تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى : (( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين )) ، وقال تعالى : (( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )) ، وقال تعالى: (( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) ، وقال تعالى: (( استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين )) ، وقال تعالى : (( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين )) ، والآيات في الأمر بالصبر وبيان فضله كثيرة معروفة ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
سبق لنا الكلام على الصبر وأنواعه ، وعلى قوله تعالى ، بل على أول الآية في قوله تعالى : (( وَلَنَبْلُوَنّكُمْ بِشَيْءٍ مّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثّمَرَاتِ وَبَشّرِ الصّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )) : لما ذكر الله هذا الابتلاء قال : (( وَبَشّرِ الصّابِرِينَ )) : والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل من يبلغه هذا الخطاب ، يعني بشر يا محمد وبشر يا من يبلغه هذا الكلام الصابرين ، الذين يصبرون على هذه البلوى ، فلا يقابلونها بالتسخط ، وإنما يقابلونها بالصبر ، وأكمل من ذلك أن يقابلوها بالرضا ، وأكمل من ذلك أن يقابلوها بالشكر ، كما مر علينا : أن المصاب بالمصائب من أقدار الله المؤلمة له أربع حالات : تسخط ، وصبر ، ورضا ، وشكر ، هنا قال : (( وَبَشّرِ الصّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ )) : إذا أصابتهم المصيبة اعترفوا لله عز وجل بعموم ملكه ، وأنه ملك لله ، ولله أن يفعل في ملكه ما شاء ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لإحدى بناته قال : ( فإن لله ما أخذ وله ما أبقى ) ، فأنت مُلك لربك عز وجل يفعل بك ما يشاء حسبما تقتضيه حكمته تبارك وتعالى ، ثم قال : (( وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ )) : يعترفون بأنهم لابد أن يرجعوا إلى الله فيجازيهم إن تسخطوا جزاهم على سخطهم ، وإن صبروا كما هو شأن هؤلاء القوم ، فإن الله تعالى يجازيهم على صبرهم على هذه المصائب ، فيبتلي عز وجل بالبلاء ويثيب الصابر عليه ، قال تعالى : (( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ )) : أولئك : يعني الصابرين ، (( عليهم صلوات من ربهم ورحمة )) الصلوات جمع صلاة ، وهي ثناء الله عليهم في الملأ الأعلى ، يثني الله عليهم عند ملائكته في الملأ الأعلى ، ورحمة من الله عز وجل ، (( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )) : الذين هداهم الله عز وجل عند حلول المصائب فلم يتسخطوا وإنما صبروا على ما أصابهم .
وفي هذه الآية دليل على أن صلاة الله عز وجل ليست هي رحمته ، بل هي أخص وأكمل وأفضل ، ومن فسرها من العلماء : بأن الصلاة من الله الرحمة ، ومن الملائكة الدعاء ، ومن الآدميين الاستغفار ، فإن هذا لا وجه له ، بل الصلاة غير الرحمة ، لأن الله تعالى عطف الرحمة على الصلوات ، والعطف يقتضي المغايرة ، ولأن العلماء مجمعون على أنك يجوز أن تقول لأي شخص من المؤمنين : اللهم ارحم فلانا ، واختلفوا هل يجوز أن تقول : اللهم صل عليه أو لا يجوز على أقوال ثلاثة : فمنهم من أجازها مطلقا ، ومنهم من منعها مطلقا ، ومنهم من أجازها إذا كانت تبعا ، والصحيح أنها تجوز إذا كانت تبعا مثل : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، أو لم تكن تبعا لكن لها سبب كما قال تعالى : (( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم )) : فإذا كان لها سبب ولم تتخذ شعارا فإن ذلك لا بأس به ، أي : لا بأس أن تقول : اللهم صل على محمد ، لو جاءك رجل بزكاته وقال : خذ زكاتي فرقها على الفقراء ، فلك أن تقول : صل الله عليك ، تدعو له أن يصلي الله عليه كما أمر اللهُ نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك ، والله الموفق .
بسم الله الرحمن الرحيم :
تقدم الكلام على عدة آيات ساقها المؤلف -رحمه الله تعالى- في الصبر وثوابه وبيان محله ، وقال في جملة ما ساقه من الآيات قوله تعالى : (( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )) : يوفى الصابرون يعني : يُعطى الصابرون أجرهم يعني : ثوابهم ، بغير حساب ، وذلك أن الأعمال الصالحة مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، أما الصبر فإن مضاعفته تأتي بغير حساب مِن عند الله عز وجل ، وهذا يدل على أن أجره عظيم ، وأن الإنسان لا يمكن أن يتصور هذا الأجر ، لأنه لم يقابَل بعدد بل هو أمر معلوم عند الله ولا حساب فيه ، لا يقال مثلا : الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف ، بل يقال : إنه يوفى أجره بغير حساب .
وفي هذه الآية من الترغيب في الصبر ما هو ظاهر .
ثم قال المؤلف : " وقوله تعالى : (( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) " : يعني أن الذي يصبر على أذى الناس ويتحملهم ويغفر لهم سيئاتهم التي يسيئون بها إليه : (( فإن ذلك من عزم الأمور )) أي : من معزوماتها وشدائدها التي تحتاج إلى مقابلة ومصابرة ، ولاسيما إذا كان الأذى الذي ينال الإنسان بسبب جهاده في الله عز وجل ، وبسبب طاعته ، لأن أذية الناس لك لها أسباب متعددة متنوعة ، فإذا كان سببها طاعة الله عز وجل ، والجهاد في سبيله ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فإن الإنسان يثاب على ذلك من وجهين : الوجه الأول : من الأذية التي تحصل له ، والوجه الثاني : صبره على هذه الطاعة التي أوذي في الله من أجلها .
وفي هذه الآية حث على صبر الإنسان على أذية الناس ومغفرته لهم ما أساؤوا إليه فيه ، ولكن ينبغي أن يُعلم أن المغفرة لمن أساء إليك ليست محمودة على الإطلاق ، فإن الله تعالى قيد هذا بأن يكون العفو مقرونا بالإصلاح ، فقال : (( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه )) ، أما إذا لم يكن في العفو والمغفرة إصلاح فلا تعفُ ولا تغفر ، مثال ذلك : لو كان الذي أساء إليك شخصا معروفا بالشر والفساد وأنك لو عفوت عنه لكان في ذلك زيادةٌ في شره ، ففي هذه الحال الأفضل أن لا تعفو عنه ، أن تأخذ بحقك من أجل الإصلاح ، أما إذا كان الشخص إذا عفوت عنه لم يترتب على العفو عنه مفسدة ، فإن العفو أفضل وأحسن ، لأن الله يقول : (( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه )) ، وإذا كان أجرك على الله كان خيرا لك من أن يكون ذلك بمعاوضة تأخذ من أعمال صاحبك الصالحة .
سبق لنا الكلام على الصبر وأنواعه ، وعلى قوله تعالى ، بل على أول الآية في قوله تعالى : (( وَلَنَبْلُوَنّكُمْ بِشَيْءٍ مّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثّمَرَاتِ وَبَشّرِ الصّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )) : لما ذكر الله هذا الابتلاء قال : (( وَبَشّرِ الصّابِرِينَ )) : والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل من يبلغه هذا الخطاب ، يعني بشر يا محمد وبشر يا من يبلغه هذا الكلام الصابرين ، الذين يصبرون على هذه البلوى ، فلا يقابلونها بالتسخط ، وإنما يقابلونها بالصبر ، وأكمل من ذلك أن يقابلوها بالرضا ، وأكمل من ذلك أن يقابلوها بالشكر ، كما مر علينا : أن المصاب بالمصائب من أقدار الله المؤلمة له أربع حالات : تسخط ، وصبر ، ورضا ، وشكر ، هنا قال : (( وَبَشّرِ الصّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ )) : إذا أصابتهم المصيبة اعترفوا لله عز وجل بعموم ملكه ، وأنه ملك لله ، ولله أن يفعل في ملكه ما شاء ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لإحدى بناته قال : ( فإن لله ما أخذ وله ما أبقى ) ، فأنت مُلك لربك عز وجل يفعل بك ما يشاء حسبما تقتضيه حكمته تبارك وتعالى ، ثم قال : (( وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ )) : يعترفون بأنهم لابد أن يرجعوا إلى الله فيجازيهم إن تسخطوا جزاهم على سخطهم ، وإن صبروا كما هو شأن هؤلاء القوم ، فإن الله تعالى يجازيهم على صبرهم على هذه المصائب ، فيبتلي عز وجل بالبلاء ويثيب الصابر عليه ، قال تعالى : (( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ )) : أولئك : يعني الصابرين ، (( عليهم صلوات من ربهم ورحمة )) الصلوات جمع صلاة ، وهي ثناء الله عليهم في الملأ الأعلى ، يثني الله عليهم عند ملائكته في الملأ الأعلى ، ورحمة من الله عز وجل ، (( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )) : الذين هداهم الله عز وجل عند حلول المصائب فلم يتسخطوا وإنما صبروا على ما أصابهم .
وفي هذه الآية دليل على أن صلاة الله عز وجل ليست هي رحمته ، بل هي أخص وأكمل وأفضل ، ومن فسرها من العلماء : بأن الصلاة من الله الرحمة ، ومن الملائكة الدعاء ، ومن الآدميين الاستغفار ، فإن هذا لا وجه له ، بل الصلاة غير الرحمة ، لأن الله تعالى عطف الرحمة على الصلوات ، والعطف يقتضي المغايرة ، ولأن العلماء مجمعون على أنك يجوز أن تقول لأي شخص من المؤمنين : اللهم ارحم فلانا ، واختلفوا هل يجوز أن تقول : اللهم صل عليه أو لا يجوز على أقوال ثلاثة : فمنهم من أجازها مطلقا ، ومنهم من منعها مطلقا ، ومنهم من أجازها إذا كانت تبعا ، والصحيح أنها تجوز إذا كانت تبعا مثل : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، أو لم تكن تبعا لكن لها سبب كما قال تعالى : (( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم )) : فإذا كان لها سبب ولم تتخذ شعارا فإن ذلك لا بأس به ، أي : لا بأس أن تقول : اللهم صل على محمد ، لو جاءك رجل بزكاته وقال : خذ زكاتي فرقها على الفقراء ، فلك أن تقول : صل الله عليك ، تدعو له أن يصلي الله عليه كما أمر اللهُ نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك ، والله الموفق .
بسم الله الرحمن الرحيم :
تقدم الكلام على عدة آيات ساقها المؤلف -رحمه الله تعالى- في الصبر وثوابه وبيان محله ، وقال في جملة ما ساقه من الآيات قوله تعالى : (( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )) : يوفى الصابرون يعني : يُعطى الصابرون أجرهم يعني : ثوابهم ، بغير حساب ، وذلك أن الأعمال الصالحة مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، أما الصبر فإن مضاعفته تأتي بغير حساب مِن عند الله عز وجل ، وهذا يدل على أن أجره عظيم ، وأن الإنسان لا يمكن أن يتصور هذا الأجر ، لأنه لم يقابَل بعدد بل هو أمر معلوم عند الله ولا حساب فيه ، لا يقال مثلا : الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف ، بل يقال : إنه يوفى أجره بغير حساب .
وفي هذه الآية من الترغيب في الصبر ما هو ظاهر .
ثم قال المؤلف : " وقوله تعالى : (( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) " : يعني أن الذي يصبر على أذى الناس ويتحملهم ويغفر لهم سيئاتهم التي يسيئون بها إليه : (( فإن ذلك من عزم الأمور )) أي : من معزوماتها وشدائدها التي تحتاج إلى مقابلة ومصابرة ، ولاسيما إذا كان الأذى الذي ينال الإنسان بسبب جهاده في الله عز وجل ، وبسبب طاعته ، لأن أذية الناس لك لها أسباب متعددة متنوعة ، فإذا كان سببها طاعة الله عز وجل ، والجهاد في سبيله ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فإن الإنسان يثاب على ذلك من وجهين : الوجه الأول : من الأذية التي تحصل له ، والوجه الثاني : صبره على هذه الطاعة التي أوذي في الله من أجلها .
وفي هذه الآية حث على صبر الإنسان على أذية الناس ومغفرته لهم ما أساؤوا إليه فيه ، ولكن ينبغي أن يُعلم أن المغفرة لمن أساء إليك ليست محمودة على الإطلاق ، فإن الله تعالى قيد هذا بأن يكون العفو مقرونا بالإصلاح ، فقال : (( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه )) ، أما إذا لم يكن في العفو والمغفرة إصلاح فلا تعفُ ولا تغفر ، مثال ذلك : لو كان الذي أساء إليك شخصا معروفا بالشر والفساد وأنك لو عفوت عنه لكان في ذلك زيادةٌ في شره ، ففي هذه الحال الأفضل أن لا تعفو عنه ، أن تأخذ بحقك من أجل الإصلاح ، أما إذا كان الشخص إذا عفوت عنه لم يترتب على العفو عنه مفسدة ، فإن العفو أفضل وأحسن ، لأن الله يقول : (( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه )) ، وإذا كان أجرك على الله كان خيرا لك من أن يكون ذلك بمعاوضة تأخذ من أعمال صاحبك الصالحة .