شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن أبي خالد حكيم بن حزام رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذباً وكتما محقت بركة بيعهما ) . متفق عليه. حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما نقل عن حكيم بن حزام رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعها وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما ) البيعان : يعني البائع والمشتري ، ولكنه أطلق عليهما اسم البيع من باب التغليب ، كما يقال : القمران للشمس والقمر ، ويقال : العمران لأبي بكر وعمر ، فالبيعان يعني البائع والمشتري ، ( بالخيار ) : يعني كل منهما يختار ما يريد ، ( ما لم يتفرقا ) يعني ما داما في مكان العقد لم يتفرقا ، فإنهما بالخيار ، مثاله : رجل باع على آخر سيارة بعشرة آلاف فما داما في مكان العقد لم يتفرقا فهما بالخيار إن شاء البائع فسخ البيع وإن شاء المشتري فسخ البيع .
وذلك من نعمة الله سبحانه وتعالى وتوسيعه على العباد ، لأن الإنسان إذا كانت السلعة عند غيره صارت غالية في نفسه ، يحب أن يحصل عليها بكل وسيلة ، فإذا حصلت له ربما تزل رغبته عنها ، لأنه أدركها ، فجعل الشارع له الخيار لأجل أن يتروى ويتزود بالتأني والنظر ، فما دام الرجلان البائع المشتري لم يتفرقا فهما بالخيار لو بقيا عشر ساعات ، لو باع عليه السلعة في أول النهار ، وبقيا مصطحبين إلى الظهر فهما بالخيار ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما لم يتفرقا ) ، في حديث ابن عمر : ( أو يخير أحدهما الآخر ) يعني : أو يقول أحدهما للثاني : الخيار لك وحدك ، فحينئذ يكون الخيار له وحده والثاني لا خيار له .
أو يقولا جميعا يتبايعا على ألا خيار ، فيقولان : ليس بيننا خيار ، فالصور الآن أربعة :
إما أن يثبت الخيار لهما وذلك عند البيع المطلق الذي ليس فيه شرط ، يكون الخيار لهما للبائع والمشتري ، كل منهما له الحق أن يفسخ العقد .
وإما أن يتبايعا على ألا خيار لواحد منهما ، وحينئذ يلزم البيع بمجرد العقد ، ولا خيار لأحد .
وإما أن يتبايعا على أن الخيار للبائع وحده دون المشتري ، فهنا يكون الخيار للبائع والمشتري لا خيار له .
وإما أن يتبايعا على أن الخيار للمشتري والبائع لا خيار له ، وحينئذ يكون الخيار للمشتري وليس للبائع خيار ، وذلك أن هذا الحق وهو الخيار للبائع والمشتري حق لهما ، فإذا رضي بإسقاطه أو رضي أحدهما دون الآخر فالحق لهما لا يعدوهما ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا ) ، وقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( ما لم يتفرقا ) : لم يبين التفرق ، ولكن المراد التفرق بالبدن ، يعني ما لم يفترقا أحدهما عن الآخر ، فإن تفرقا بطل الخيار ولزم البيع ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ) وهذا هو الشاهد للحديث للباب ، لأن الباب باب الصدق : ( إن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ) إن صدقا في أي شيء وبينا أي شيء ، إن صدقا في ما يصفان السلعة به من الصفات المرغوبة ، وبينا فيما يصفان به السلعة من الصفات المرهوبة المكروهة ، فمثلا : لو باع عليه هذه السيارة وقال هذه السيارة جديدة ، موديل كذا ونظيفة وفيها كذا وكذا وكذا يمدحها بما ليس فيها ، نقول : هذا كذب ، كَذَب فيما قال ، وإذا باعه السيارة وفيها عيب ولم يخبره بالعيب نقول هذا كتم ، ولم يبين ، والبركة في الصدق والبيان ، والفرق بين الصدق والبيان أن الصدق فيما يكون مرغوبا من الصفات ، والبيان فيما يكون مكروها من الصفات .
فكتمان العيب هذا ضد البيان ، وصف السلعة بما ليس فيها هذا ضد إيش ؟ ضد الصدق ، كذلك مثلا يبيع عليه شاة ، يقول : هذه الشاة لبنها كثير ، فيها كذا وكذا من اللبن وهو يكذب ، هذا ضد الصدق لأنه وصف السلعة بصفات مطلوبة مرغوبة . باع عليه شاة وفيها مرض ، مرضا غير بيّن ، لكنه كتمه ، نقول : هذا لم يبين فالبيان إذًا للصفات المكروهة والصدق في الصفات المطلوبة ، إذا وصفها بما ليس فيها من الصفات المطلوبة فهذا قد كذب ولم يصدق . إذا كتم ما فيها من الصفات المكروهة فهذا كتم ولم يبين.
ومن ذلك ما يفعله بعض الناس الآن نسأل الله العافية يجعل الطَّيب من المال فوق والردي أسفل ، هذا لم يبين ، بل نقول : لم يبين ولم يصدق أيضا ، لم يبين لأنه ما بين التمر المعيب ، ولم يصدق لأنه أظهر التمر بمظهر طيب وليس كذلك .
ومن هذا ما يفعله بعض الذين يبيعون السيارات ، يبيعونها في المعارض والبائع ، يبيعونها في المعارض والبائع يعلم علم اليقين أن فيها عيبا لكن يكتمه ، ويقول للمشتري : اصبر بكل عيب فيها ، فيصبر المشتري ، لكن لو يعين له العيب يقول : ترى فيها العيب الفلاني ما اشتراها ، إنما يلبسون على الناس ويقول : أنا بعتها عليك ترى فيها كل عيب ترى ما بعت عليك إلا الكفرات ولا لمبات الإضاءة ، وهو يكذب ، يدري أن فيها عيب لكن لا يعلمه ، هذا حرام لا على الدلال الذي هو صاحب المعرض ، ولا على مالك السيارة ، يجب أن يبين يقول : فيها العيب الفلاني ترضى ولا ما ترضى ، أما إذا كان الإنسان لا يدري عنها مثل أن تكون سيارة اشتراها من قريب ولا يدري عن عيوبها ، فهذا لا بأس أن يبيعها ويشترط أنه بريء من كل عيب ، والله الموفق .