شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة هرقل قال هرقل فماذا يأمركم يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو سفيان قلت يقول اعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقله عن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه ، وكان أبو سفيان مشركا لم يسلم إلا متأخرا ، وفيما بين صلح الحديبية وفتح مكة ، وصلح الحديبية كان في السنة السادسة من الهجرة ، وفتح مكة كان في السنة الثامنة من الهجرة ، قدم أبو سفيان ومعه جماعة من قريش إلى هِرَقْل في الشام ، وهرقل كان ملك النصارى في ذلك الوقت ، وكان قد قرأ في التوراة والإنجيل وعرف الكتب السابقة ، وكان ملكا ذكيا ، فلما سمع بهم أي بأبي سفيان ومن معه وهم قادمون من الحجاز ، دعا بهم وجعل يسألهم عن حال النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن نسبه ، وعن أصحابه ، وعن توقيرهم له وعن وفائه صلى الله عليه وسلم ، وكلما ذكر شيئا أخبروه ، عَرَف أنه النبي الذي أخبرت به الكتب السابقة ، ولكنه والعياذ بالله شحَّ في ملكه فلم يسلم للحكمة التي أرادها الله عز وجل ، لكنه سأل أبا سفيان عما كان يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر بأنه : ( يأمرهم أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ) : يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ، فلا يعبدوا غير الله لا ملكا ولا رسولا ولا شجرا ولا حجرا ولا شمسا ولا قمرا ولا غير ذلك ، العبادة لله وحده ، وهذا الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاءت به الرسل كلهم ، كل الرسل جاؤوا بهذا التوحيد ، قال الله تعالى : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ )) ، وقال تعالى : (( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )) : اعبدوا الله واجتنبوا الشرك ، هذه دعوة الرسل .
فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بما جاءت به الأنبياء من قبله بعبادة الله وحده لا شريك له ، ( ويقول : اتركوا ما كان عليه آبائكم ) : انظر كيف الصدع بالحق ، اتركوا ما كان عليه آباؤكم ، كلما كان عليه آباؤهم من عبادة الأصنام أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بتركه ، وأما ما كان عليه آباؤهم من الأخلاق الفاضلة فإنه لم يأمرهم بتركه كما قال الله تعالى : (( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا )) فقال الله تعالى مكذبا لهم : (( قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ )) .
فالحاصل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَ أُمته الذين باشر دعوتهم أن يدعوا ما كان عليه آباؤهم يعني : من الإشراك بالله ، وكان يأمرنا بالصلاة ، الصلاة التي هي صلة بين العبد وبين ربه ، وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وبها يتميز المؤمن من الكافر ، فهي العهد بيننا وبين المشركين والكافرين ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) يعني : كفر كفرا مخرجا عن الملة ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ) : فهذا حد فاصل بين المؤمنين وبين الكافرين .