شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة ، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة ، فغزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حر شديد ، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا ، واستقبل عددا كثيرا ، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجههم الذي يريد ، والمسلمون مع رسول الله كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ - يريد بذلك الديوان - قال كعب : فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى به ما لم ينزل فيه وحي من الله ، وغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال ، فأنا إليها أصعر ، ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
هذا قطعة مِن حديث كعب بن مالك رضي الله عنه الطويل ، وسبق أنه قال : أنه لم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في بدر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج لغزو ، وإلا في تبوك الذي ذكر حديثه رضي الله عنه ، يقول رضي الله عنه : ( إنه لم يكن في غزوة أقوى ولا أيسر من تلك الغزوة ) يعني : غزوة تبوك ، كان قوي البدن ، ياسر المال حتى إنه كان عنده راحلتان لتلك الغزوة ، وما جمع راحلتين في غزوة قبلها أبدا وقد استعد وتجهز رضي الله عنه ، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها ) يعني : أظهر خلاف ما يريد ، وهذا من حكمته صلى الله عليه وسلم وحنكته في الحرب ، لأنه لو أظهر وجهه تبين ذلك لعدوه ، فربما يستعد له أكثر ، وربما يذهب عن مكانه الذي قصده النبي صلى الله عليه وسلم فيه ، فكان مثلا إذا أراد أن يخرج إلى الجنوب ورَّى وكأنه يريد أن يخرج إلى الشمال ، أو أراد أن يخرج إلى الشرق ورَّى وكأنه يريد أن يخرج إلى الغرب ، حتى لا يطَّلع العدو على أسراره إلا في غزوة تبوك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرها ، ووضحها وجلاها لأصحابه ، وذلك لأمور أولا : أنها كانت في شدة الحر ، حين طاب الثمار ، والنفوس مجبولة على الركون إلى الكسل وإلى الرخاء .
ثانيا : أن المدى بعيد ، بعيد من المدينة إلى تبوك مفاوز ، رمال وعطش وشمس.
ثالثا : أن العدو كثير ، أعداؤهم كثيرون وهم الروم اجتمعوا في عدد هائل حسب ما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ، فذلك جلى أمرها ووضح أمرها ، وأخبر أنه خارج إلى تبوك إلى عدو كثير ، وإلى مكان بعيد ، حتى يتأهب الناس ، فخرج المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يتخلف إلا من خذله الله بالنفاق ، أو ثلاثة رجال فقط هم : كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية رضي الله عنهم ، هؤلاء من المؤمنين الخُلَّص لكن تخلفوا لأمر أراده الله عز وجل ، أما غيرهم ممن تخلف فإنهم منافقون منغمسون في النفاق نسأل الله العافية ، فخرج النبي عليه الصلاة والسلام بأصحابه وهم كثير إلى جهة تبوك حتى نزل بها هناك ، ولكن الله تعالى لم يجمع بينه وبين عدوه ، بل بقي عشرين يوما في ذلك المكان ثم انصرف على غير حرب ، ويأتي إن شاء الله بقية القصة .