شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وفي رواية للبخاري قال ابن عيينة فقال رجل من الأنصار فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرؤوا القرآن يعني من أولاد عبد الله المولود . وفي رواية لمسلم مات ابن لأبي طلحة من أم سليم فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، فجاء فقربت إليه عشاء فأكل وشرب ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها، فلما أن رأت أنه قد شبع وأصاب منها قالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم ؟ قال لا فقالت فاحتسب ابنك قال فغضب ثم قال تركتني حتى إذا تلطخت ثم أخبرتني بابني فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بارك الله في ليلتكما ) قال فحملت قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقاً فدنوا من المدينة فضربها المخاض، فاحتبس عليها أبو طلحة وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول أبو طلحة إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى تقول أم سليم يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أجد انطلق، فانطلقنا، وضربها المخاض حين قدما فولدت غلاماً فقالت لي أمي يا أنس لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر تمام الحديث ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
هذا بقية الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه ، في قصة أبي طلحة حين مات له ابن صغير يقول في إحدى الروايات : ( أن أم سليم رضي الله عنها لما جاء أبو طلحة بعد أن توفي الابن الطفل الصغير ، قالت له : أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريَّة لأناس ، ثم جاؤوا يطلبونها ، هل لهم أن يمنعوهم منها ؟ قال : لا ) : إذا جاء صاحب العارية يقول : أعطني ما أعرتك فإنه لا يمنعه قالت : ( فاحتسب ابنك ) : يعني أن الأولاد عندنا عاريَّة ، وهم ملك لله عز وجل ، متى شاء أخذهم ، فضربت له هذا المثل من أجل أن يقتنع ويحتسب الأجر على الله سبحانه وتعالى ، وهذا يدل على ذكائها رضي الله عنها ، وعلى أنها امرأة عاقلة صابرة محتسبة ، وإلا فإن الأم كالأب ينالها من الحزن على ولدها مثلما ينال الأب ، وربما تكون أشد حزنا ، لضعفها وعدم صبرها .
وفي هذا الحديث : بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث كان له تسعة من الولد أو عشرة من الولد كلهم يقرؤون القرآن ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم .
وفيه أيضا : كرامة لأبي طلحة رضي الله عنه ، لأن أبا طلحة كان خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، وكانت معه أم سُليم بعد أن حملت ، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من السفر أتاها المخاض يعني : جاءها الطلق قبل أن يصلوا إلى المدينة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحب أن يطرق أهله طُروقا ، يعني لا يحب أن يدخل عليهم ليلا دون أن يخبرهم بالقدوم ، فدعا أبو طلحة رضي الله عنه ربه وقال : ( اللهم إنك تعلم أنني أحب ألا يخرج النبي صلى الله عليه وسلم مخرجا إلا وأنا معه ، ولا يرجع مرجعا إلا وأنا معه ، وقد أصابني ما ترى ) : يقوله لله عز وجل ، يناجي ربه سبحانه وتعالى تقول أم سليم : ( فما وجدت الذي كنت أجده من قبل ) : يعني هان عليها الطلق ، ولا كأنها تطلق ، قالت أم سليم لزوجها أبو طلحة : ( فانطلق فانطلق ودخل المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما وصلوا إلى المدينة وضعت ) : ففي هذا كرامة لأبي طلحة رضي الله عنه ، حيث خفف الله الطلق على امرأته بدعائه ، ثم لما وضعت قالت أم سليم لابنها أنس بن مالك وهو أخو هذا الحمل الذي وُلد، أخوه من أمه قالت : ( احتمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : إذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هي عادة أهل المدينة ، إذا ولد لهم ولد يأتون به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم تمر ، فيأخذ النبي صلى الله عليه وسلم التمرة فيمضغها بفمه ، ثم يُحنك بها الصبي ، لأن في ذلك فائدتين : الفائدة الأولى : بركة ريق النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الصحابة رضي الله عنهم يتبركون بريق النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعرقه ، حتى كان من عادتهم أنه إذا كان في الصباح وصلى الفجر أتوا بآنية فيها ماء ، فغمس النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الماء وعرك يديه في الماء ، فيأتي به الصبيان ، يأتون بهذا الماء ثم ينطلقون به إلى أهليهم يتبركون بأثر النبي صلى الله عليه وسلم .
وكانوا أي الصحابة إذا توضأ النبي عليه الصلاة والسلام كادوا يقتتلون على وَضوئه ، على فضل الماء يتبركون به ، ويأخذون من عرقه ، ويأخذون من شعره ، حتى كان عند أم سلمة إحدى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإحدى أمهات المؤمنين عندها جُلجل من فضة يعني مثل الطابوب ، فيه شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم يستشفى بها المرضى ، أو يستشفون بها ، يعني يأتون بشعرتين أو ثلاثة من شعرات الرسول عليه الصلاة والسلام يضعونها في ماء ثم يحركونها من أجل أن يتبركوا بهذا الماء ، لكن هذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام .
الفائدة الثانية مِن التمر الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحنك الصبيان : أن التمر فيه خير وبركة ، وفيه فائدة للمعدة ، فإذا كان أول ما يصيب الطفل أو أول ما يصل إلى معدته من التمر كان ذلك خيرًا للمعدة ، فحنكه الرسول عليه الصلاة والسلام ودعا له بالبركة ، والشاهد من هذا الحديث أن أم سُليم قالت لأبي طلحة : ( احتسب ابنك ) يعني : اصبر على ما أصابك من فقده ، واحتسب الأجر على الله ، والله الموفق .