تتمة شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال تعالى: (( واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين )) ، وقال تعالى : (( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين )) ، والآيات في الأمر بالصبر وبيان فضله كثيرة معروفة ... " . حفظ
الشيخ : ثم قال المؤلف : " وقوله تعالى : (( واستعينوا بالصبر والصلاة )) " :أمر الله تعالى أن نستعين على الأمور بالصبر عليها ، لأن الإنسان إذا صبر وانتظر الفرج مِن الله سهلت عليه الأمور ، فأنت إذا أُصبت بشيء يحتاج إلى الصبر فاصبر ، وتحمل ، واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا ، وأما الصلاة فإنها تعين على الأمور ، تعين على الأمور الدينية والدنيوية ، حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام ذُكر عنه أنه إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ، وبين الله في كتابه أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، فإذا استعان الإنسان بالصلاة على أموره يسر الله له ذلك ، لأن الصلاة صلة بين العبد وبين ربه ، يقف الإنسان فيها بين يدي الله ويناجيه ويدعوه ويتقرب إليه بأنواع القربات التي تكون في هذه الصلاة ، فكانت سببا للمعونة ، والله الموفق .
ذكر المؤلف -رحمه الله- من آيات الصبر الدالة على وجوبه وعلى فضيلته قوله تعالى : (( واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين )) ، (( يا أيها الذين آمنوا )) ، (( واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين )) : فذكر الله عز وجل الأمر بالاستعانة بالصبر ، وقد سبق الكلام عليه في الدرس الماضي ، وكذلك الأمر بالاستعانة بالصلاة وسبق الكلام على ذلك أيضا .
ثم قال عز وجل : (( إن الله مع الصابرين )) ، (( إن الله مع الصابرين )) يعني بذلك المعية الخاصة ، لأن معية الله سبحانه وتعالى تنقسم إلى قسمين : معية عامة شاملة لكل أحد ، وهي المذكورة في قوله تعالى : (( وهو معكم أينما كنتم )) ، وفي قوله تعالى : (( مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أينما كانوا )) ، وهذه المعية العامة شاملة لجميع الخلق ، فما من مخلوق إلا والله تعالى معه ، يَعلَمه ويحيط به سلطانا وقدرة وسمعا وبصرا وغير ذلك ، أما المعية الخاصة فهي المعية التي تقتضي النصر والتأييد ، وهذه خاصة بالرسل وأتباعهم ، ليست لكل أحد ، فالله (( مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )) ، (( والله مع الصابرين )) وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على هذه المعية الخاصة ، ولكن المعيتين كلتاهما لا تدلان على أن الله عز وجل مع الناس في أمكنتهم ، بل هو مع الناس وهو عز وجل فوق سماواته على عرشه ، ولا مانع من ذلك ، فإن الشيء يكون فوق وهو معك ، والعرب يقولون : " ما زلنا نسير والقمر معنا " ، وكلٌ يعلم أن القمر في السماء ، ويقولون : " ما زلنا نسير وسهيل معنا " يعني النجم المعروف وهو في السماء ، فما بالك بالخالق عز وجل ، هو فوق كل شيء استوى على عرشه ومع ذلك محيط بكل شيء مع كل أحد ، مهما انفردت فإن الله تعالى محيط بك علما وقدرة وسلطانا وسمعا وبصرا وغير ذلك .
وفي قوله تعالى : (( إن الله مع الصابرين )) دليل على أن الصابر معان من قبل الله ، وأن الله تعال يعين الصابر ويؤيده ويكلأه حتى يتم له الصبر على ما يحبه الله عز وجل .
ثم ذكر المؤلف -رحمه الله- آخر آية ساقها وهي قوله تعالى : (( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوَ أخباركم )) : ولنبلونكم يعني : لنختبرنكم ، فالابتلاء بمعنى الاختبار ، أو البلوى بمعنى الاختبار ، يعني أن الله اختبر العباد في فرض الجهاد عليهم ، ليعلم من يصبر ومن لا يصبر ، ولهذا قال تعالى في آية أخرى : (( ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ )) ، وقوله عز وجل : (( حتى نعلم المجاهدين )) : قد يتوهم بعض من قَصُر علمه أن الله عز وجل لا يعلم الشيء حتى يقع ، وهذا غير صحيح ، فالله تعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها كما قال تعالى : (( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )) ، ومن ادعى أن الله لا يعلم بالشيء إلا بعد وقوعه ، فإنه مكذب لهذه الآية وأمثالها من الآيات الدالة على أن الله تعالى قد علم الأشياء قبل أن تقع ، لكنَّ العلم الذي في هذه الآية : (( حتى نعلم المجاهدين )) : هو العلم الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب ، وذلك لأن علم الله بالشيء قبل أن يكون لا يترتب عليه شيء من جهة فعل العبد ، لأن العبد لم يبل به حتى يتبين الأمر ، فإذا بلي به العبد واختُبر به العبد ، حينئذ يتبين أنه استحق الثواب أو العقاب ، فيكون المراد بقوله : (( حتى نعلم المجاهدين )) : أي علما يترتب عليه الجزاء ، وقال بعض أهل العلم : " المراد حتى نعلم المجاهدين أي : علم ظهور " ، يعني حتى يظهر الشيء ، لأن علم الله بالشيء قبل أن يكون علم بأن سيكون ، وعلمه بعد كونه علم بأنه كان ، وفرق بين العلمين : فالعلم الأول علم بأنه سيكون ، والثاني علم بأنه كان .
ويظهر لك الفرق لو أن شخصا قال لك : سوف أفعل كذا وكذا غدا مثلا فالآن حصل عندك علم بما أخبر به ، ولكن إذا فعله غدا صار عندك علم آخر ، أي : علم بأن الشيء الذي حدثك أنه سيفعله قد فعله فعلا ، فهذان وجهان في تخريج قوله تعالى : (( حتى نعلم )) : الوجه الأول : أنَّ المراد به العلم الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب ، وهذا لا يكون إلا بعد البلوى ، بعد أن يبتلي الله العبد ويختبره ، أو أن المراد به وهو الاحتمال الثاني : أن المراد به علم الظهور ، لأن علم الله بالشيء قبل أن يكون علم بأنه سيكون ، فإذا كان صار علمه تعالى به عِلما بما كان ، وقوله : (( حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين )) : المجاهد هو الذي بذل جهده لإعلاء كلمة الله ، فيشمل المجاهد بعلمه ، والمجاهد بالسلاح ، كلاهما مجاهد في سبيل الله ، المجاهد بعلمه الذي يتعلم العلم ويعمله وينشره بين الناس ويجعل هذا وسيلة لتحكيم شريعة الله ، هذا مجاهد ، والذي يحمل السلاح لقتال الأعداء هو أيضا مجاهد .
ذكر المؤلف -رحمه الله- من آيات الصبر الدالة على وجوبه وعلى فضيلته قوله تعالى : (( واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين )) ، (( يا أيها الذين آمنوا )) ، (( واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين )) : فذكر الله عز وجل الأمر بالاستعانة بالصبر ، وقد سبق الكلام عليه في الدرس الماضي ، وكذلك الأمر بالاستعانة بالصلاة وسبق الكلام على ذلك أيضا .
ثم قال عز وجل : (( إن الله مع الصابرين )) ، (( إن الله مع الصابرين )) يعني بذلك المعية الخاصة ، لأن معية الله سبحانه وتعالى تنقسم إلى قسمين : معية عامة شاملة لكل أحد ، وهي المذكورة في قوله تعالى : (( وهو معكم أينما كنتم )) ، وفي قوله تعالى : (( مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أينما كانوا )) ، وهذه المعية العامة شاملة لجميع الخلق ، فما من مخلوق إلا والله تعالى معه ، يَعلَمه ويحيط به سلطانا وقدرة وسمعا وبصرا وغير ذلك ، أما المعية الخاصة فهي المعية التي تقتضي النصر والتأييد ، وهذه خاصة بالرسل وأتباعهم ، ليست لكل أحد ، فالله (( مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )) ، (( والله مع الصابرين )) وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على هذه المعية الخاصة ، ولكن المعيتين كلتاهما لا تدلان على أن الله عز وجل مع الناس في أمكنتهم ، بل هو مع الناس وهو عز وجل فوق سماواته على عرشه ، ولا مانع من ذلك ، فإن الشيء يكون فوق وهو معك ، والعرب يقولون : " ما زلنا نسير والقمر معنا " ، وكلٌ يعلم أن القمر في السماء ، ويقولون : " ما زلنا نسير وسهيل معنا " يعني النجم المعروف وهو في السماء ، فما بالك بالخالق عز وجل ، هو فوق كل شيء استوى على عرشه ومع ذلك محيط بكل شيء مع كل أحد ، مهما انفردت فإن الله تعالى محيط بك علما وقدرة وسلطانا وسمعا وبصرا وغير ذلك .
وفي قوله تعالى : (( إن الله مع الصابرين )) دليل على أن الصابر معان من قبل الله ، وأن الله تعال يعين الصابر ويؤيده ويكلأه حتى يتم له الصبر على ما يحبه الله عز وجل .
ثم ذكر المؤلف -رحمه الله- آخر آية ساقها وهي قوله تعالى : (( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوَ أخباركم )) : ولنبلونكم يعني : لنختبرنكم ، فالابتلاء بمعنى الاختبار ، أو البلوى بمعنى الاختبار ، يعني أن الله اختبر العباد في فرض الجهاد عليهم ، ليعلم من يصبر ومن لا يصبر ، ولهذا قال تعالى في آية أخرى : (( ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ )) ، وقوله عز وجل : (( حتى نعلم المجاهدين )) : قد يتوهم بعض من قَصُر علمه أن الله عز وجل لا يعلم الشيء حتى يقع ، وهذا غير صحيح ، فالله تعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها كما قال تعالى : (( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )) ، ومن ادعى أن الله لا يعلم بالشيء إلا بعد وقوعه ، فإنه مكذب لهذه الآية وأمثالها من الآيات الدالة على أن الله تعالى قد علم الأشياء قبل أن تقع ، لكنَّ العلم الذي في هذه الآية : (( حتى نعلم المجاهدين )) : هو العلم الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب ، وذلك لأن علم الله بالشيء قبل أن يكون لا يترتب عليه شيء من جهة فعل العبد ، لأن العبد لم يبل به حتى يتبين الأمر ، فإذا بلي به العبد واختُبر به العبد ، حينئذ يتبين أنه استحق الثواب أو العقاب ، فيكون المراد بقوله : (( حتى نعلم المجاهدين )) : أي علما يترتب عليه الجزاء ، وقال بعض أهل العلم : " المراد حتى نعلم المجاهدين أي : علم ظهور " ، يعني حتى يظهر الشيء ، لأن علم الله بالشيء قبل أن يكون علم بأن سيكون ، وعلمه بعد كونه علم بأنه كان ، وفرق بين العلمين : فالعلم الأول علم بأنه سيكون ، والثاني علم بأنه كان .
ويظهر لك الفرق لو أن شخصا قال لك : سوف أفعل كذا وكذا غدا مثلا فالآن حصل عندك علم بما أخبر به ، ولكن إذا فعله غدا صار عندك علم آخر ، أي : علم بأن الشيء الذي حدثك أنه سيفعله قد فعله فعلا ، فهذان وجهان في تخريج قوله تعالى : (( حتى نعلم )) : الوجه الأول : أنَّ المراد به العلم الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب ، وهذا لا يكون إلا بعد البلوى ، بعد أن يبتلي الله العبد ويختبره ، أو أن المراد به وهو الاحتمال الثاني : أن المراد به علم الظهور ، لأن علم الله بالشيء قبل أن يكون علم بأنه سيكون ، فإذا كان صار علمه تعالى به عِلما بما كان ، وقوله : (( حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين )) : المجاهد هو الذي بذل جهده لإعلاء كلمة الله ، فيشمل المجاهد بعلمه ، والمجاهد بالسلاح ، كلاهما مجاهد في سبيل الله ، المجاهد بعلمه الذي يتعلم العلم ويعمله وينشره بين الناس ويجعل هذا وسيلة لتحكيم شريعة الله ، هذا مجاهد ، والذي يحمل السلاح لقتال الأعداء هو أيضا مجاهد .