شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وعن أنس رضي الله عنه قال: ( كان ابن لأبي طلحة رضي الله عنه يشتكي فخرج أبو طلحة فقبض الصبي فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني ؟ قالت أم سليم وهي أم الصبي: هو أسكن ما كان فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: واروا الصبي فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال أعرستم الليلة قال نعم قال اللهم بارك لهما فولدت غلاماً فقال لي أبو طلحة احمله حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم وبعث معه بتمرات فقال أمعه شيء قال نعم تمرات فأخذها النبي رضي الله عنهم فمضغها ثم أخذها من فيه فجعلها في فى الصبي ثم حنكه وسماه عبد الله متفق عليه ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذا الحديث الذي نقله المؤلف عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن أبي طلحة أنه كان له ابن يشتكي يعني : مريضاً ، وأبو طلحة كان زوج أم أنس بن مالك رضي الله عنه ، وكان هذا الصبي يشتكي فخرج أبو طلحة لبعض حاجاته فقُبض الصبي يعني مات ، فلما رجع سأل أمَّه عنه ، فقال : كيف ابني ؟ قالت : هو أسكن ما يكون ، وصدقت في قولها : ( هو أسكن ما يكون ) لأنه مات ، ولا سكون أعظم من سكون الموت ، وأبو طلحة رضي الله عنه فهم أنه أسكن ما يكون من المرض وأنه في عافية ، فقدمت له العشاء فتعشى على أن ابنه بريء وطيب ، ثم أصاب منها يعني : جامعها ، فلما انتهى قالت له : واروا الصبي يعني : ادفنوا الصبي فإنه قد مات ، فلما أصبح أبو طلحة رضي الله عنه ووارى الصبي وعلم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم سأل : ( هل أعرستم الليلة ؟ قال : نعم . فدعا لهما بالبركة ) : اللهم بارك لهم في ليلتهما ، ( فولدت غلاما سماه عبد الله ) : وكان لهذا الولد عشرة من الولد كلهم يقرؤون القرآن ، ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي هذا الحديث دليل على قوة صبر أم سليم رضي الله عنها ، وأن ابنها الذي مات بلغ بها الحال إلى أن تقول لزوجها هذا القول ، وتورِّي هذه التورية ، وقدمت له العشاء ونال منها ، ثم قالت : ادفنوا الولد .
وفي هذا دليل على جواز التورية ، التورية : يعني أن يتكلم الإنسان بكلام تخالف نيته ما في ظاهر هذا الكلام ، يعني له ظاهر هو المتبادر إلى ذهن المخاطب ، وله معنى آخر مرجوح ، لكن هو المراد في نية المتكلم ، فيُظهر خلاف ما يريد وهذا جائز ، ولكنه لا ينبغي إلا للحاجة ، إذا احتاج الإنسان إليه لمصلحة أو دفع مضرة فليورِّ ، وأما مع عدم الحاجة فلا ينبغي أن يوري ، لأنه إذا ورى وظهر الأمر على خلاف ما يظنه المخاطب نسب هذا المورِّي إلى الكذب وأساء الظن به ، لكن إذا دعت الحاجة فلا بأس ، ومن ذلك : من التورية المفيدة التي يحتاج إليها الإنسان : لو أن شخصا ظالما يأخذ أموال الناس بغير حق ، وأودع إنسان عندك مالا ، قال : هذا مالي عندك وديعة أخشى أن يطلع عليه هذا الظالم فيأخذه ، فجاء الظالم إليك وسألك هل عندك مال لفلان ؟ فقلت : والله ما له عندي شيء ، ما له عندي شيء ، المخاطَب يظن أن هذا نفي ، وأن المعنى ما عندي له شيء ، لكن أنت تنوي : ما : يعني الذي ، يعني ما له عندي شيء : يعني الذي له عندي شيء ، فيكون هذا الكلام مثبتا لا منفيا ، هذا من التورية المباحة ، بل قد تكون مطلوبة إذا دعت الحاجة والضرورة إليها ، وإلا مع عدم من ذلك فلا . وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء أنس بن مالك بأخيه من أمه ابن أبي طلحة ، جاء به إلى النبي عليه الصلاة والسلام ومعه تمرات فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ، ومضغ التمرات ثم جعلها في في الصبي ، يعني أدخل التمرات هذه ، والمراد ما حصل منها : أدخله في فمه وحنكه يعني أدخل أصبعه وداره في حنكه ، وذلك تبركا بريق النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أول ما يصل إلى بطن هذا الصبي ريقُ النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الصحابة يفعلون هذا ، إذا ولد لهم أولاد بنين أو بنات جاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاؤوا بالتمرات معهم مِن أجل أن يحنكهم ، وهذا التحنيك هل هو لبركة ريق النبي صلى الله عليه وسلم ، أو من أجل أن يصل طعم التمر إلى معدة الصبي قبل كل شيء ؟
إن قلنا بالأول صار التحنيك من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلا يحنكُ أحدٌ صبيه ، لأنه لا أحد يُتبرك بريقه وعرقه إلا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، وإن قلنا بالثاني : من أجل التمر أن يكون أول ما يصل إلى معدة الصبي لأنه يكون لها بمنزلة الدباغ ، فإنا نقول كل مولود يحنك ، وفي هذا الحديث آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث دعا لهذا الصبي فبارك الله فيه وفي عقبه ، وكان له كما ذكرنا قبل قليل عشرة من الولد كلهم يحفظون القرآن ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم .
وفيه أنه يُستحب التسمية بعبد الله ، فإن التسمية بعبد الله وعبد الرحمن أفضل ما يكون ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ) ، وأما ما يروى : ( خير الأسماء ما حُمد وعُبد ) فهذا ليس له أصل ، وليس حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الحديث الصحيح : ( أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ، وأصدقها حارث وهمام ) ، الحارث اسم رجل ، همام اسم رجل ، هذا أصدق الأسماء ليش ؟ لأنه يطابق الواقع ، كل واحد من بني آدم فهو حارث يعمل ، كل واحد من بني آدم هو همام يهم وينوي ويقصد وله إرادة ، قال الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ )) : كل إنسان يعمل ، فأصدق الأسماء حارث وهمام لأنه مطابق للواقع ، وأحبها إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ، ولهذا ينبغي للإنسان أن يختار لأبنائه وبناته أحسن الأسماء ، لينال بذلك الأجر وليكون محسنا لأبنائه وبناته ، أما أن يأتي بأسماء غريبة على المجتمع فإن هذا قد يوجب مضايقات نفسية للأبناء والبنات في المستقبل ، ويكون كل همٍ ينال الولد أو الابن أو البنت مِن هذا الاسم فعليك إثمه ووباله ، لأنك أنت المتسبب لمضايقته بهذا الاسم الغريب الذي يشار إليه ، ويقال : شوف هذا الاسم شوف هذا الاسم ، ولهذا ينبغي للإنسان أن يختار أفضل الأسماء ، ويحرم أن يسميَ الإنسان بأسماء من خصائص الكفار مثل : جورج وما أشبه ذلك من الأسماء التي يتلقب بها الكفار ، لأن هذا مِن باب التشبه بهم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَن تشبه بقوم فهو منهم ) .
ويجب علينا نحن المسلمين أن نكره الكفار كُرها عظيما وأن نعاديهم ، وأن نعلم أنهم أعداء لنا مهما تلبَّقوا لنا ومهما تزينوا لنا وتقربوا إلينا فهم أعداءنا حقا ، وأعداء الله عز وجل ، وأعداء الملائكة وأعداء الأنبياء ، وأعداء الصالحين ، هم أعداء لو تلبسوا بالصداقة أو زعموا أنهم أصدقاء ، فإنهم والله هم الأعداء ، أعداء يجب أن نعاديهم ، ولا فرق بين الكفار الذين لهم شأن وقيمة في العالم ، أو الكفار الذين ليس لهم شأن ، حتى الخدم والخادمات يجب أن نكره أن يكون في بلدنا خادم أو خادمة من غير المسلمين ، لاسيما وأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم يقول : ( أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب ) ، ويقول عليه الصلاة والسلام : ( لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما ) ، ويقول : ( أخرجوا المشركين ) في مرض موته ، في آخر حياته وهو يودع الأمة يقول : ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) ، وبعض الناس الآن نسأل الله العافية يخير بين عامل مسلم وعامل كافر فيختار الكافر ، نسأل الله العافية ، قلوب زائغة ضالة ليست إلى الحق مائلة ، يختارون الكفار ، يزين لهم الشيطان أعمالهم ، يقولون كذبا وزورا وبهتانا : إن الكافر أخلص في عمله من المسلم ، أعوذ بالله ، يقول : الكافر ما يصلي نستغل وقته بالعمل في وقت الصلاة ، ما يطلب يروح العمرة ، ويروح الحج ما يصوم دائما في عمل ، ولا يهمهم هذا الشيء مع أن خالق الأرض والسماوات يقول : (( وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ )) ، فيجب عليكم أيها الإخوة يا من استمعتم قولنا هذا أن تناصحوا إخوانكم الذين اغتروا وزين لهم الشيطان جلب الكفار إلى بلادنا خدما وعمالا وما أشبه ذلك ، يجب أن يعلموا أن في ذلك إعانة للكفار على المسلمين ، لأن هؤلاء الكفار يؤدون ضرائب لحكوماتهم ، ضرائب لحكوماتهم يقوون الحكومات على المسلمين ، والشواهد على هذا كثيرة ، فالواجب علينا أن نتجنب الكفار بقدر ما نستطيع ، لا نتسمى بأسمائهم ، ولا نوادهم ، ولا نحترمهم ، ولا نبدأهم بالسلام ولا نفسح لهم الطريق ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : ( لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه ) : أين نحن من هذه التعليمات ؟! أين نحن من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى ؟!
لماذا لا نحذر إذا كثر فينا الخبث من الهلاك ؟! استيقظ النبي عليه الصلاة والسلام ذات ليلة محمرًا وجهه قام من النوم محمرًا وجهه يقول : ( لا إله إلا الله ويلٌ للعرب من شر قد اقترب ) ، إنذار تحذير : ( ويل للعرب ) حملة لواء الإسلام ، ( من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وقال بأصبعه الإبهام والسبابة ، قالت زينب : يا رسول ! الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم ، إذا كثر الخبث ) ، نهلك وفينا الصالحون إذا كثر الخبث ، الخبث العملي والخبث البشري ، إذا كثر الخبث في أعمالنا فنحن عرضة للهلاك ، إذا كثر البشر النجس في بلادنا فنحن عرضة للهلاك ، والواقع شاهد بهذا ، نسأل الله أن يحمي بلادنا من أعدائنا الظاهرين والباطنين ، وأن يكبت المنافقين والكفار ويجعل كيدهم في نحورهم إنه جواد كريم .