ذكر قصة مريم بنت عمران . حفظ
الشيخ : مريم بنت عمران رضي الله عنها خرجت من أهلها ، وذهبت مكانا قصيا وهي حامل بابنها عيسى الذي خلقه الله تعالى بكلمة كن ، فكان ، فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة يعني : الطَّلق ، فوضعت تحت جذع النخلة وجعل الله تحتها نهراً يمشي ، فقيل لها : (( هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً )) ، رطب يقع من فرع النخلة ، جنيا لم يتأثر بسقوطه على الأرض ، وهذا مِن آيات الله ، لأن المعروف أن الرطبة إذا سقطت ولو من الإنسان ولو كان واقفا فقط تمزقت ، لكن هذه الرطب لم تتمزق مع أنها تسقط من فرع النخلة ، ثم إن هذه المرأة امرأة ضعيفة ماخض لم تلد إلا الآن ومع ذلك تهز النخلة مِن جذعها فتهتز النخلة ، هذا أيضا من آيات الله ، لأن العادة أن النخلة لا تهتز من الجذع ، ما تهتز إلا إذا هزها أحد من فرعها ، أحد نشيط ، فقيل لها : (( كلي واشربي وقري عينا )) ، ثم أتت به قومها تحمله هذا الطفل ، فصاحوا بها : (( يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً )) يعني شيئا عظيما ، لأنهم أيقنوا بأنها زنت والعياذ بالله ، كيف يأتيه ولد بدون زوج ؟
(( يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً )) يعني : أن أباك ليس امرئ سوء ، وكذلك أمك ليست بغيا : ليست زانية ، فمن أين جاءك هذا ، وهذا تعريض لها بالقذف ، فأشارت إليه يعني قالت : اسألوه ، قالوا : (( كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً )) فظنوا أنها تسخر بهم ، فأنطق الله هذا الصبي : (( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ )) كلام فصيح ، (( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً )) عشر جمل ، عشر جمل تكلم بها هذا الصبي الذي في المهد بأبلغ ما يكون من الفصاحة ، فانظر إلى قدرة الله عز وجل حيث ينطق هؤلاء الصبيان بكلام مِن أفصح الكلام ، بكلام يصدر من ذي عقل ، كل ذلك دلالة أو دليل على كمال قدرة الله ، وفيه أيضا : إنقاذ لمريم رضي الله عنها من التهمة التي قد تلحقها بسبب هذا الحمل بدون زوج ، هكذا أيضا هذا الطفل مع المرأة التي تقاعست أن تقتحم النار ، أكرمها الله عز وجل بإنطاق هذا الطفل مِن أجل أن تقتحم النار وتبقى على إيمانها ، وفي هذه القصص وأمثالها دليل على أن الله سبحانه وتعالى برحمته ينجي كل مؤمن في مفازته ، كل متق في مفازته ، في مفازته يعني في موطن يكون فيه هلاكه ولكن الله تعالى ينقذه لما سبق له من التقوى ، وشاهد هذا قوله صلى الله عليه وسلم : ( تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ) ، والله الموفق .