شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال ما ههنا لك أجمع إن أنت شفيتني فقال إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله تعالى فإن آمنت بالله تعالى دعوت الله فشفاك فآمن بالله تعالى فشفاه الله تعالى فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك من رد عليك بصرك قال ربي قال أولك رب غيري قال ربي وربك الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجيء بالغلام فقال له الملك أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل فقال إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله تعالى فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
في سياق الحديث السابق في قصة الغلام مع الساحر والراهب ، ذكر أنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ، وأنه يداوي من الأدواء كلها فيُشفى المرضى بإذن الله عز وجل ، وكأن هذا الغلام والله أعلم مستجاب الدعوة ، إذا دعا الله سبحانه وتعالى قبل منه ، وكان للملك جليسٌ أعمى لا يبصر ، فأتى بهدايا كثيرة لهذا الغلام حينما سمع عنه ما سمع ، وقال : ( لك ما ههنا أجمع ) يعني كله ( إن أنت شفيتني ) ، فقال : ( إنما يشفيك الله ) : شوف الإيمان ، ما اغتر بنفسه وادعى أنه هو الذي يشفي المرضى ، بل قال : ( إنما يشفيك الله عز وجل ) : يشبه هذا مِن بعض الوجوه ما جرى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه ، " حينما جيء إليه برجل مصروع قد صرعه الجني ، فقرأ عليه شيخ الإسلام ابن تيمية ولكنه لم يخرج ، فجعل شيخ الإسلام يضربه على رقبته ضربا شديدا ، حتى إن يدَ شيخ الإسلام أوجعته من الضرب ، فتكلم الجني الذي في الرجل وقال له : أخرجُ كرامة للشيخ ، فقال له الشيخ -رحمه الله- : لا تخرج كرامة لي ولكن اخرج طاعة لله ورسوله ، لا يريد أن يكون له فضل ، الفضل لله عز وجل أولا وآخرا ، فخرج الجني ، فلما خرج الجني صحا الرجل ، فقال : ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ ؟ لأنه حينما صُرع -يمكن في بيته في سوقه- ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ ؟ قالوا : سبحان الله ألم تحس بالضرب الذي كان يضربك ؟ قال : ما أحسست به ولا أوجعني ، فأخبروه فبرئ الرجل " . الشاهد : أن أهل العلم والإيمان لا ينسبون نعمة الله إليهم ، وإنما ينسبونها إلى موليها عز وجل ، وهو الله ، قال : ( إنما يشفيك الله ) يقوله الغلام للأعمى : ( فإن أنتَ آمنت دعوتُ الله لك فآمن الرجل فدعا الغلام ربه أن يشفيه فشفاه الله وأصبح مبصرا ) : أصبح مبصرا ، فجاء هذا الجليس إلى الملك وجلس عنده على العادة ، وأتى الغلام وأخبره بالخبر ، وعذبه تعذيبا شديدا ، قال : ( من الذي علمك بها الشيء ؟ ) : وكان الراهب قد قال له : ( فإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تخبر عني ) ، لكن لعله عجز عن الصبر فأخبر عن الراهب ، وكان هذا الملك الجبار والعياذ بالله قد عذب الجليس الأعمى الذي أبصر بدعوة هذا الغلام ، عذبه تعذيبا شديدا ، حيث قال : آمنت بالله ، فقال : أولك رب غيري ؟ نعوذ بالله ، لما دلوه على الراهب جيء بالراهب ، والراهب عابد يعبد الله ، فدعي إلى أن يقول : إن هذا الملك هو ربه ولكنه أبى ، أبى أن يرجع عن دينه ، فأتوا بالمنشار ، المنشار : المشذاب ، فشذبوه من مفرق رأسه ، من نصف الجسم ، من مفرق الرأس على الرأس على الرقبة على الظهر حتى انقسم قسمين ، شقين سقط شق هنا وشق هنا ، ولكنه لم يثنه ذلك عن دينه ، أبى أن يرجع ، ورضي أن يقتل هذه القتلة ولا يرجع عن دينه ما شاء الله ، ثم جيء بالرجل الأعمى الذي كان جليسا عند الملك وآمن ، وكفر بالملك ، فدعي أن يرجع عن دينه فأبى ، ففعل به كما فعل بالراهب أتي بالمنشار : بالمشذاب وأشذب مع نصفه ، من هامته إلى دبره حتى انشق نصفين وسقط ، ولم يرده ذلك عن دينه ، وهذا يدل على الإنسان يجب عليه أن يصبر وأن يحتسب ، ولكن هل يجب على الإنسان أن يصبر على القتل أو يجوز أن يقول كلمة الكفر ولا تضره إذا كان مكرها ؟
هذا فيه تفصيل : إن كانت المسألة تتعلق به بنفسه فله الخيار ، إن شاء قال كلمة الكفر دفعا للإكراه مع طمأنينية القلب بالإيمان ، وإن شاء الله أصرَّ وأبى ولو قتل ، هذا إذا كان الأمر عائدا إلى الإنسان بنفسه ، يعني مثلا قيل له : اسجد للصنم فلم يسجد فقتل ، أو سجد دفعا للإكراه ولم يقتل ، أما إذا كان الأمر يتعلق بالدين بمعنى : أنه لو كفر ولو ظاهرا أمام الناس لكفر الناس ، فإنه لا يجوز له أن يقول كلمة الكفر ، بل يجب أن يصبر ولو قتل ، كالجهاد في سبيل الله ، المجاهد يقدم على القتل ولو قتل لأنه يريد أن تكون كلمة الله هي العليا ، فإذا كان إماما للناس وأُجبر على أن يقول كلمة الكفر فإنه لا يجوز أن يقول كلمة الكفر ، لاسيما في زمن الفتنة ، بل عليه أن يصبر ولو قتل .
في سياق الحديث السابق في قصة الغلام مع الساحر والراهب ، ذكر أنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ، وأنه يداوي من الأدواء كلها فيُشفى المرضى بإذن الله عز وجل ، وكأن هذا الغلام والله أعلم مستجاب الدعوة ، إذا دعا الله سبحانه وتعالى قبل منه ، وكان للملك جليسٌ أعمى لا يبصر ، فأتى بهدايا كثيرة لهذا الغلام حينما سمع عنه ما سمع ، وقال : ( لك ما ههنا أجمع ) يعني كله ( إن أنت شفيتني ) ، فقال : ( إنما يشفيك الله ) : شوف الإيمان ، ما اغتر بنفسه وادعى أنه هو الذي يشفي المرضى ، بل قال : ( إنما يشفيك الله عز وجل ) : يشبه هذا مِن بعض الوجوه ما جرى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه ، " حينما جيء إليه برجل مصروع قد صرعه الجني ، فقرأ عليه شيخ الإسلام ابن تيمية ولكنه لم يخرج ، فجعل شيخ الإسلام يضربه على رقبته ضربا شديدا ، حتى إن يدَ شيخ الإسلام أوجعته من الضرب ، فتكلم الجني الذي في الرجل وقال له : أخرجُ كرامة للشيخ ، فقال له الشيخ -رحمه الله- : لا تخرج كرامة لي ولكن اخرج طاعة لله ورسوله ، لا يريد أن يكون له فضل ، الفضل لله عز وجل أولا وآخرا ، فخرج الجني ، فلما خرج الجني صحا الرجل ، فقال : ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ ؟ لأنه حينما صُرع -يمكن في بيته في سوقه- ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ ؟ قالوا : سبحان الله ألم تحس بالضرب الذي كان يضربك ؟ قال : ما أحسست به ولا أوجعني ، فأخبروه فبرئ الرجل " . الشاهد : أن أهل العلم والإيمان لا ينسبون نعمة الله إليهم ، وإنما ينسبونها إلى موليها عز وجل ، وهو الله ، قال : ( إنما يشفيك الله ) يقوله الغلام للأعمى : ( فإن أنتَ آمنت دعوتُ الله لك فآمن الرجل فدعا الغلام ربه أن يشفيه فشفاه الله وأصبح مبصرا ) : أصبح مبصرا ، فجاء هذا الجليس إلى الملك وجلس عنده على العادة ، وأتى الغلام وأخبره بالخبر ، وعذبه تعذيبا شديدا ، قال : ( من الذي علمك بها الشيء ؟ ) : وكان الراهب قد قال له : ( فإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تخبر عني ) ، لكن لعله عجز عن الصبر فأخبر عن الراهب ، وكان هذا الملك الجبار والعياذ بالله قد عذب الجليس الأعمى الذي أبصر بدعوة هذا الغلام ، عذبه تعذيبا شديدا ، حيث قال : آمنت بالله ، فقال : أولك رب غيري ؟ نعوذ بالله ، لما دلوه على الراهب جيء بالراهب ، والراهب عابد يعبد الله ، فدعي إلى أن يقول : إن هذا الملك هو ربه ولكنه أبى ، أبى أن يرجع عن دينه ، فأتوا بالمنشار ، المنشار : المشذاب ، فشذبوه من مفرق رأسه ، من نصف الجسم ، من مفرق الرأس على الرأس على الرقبة على الظهر حتى انقسم قسمين ، شقين سقط شق هنا وشق هنا ، ولكنه لم يثنه ذلك عن دينه ، أبى أن يرجع ، ورضي أن يقتل هذه القتلة ولا يرجع عن دينه ما شاء الله ، ثم جيء بالرجل الأعمى الذي كان جليسا عند الملك وآمن ، وكفر بالملك ، فدعي أن يرجع عن دينه فأبى ، ففعل به كما فعل بالراهب أتي بالمنشار : بالمشذاب وأشذب مع نصفه ، من هامته إلى دبره حتى انشق نصفين وسقط ، ولم يرده ذلك عن دينه ، وهذا يدل على الإنسان يجب عليه أن يصبر وأن يحتسب ، ولكن هل يجب على الإنسان أن يصبر على القتل أو يجوز أن يقول كلمة الكفر ولا تضره إذا كان مكرها ؟
هذا فيه تفصيل : إن كانت المسألة تتعلق به بنفسه فله الخيار ، إن شاء قال كلمة الكفر دفعا للإكراه مع طمأنينية القلب بالإيمان ، وإن شاء الله أصرَّ وأبى ولو قتل ، هذا إذا كان الأمر عائدا إلى الإنسان بنفسه ، يعني مثلا قيل له : اسجد للصنم فلم يسجد فقتل ، أو سجد دفعا للإكراه ولم يقتل ، أما إذا كان الأمر يتعلق بالدين بمعنى : أنه لو كفر ولو ظاهرا أمام الناس لكفر الناس ، فإنه لا يجوز له أن يقول كلمة الكفر ، بل يجب أن يصبر ولو قتل ، كالجهاد في سبيل الله ، المجاهد يقدم على القتل ولو قتل لأنه يريد أن تكون كلمة الله هي العليا ، فإذا كان إماما للناس وأُجبر على أن يقول كلمة الكفر فإنه لا يجوز أن يقول كلمة الكفر ، لاسيما في زمن الفتنة ، بل عليه أن يصبر ولو قتل .