأمور : (( ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )) ، فيقابل الناس هذه المصائب بدرجات متنوعة : بالتسخط ، بالصبر ، بالرضا ، بالشكر كما قلنا فيما سبق ، ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على الآية .
القارئ : والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال -رحمه الله تعالى- : " باب الصبر ، قال الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا )) ، وقال تعالى : (( ولنبلونكم بشيء مِن الخوف والجوع ونقص مِن الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين )) ، وقال تعالى : (( إنما يُوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )) ، وقال تعالى : (( ولَمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) " .
(( واتقوا الله لعلكم تفلحون )) : فاصبروا عن محارم الله ، لا تفعلوها ، تجنبوها ولا تقربوها ، ومن المعلوم أن الصبر عن المعصية لا يكون إلا حيث دعت إليها النفس ، أما الإنسان الذي لم تطرأ على باله المعصية فلا يقال إنه صبر عنها ، ولكن إذا دعتك نفسك غلى المعصية فاصبر واحبس النفس .
وأما المصابرة فهو على الطاعة ، لأن الطاعة فيها أمران : الأمر الأول : فعل يتكلف به الإنسان ويُلزم نفسه به ، والثاني : ثقل على النفس لأن فعل الطاعة كترك المعصية ثقيل على النفوس الأمارة بالسوء ، فلهذا كان الصبر على الطاعة أفضل مِن الصبر عن المعصية ، ولهذا قال الله تعالى : (( صابروا )) : كأن أحدا يصابرك كما يصابر الإنسان عدوه في القتال والجهاد .
وأما المرابطة : فهي كثرة الخير والاستمرار عليه ، ولهذا جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط فذلكم الرباط ) : لأن فيه استمرارا في الطاعة وكثرة لفعلها .
وأما التقوى : فهي تشمل ذلك كله ، لأن التقوى : " اتخاذ ما يقي من عقاب الله ، وهذا يكون بفعل الأوامر واجتناب النواهي " ، وعلى هذا فعطفها على ما سبق من باب عطف العام على الخاص ، ثم بين الله سبحانه وتعالى أن القيام بهذه الأوامر الأربعة سبب للفلاح ، فقال : (( لعلكم تفلحون )) : والفلاح كلمة جامعة تدور على شيئين : على حصول المطلوب ، والنجاة من المرهوب ، فمن اتقى الله عز وجل حصل له مطلوبه ، ونجا من مرهوبه .
وأما الآية الثانية فقال -رحمه الله- : " وقوله تعالى : (( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين )) " : هذه الآية فيها قسم من الله عز وجل أن يختبر العباد بهذه الأمور (( ولنبلونكم )) يعني : لنختبرنكم ، (( بشيء من الخوف )) : ما هو بكل شيء ، بشيء منه ، لا بالخوف كله ، لأن الخوف كله مهلك مدمر ، لكن بشيء منه من الخوف والجوع .
الخوف : هو فقد الأمن وهو أعظم من الجوع ، ولهذا قدمه الله عليه ، لأن الإنسان الجائع ربما يتعلل ويذهب يطلب ولو كان لحاء شجر ، لكن الخائف والعياذ بالله لا يستقر لا في بيته ولا في سوقه ، الخائف أعظم من الجائع ، ولهذا بدأ الله به فقال : (( بشيء من الخوف )) ، وأخوف ما نخاف منه ذنوبنا ، لأن الذنوب سبب لكل الويلات ، وسبب للمخاطر والمخاوف والعقوبات الدينية ، والعقوبات الدنيوية ، والجوع : يعني أن يُبتلى بالجوع ، والجوع يحتمل معنيين : المعنى الأول : أن يحدث الله تعالى في العباد وباء هو وباء الجوع ، بحيث يأكل الإنسان ولا يشبع ، وهذا يمر على الناس ، وقد مر بهذه البلاد سنةٌ معروفة عند العامة تسمى سنة الجوع ، يأكل الإنسان الشيء الكثير ولكنه لا يشبع والعياذ بالله أبدا ، نُحَدَّث أن الإنسان يأكل من التمر مخفر كامل في آن واحد ولا يشبع والعياذ بالله ، ويأكل الخبز الكثير ولا يشبع لمرض فيه ، هذا نوع من الجوع ، النوع الثاني مِن الجوع : الجدب ، والسنين الممحلة التي لا يَدُر فيها ضرع ولا ينمو فيها زرع والعياذ بالله ، هذا من الجوع (( ونقص من الأموال والأنفس )) : نقص الأموال يعني : نقص الاقتصاد ، بحيث تصاب الأمة بقلة المادة والفقر ويتأخر اقتصادها وترهق حكومتها بالديون التي تأتي نتيجة لأسباب يقدرها الله عز وجل ابتلاء وامتحانا . والأنفس : الموت ، بحيث يحل في الناس أوبئة تهلكهم وتقضي عليهم ، وهذا أيضا يحدث كثيرة ولقد حُدثنا أنه حدث في هذه البلاد -يعني البلاد النجدية- حدث فيها وباء عظيم تسمى سنته عند العامة : سنة الرحمة ، إذا دخل الوباء في البيت لم يُبق منهم أحدا إلا دفن والعياذ بالله ، يدخل في البيت فيه عشرة أنفس أو أكثر فيُصاب هذا بمرض ، ومن بكرة الثاني والثالث والرابع حتى يموتون عن آخرهم ، وحُدثنا أنه قُدم في هذا المسجد ، المسجد الجامع الكبير في عنيزة ، وكان الناس في الأول في قرية صغيرة ما فيه كثرة عالم كما فيه اليوم ، يقدم أحيانا في فرض الصلاة الواحدة سبع جنائز ثمانية جنائز ، نعوذ بالله ، من الأوبئة ، هذا أيضا نقص من الأنفس .
والثمرات : ألا يكون هناك جوع ، ولكن تنقص الثمرات ، تُنزع بركتها في الزروع في النخيل في الأشجار الأخرى ، والله عز وجل يبتلي العباد بهذه الأمور : (( ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )) ، فيقابل الناس هذه المصائب بدرجات متنوعة : بالتسخط ، بالصبر ، بالرضا ، بالشكر كما قلنا فيما سبق ، ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على الآية .
القارئ : والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال -رحمه الله تعالى- : " باب الصبر ، قال الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا )) ، وقال تعالى : (( ولنبلونكم بشيء مِن الخوف والجوع ونقص مِن الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين )) ، وقال تعالى : (( إنما يُوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )) ، وقال تعالى : (( ولَمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) " .