شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك وأعطى ناساً من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة فقال رجل والله إن هذه قسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله فقلت والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته فأخبرته بما قال فتغير وجهه حتى كان كالصرف ثم قال ( فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ثم قال : يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر ) فقلت لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثاً . متفق عليه ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذا الحديث الذي نقله المؤلف -رحمه الله- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : أنه لما كان يوم حنين ، وهو غزوة الطائف التي كانت بعد فتح مكة ، غزاهم النبي صلى الله عليه وسلم وغَنِم منهم غنائم كثيرة جدا ، مِن إبل وغنم ودراهم ودنانير ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم نزل الجعرَّانة وهي محل عند منتهى الحرم مِن جهة الطائف ، نزل الجعرَّانة وصار صلى الله عليه وسلم يقسم الغنائم ، وقسم في المؤلفة قلوبهم يعني : في كبار القبائل يؤلفهم على الإسلام ، وأعطاهم عطاء كثيرا ، حتى كان يعطي الواحد منهم مئة من الإبل ، فقال رجل من القوم : ( والله إنَّ هذه لقسمة ما عُدل فيها وما أريد بها وجه الله ) : نعوذ بالله ، يقول هذا القول في قسمة قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن حب الدنيا ، والشيطان يوقع الإنسان في الهلكة نسأل الله العافية ، هذه الكلمة كلمة كفر أن ينسبَ اللهَ ورسولَه إلى عدم العدل ، وإلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد بها وجه الله ، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بهذه القسمة وجه الله ، أراد أن يُؤلف كبار العشائر والقبائل من أجل أن يتقوى الإسلام ، لأن أسياد القوم إذا ألِفُوا الإسلام وقوي إيمانهم بذلك حصل منهم خير كثير ، وتبعهم على ذلك قبائل وعشائر ، واعتز الإسلام بهذا ، ولكن الجهل والعياذ بالله ، الجهل يوقع الإنسان في الهلكة ، عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لما سمع هذه الكلمة تقال في رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرَ بها النبيَ صلى الله عليه وسلم ، رفعها إليه وأخبره بأن هذا الرجل يقول كذا وكذا ، فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان كالصِّرف يعني : كالذهب من صفرته وتغيره ، ثم قال : ( مَن يعدل إذا لم يعدلِ اللهُ ورسولُه ؟ ) : وصدق النبي عليه الصلاة والسلام ، إذا كانت قسمة الله ليست عدلا وقسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست عدلا فمن الذي يعدل ؟! من الذي يعدل ؟! ثم قال : ( يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر مِن هذا فصبر ) : والشاهد هذا ، الشاهد من هذا الحديث هذه الكلمة أنَّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يؤذون ويصبرون ، فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم قيل له هذا الكلام بعد ثماني سنين من هجرته ، يعني ليس في أول الدعوة بعد ما مكن الله له ، وبعد ما عُرف صدقه ، وبعد ما أرى اللهُ الناسَ آيات النبي صلى الله عليه وسلم في الأفاق وفي أنفسهم ، ومع ذلك يقال : هذه القسمة لم يعدل فيها ولم يرد بها وجه الله ، فإذا كان هذا قول رجل في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلا تستغرب أن يقول الناس في عالم مِن العلماء : إنَّ هذا العالم فيه كذا وفيه كذا ويصفونه بالعيوب ، لأن الشيطان هو الذي يؤز هؤلاء على أن يقدحوا في العلماء ، لأنهم إذا قدحوا في العلماء وسقطت أقوالهم عند الناس ما بقي للناس أحد يقودهم بكتاب الله ، مَن يقودهم بكتاب الله إذا لم يثقوا بالعلماء وأقوالهم فمن يقودهم بكتاب الله ؟!
تقودهم الشياطين وحزب الشيطان ، ولذلك كان غِيبة العلماء أعظم بكثير بغيبة غير العلماء ، لأن غِيبة غير العلماء غيبة شخصية إن ضرت فإنها لا تضر إلا الذي اغتاب والذي قيلت فيه الغيبة ، لكن غيبة العلماء تضر الإسلام كله ، لأن العلماء حملة لواء الإسلام ، فإذا سقطت الثقة بأقوالهم سقط لواءُ الإسلام ، وصار في هذا ضرر على الأمة الإسلامية ، فإذا كانت لحوم الناس بالغيبة لحوم ميت ، فإن لحوم العلماء لحوم ميت مسمومة ، لما فيها من الضرر العظيم ، فأقول : لا تستغرب إذا سمعت أحدا يسب العلماء ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل فيه ما قيل ، اصبر ، يصبر الإنسان ويحتسب الأجر من الله عز وجل ويعلم أن العاقبة للتقوى مهما كان ، ما دام الإنسان في تقوى وعلى نور من الله عز وجل فإن العاقبة له ، كذلك يوجد بعض الناس يكون له صديق أو قريب يخطئ مرة واحدة فيصفه بالعيب والسب والشتم والعياذ بالله في خطيئة واحدة ، على هذا الذي وُصف بالعيب أن يصبر وأن يعلم أن الأنبياء قد سُبّوا وأوذوا وكُذبوا وقيل : إنهم مجانين وأنهم شعراء وأنهم كهنة وأنهم سحرة ، (( فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا )) هكذا يقول الله عز وجل .
ففي هذا الحديث دليل على أن للإمام أن يعطي من يرى في عطيته المصلحة ولو أكثر من غيره إذا رأى في ذلك مصلحة للإسلام ، ما هي مصلحة شخصية يحابي من يحب ويمنع من لا يحب ، لا ، إذا رأى في ذلك مصلحة للإسلام وزاد في العطاء فإن ذلك إليه وهو مسؤول عن هذا أمام الله ، ولا يحل لأحد أن يعترض عليه ، فإن اعترض عليه فقد ظلم نفسه .
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر بمن مضى من الرسل ، ولهذا قال : ( ولقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر ) ، لأن الله تعالى يقول : (( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَاب )) ، ويقول عز وجل : (( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه )) : فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يهتدي بهدى الأنبياء قبله ، وهكذا ينبغي لنا أن نقتدي بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الصبر على الأذى ، وأن نحتسب الأجر على الله ، وأن نعلم أن هذا زيادة في درجاتنا مع الاحتساب ، وتكفير لسيئاتنا ، والله الموفق .
هذا الحديث الذي نقله المؤلف -رحمه الله- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : أنه لما كان يوم حنين ، وهو غزوة الطائف التي كانت بعد فتح مكة ، غزاهم النبي صلى الله عليه وسلم وغَنِم منهم غنائم كثيرة جدا ، مِن إبل وغنم ودراهم ودنانير ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم نزل الجعرَّانة وهي محل عند منتهى الحرم مِن جهة الطائف ، نزل الجعرَّانة وصار صلى الله عليه وسلم يقسم الغنائم ، وقسم في المؤلفة قلوبهم يعني : في كبار القبائل يؤلفهم على الإسلام ، وأعطاهم عطاء كثيرا ، حتى كان يعطي الواحد منهم مئة من الإبل ، فقال رجل من القوم : ( والله إنَّ هذه لقسمة ما عُدل فيها وما أريد بها وجه الله ) : نعوذ بالله ، يقول هذا القول في قسمة قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن حب الدنيا ، والشيطان يوقع الإنسان في الهلكة نسأل الله العافية ، هذه الكلمة كلمة كفر أن ينسبَ اللهَ ورسولَه إلى عدم العدل ، وإلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد بها وجه الله ، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بهذه القسمة وجه الله ، أراد أن يُؤلف كبار العشائر والقبائل من أجل أن يتقوى الإسلام ، لأن أسياد القوم إذا ألِفُوا الإسلام وقوي إيمانهم بذلك حصل منهم خير كثير ، وتبعهم على ذلك قبائل وعشائر ، واعتز الإسلام بهذا ، ولكن الجهل والعياذ بالله ، الجهل يوقع الإنسان في الهلكة ، عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لما سمع هذه الكلمة تقال في رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرَ بها النبيَ صلى الله عليه وسلم ، رفعها إليه وأخبره بأن هذا الرجل يقول كذا وكذا ، فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان كالصِّرف يعني : كالذهب من صفرته وتغيره ، ثم قال : ( مَن يعدل إذا لم يعدلِ اللهُ ورسولُه ؟ ) : وصدق النبي عليه الصلاة والسلام ، إذا كانت قسمة الله ليست عدلا وقسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست عدلا فمن الذي يعدل ؟! من الذي يعدل ؟! ثم قال : ( يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر مِن هذا فصبر ) : والشاهد هذا ، الشاهد من هذا الحديث هذه الكلمة أنَّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يؤذون ويصبرون ، فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم قيل له هذا الكلام بعد ثماني سنين من هجرته ، يعني ليس في أول الدعوة بعد ما مكن الله له ، وبعد ما عُرف صدقه ، وبعد ما أرى اللهُ الناسَ آيات النبي صلى الله عليه وسلم في الأفاق وفي أنفسهم ، ومع ذلك يقال : هذه القسمة لم يعدل فيها ولم يرد بها وجه الله ، فإذا كان هذا قول رجل في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلا تستغرب أن يقول الناس في عالم مِن العلماء : إنَّ هذا العالم فيه كذا وفيه كذا ويصفونه بالعيوب ، لأن الشيطان هو الذي يؤز هؤلاء على أن يقدحوا في العلماء ، لأنهم إذا قدحوا في العلماء وسقطت أقوالهم عند الناس ما بقي للناس أحد يقودهم بكتاب الله ، مَن يقودهم بكتاب الله إذا لم يثقوا بالعلماء وأقوالهم فمن يقودهم بكتاب الله ؟!
تقودهم الشياطين وحزب الشيطان ، ولذلك كان غِيبة العلماء أعظم بكثير بغيبة غير العلماء ، لأن غِيبة غير العلماء غيبة شخصية إن ضرت فإنها لا تضر إلا الذي اغتاب والذي قيلت فيه الغيبة ، لكن غيبة العلماء تضر الإسلام كله ، لأن العلماء حملة لواء الإسلام ، فإذا سقطت الثقة بأقوالهم سقط لواءُ الإسلام ، وصار في هذا ضرر على الأمة الإسلامية ، فإذا كانت لحوم الناس بالغيبة لحوم ميت ، فإن لحوم العلماء لحوم ميت مسمومة ، لما فيها من الضرر العظيم ، فأقول : لا تستغرب إذا سمعت أحدا يسب العلماء ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل فيه ما قيل ، اصبر ، يصبر الإنسان ويحتسب الأجر من الله عز وجل ويعلم أن العاقبة للتقوى مهما كان ، ما دام الإنسان في تقوى وعلى نور من الله عز وجل فإن العاقبة له ، كذلك يوجد بعض الناس يكون له صديق أو قريب يخطئ مرة واحدة فيصفه بالعيب والسب والشتم والعياذ بالله في خطيئة واحدة ، على هذا الذي وُصف بالعيب أن يصبر وأن يعلم أن الأنبياء قد سُبّوا وأوذوا وكُذبوا وقيل : إنهم مجانين وأنهم شعراء وأنهم كهنة وأنهم سحرة ، (( فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا )) هكذا يقول الله عز وجل .
ففي هذا الحديث دليل على أن للإمام أن يعطي من يرى في عطيته المصلحة ولو أكثر من غيره إذا رأى في ذلك مصلحة للإسلام ، ما هي مصلحة شخصية يحابي من يحب ويمنع من لا يحب ، لا ، إذا رأى في ذلك مصلحة للإسلام وزاد في العطاء فإن ذلك إليه وهو مسؤول عن هذا أمام الله ، ولا يحل لأحد أن يعترض عليه ، فإن اعترض عليه فقد ظلم نفسه .
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر بمن مضى من الرسل ، ولهذا قال : ( ولقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر ) ، لأن الله تعالى يقول : (( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَاب )) ، ويقول عز وجل : (( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه )) : فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يهتدي بهدى الأنبياء قبله ، وهكذا ينبغي لنا أن نقتدي بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الصبر على الأذى ، وأن نحتسب الأجر على الله ، وأن نعلم أن هذا زيادة في درجاتنا مع الاحتساب ، وتكفير لسيئاتنا ، والله الموفق .