شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... وقال الله تعالى (( وهو معكم أين ما كنتم )) وقال تعالى (( إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء )) ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب المراقبة " أي : مراقبة الإنسان لربه ، وهو شامل -كما سبق- شامل لأمرين : أحدهما أن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى رقيب عليك ، لا يخفى عليه شيء من أمرك لا في السراء ولا في الضراء ولا في السر ولا في العلانية ، على كل حال . الثاني : أن تراقب ربك أنت بحيث تقوم بطاعته امتثالا للأوامر واجتنابا للنواهي ، وإلى هذين المعنيين يشير قوله صلى الله عليه وسلم حينما سأله جبريل عن الإحسان قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، وسبق لنا الكلام على قوله تعالى : (( الذي يراك حين تقوم وتقلبَكَ في الساجدين )) .
ثم قال المؤلف -رحمه الله- : " وقوله : (( وهو معكم أين ما كنتم )) " : هو الضمير يعود على الله ، يعني أن الله سبحانه وتعالى مع عباده أين ما كانوا في بر أو بحر أو جو ، وفي ظلمة وفي ضياء وفي أي حال ، هو معكم أين ما كنتم في أي مكان كنتم من بَر أو بحر أو جو أو غير ذلك ، وهذا يدل على كمال إحاطته عز وجل ، كمال إحاطته بنا عِلما وقدرة وسلطانا وتدبيرا وغير ذلك ، ولا يعني أنه سبحانه وتعالى معنا في نفس المكان الذي نحن فيه ، لأن الله فوق كل شيء كما قال تعالى : (( الرحمن على العرش استوى )) ، وقال : (( وهو القاهر فوق عباده )) ، وقال تعالى : (( أأمنتم من في السماء )) ، وقال : (( وهو العلي العظيم )) ، وقال : (( سبح اسم ربك الأعلى )) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على أنه سبحانه وتعالى فوق كل شيء ، لكنه عز وجل ليس كمثله شيء في جميع نعوته وصفاته ، هو عليٌّ في دُنوّه قريب في علوه جل وعلا ، كما قال تعالى : (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ )) ، ولكن يجب أن نعلم أنه ليس في الأرض ، لأننا لو توهمنا هذا لكان فيه إبطال لعلو الله سبحانه وتعالى ، وأيضا فإن الله تعالى لا يسعه شيء من مخلوقاته : (( وسع كرسيه السماوت والأرض )) ، الكرسي محيطٌ بالسموات والأرض كلها ، والكرسي هو موضع القدمين قدمي الرحمن عز وجل ، والعرش أعظم وأعظم ، كما جاء في الحديث : ( أن السموات السبع والأرضين السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض ) : إيش الحلقة ؟ حلقة المغفر الصغيرة ، ألقيت في فلاة من الأرض : في مكان متسع ، نسبة هذه الحلقة إلى الأرض الفلاة ليست بشيء ، قال : ( وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة ) : أعظم وأعظم فما بالك بالخالق جل وعلا ، الخالق سبحانه وتعالى لا يمكن أن يكون في الأرض ، لأنه سبحانه وتعالى أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته ، (( وهو معكم أين ما كنتم )) : واعلم أنَّ المعية التي أضافها الله إلى نفسه تنقسم بحسب السياق والقرائن : فتارة يكون مقتضاها الإحاطة بالخلق عِلما وقدرة وسلطانا وتدبيرا وغير ذلك ، مثل هذه الآية : (( وهو معكم أين ما كنتم )) ومثل قوله تعالى : (( مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أين ما كانوا )) .
وتارة يكون المراد بها التهديد والإنذار كما في قوله تعالى : (( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً )) فإن هذا تهديد وإنذار لهم أن يبيتوا ما لا يرضى من القول يكتمونه عن الناس يظنون أن الله لا يعلم ، والله سبحانه وتعالى عليم بكل شيء ، وتارة يراد بها النصر والتأييد والتثبيت وما أشبه ذلك ، مثل قوله تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ )) ، وكما في قوله تعالى : (( فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ )) ، والآيات في هذا كثيرة ، وهذا القسم وهو الثالث من أقسام المعية تارة يضاف إلى المخلوق بالوصف ، وتارة يضاف إلى المخلوق بالعين ، تارة يضاف إلى المخلوق بالوصف ، وتارة يضاف إلى المخلوق بالعين : يعني بعينه (( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ )) : هذا مضاف إلى المخلوق بإيش ؟
الطالب : بالوصف .
الشيخ : بالوصف ، (( مع الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ )) أي إنسان يكون كذلك فالله معه .
وتارة يكون مضافا إلى المخلوق بالعين بعين الشخص مثل قوله تعالى : (( إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )) : هذا مضاف إلى الشخص بعينه ، معية هذه للرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر رضي الله عنه ، هما في الغار ، لما قال أبو بكر للرسول عليه الصلاة والسلام : ( يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا ) : لأن قريشًا كانت تطلب الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر بكل جد ، ما من جبل إلا صعدت عليه ، وما من واد إلا هبطت فيه ، وما من فلاة إلا بحثت ، وجعلت لمن يأتي بالرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر مئتي بعير ، مئة للرسول ومئة لأبي بكر ، وتعب الناس يطلبونهما ، ولكن الله معهم ، حتى وقفوا على الغار ، وقفوا على الغار يقول أبو بكر : ( لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا ، فيقول له الرسول عليه الصلاة والسلام : لا تحزن إن الله معنا ، فما ظنك باثنين الله ثالثهما ) : والله ظننا أنه لا يغلبهما أحد ولا يقدر عليهما أحد ، وفعلا هذا الذي حصل ما رأوهما ، ما رأوهما مع عدم المانع ، ما في مانع ، لا فيه عش كما يقولون ، ولا فيه حمامة وقعت على الغار ، ولا فيه شجرة نبتت في فم الغار ، ما فيه إلا عناية الله عز وجل الله معهما ، وكما في قوله تعالى لموسى وهارون لما أمر الله موسى وأرسله إلى فرعون هو وهارون : (( قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى )) الله أكبر !! (( إِنَّنِي مَعَكُمَا )) : إذا كان الله معهما هل يمكن أن يضرهما فرعون وجنوده ؟! لا يمكن ، هذه معية خاصة مقيدة بإيش ؟ بالعين ، (( إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى فأتياه )) إلى آخر الآيات .
المهم أنه يجب علينا أن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى مع الخلق لكنه فوق عرشه ، لكنه فوق عرشه ولا يساميه أحد في صفاته ، ولا يدانيه أحد في صفاته ، ولا يمكن أن تورد على ذهنك أو على غيرك : كيف يكون الله معنا وهو في السماء ؟! نقول : الله عز وجل لا يقاس بخلقه ، مع أن العلو والمعية لا منافة بينهما حتى في المخلوق ، فلو سألنا سائل : أين موضع القمر ؟ قلنا : في السماء ، في السماء : (( وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً )) أين موضع النجم ؟ في السماء ، واللغة العربية يقول المتكلمون فيها : " ما زلنا نسير والقمر معنا " ، " وما زلنا نسير والنجم معنا " ، مع أن القمر في السماء والنجم في السماء ، لكن هو معنا لأنه ما غاب عنا ، فالله تعالى معنا وهو عل عرشه سبحانه وتعالى فوق جميع الخلق .
طيب ما الذي تقتضيه هذه الآية بالنسبة للأمر المسلكي المنهجي ؟! تقتضي هذه الآية أنك إذا آمنت بأن الله معك فإنك تتقيه وتراقبه لأنه لا يخفى عليه عز وجل حالك ، مهما كنت لا يخفى عليك لو كنت في بيت مظلم ما فيه أحد ، ولا حولك أحد فإن الله تعالى معك ، لكن ليس في نفس المكان إنما هو محيط بك عز وجل ، لا يخفى عليه شيء من أمرك ، فتراقب الله وتخاف الله وتقوم بطاعته وتترك مناهيَه ، والله الموفق .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب المراقبة : قال الله تعالى : (( الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين )) ، وقال الله تعالى : (( وهو معكم أين ما كنتم )) ، وقال تعالى : (( إنَّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء )) ، وقال تعالى : (( إن ربك لبالمرصاد )) ، وقال تعالى : (( يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور )) ، والآيات في الباب كثيرة معلومة .
وأما الأحاديث فالأول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم ، إذ طَلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يُرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه .
وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) " .
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب المراقبة " أي : مراقبة الإنسان لربه ، وهو شامل -كما سبق- شامل لأمرين : أحدهما أن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى رقيب عليك ، لا يخفى عليه شيء من أمرك لا في السراء ولا في الضراء ولا في السر ولا في العلانية ، على كل حال . الثاني : أن تراقب ربك أنت بحيث تقوم بطاعته امتثالا للأوامر واجتنابا للنواهي ، وإلى هذين المعنيين يشير قوله صلى الله عليه وسلم حينما سأله جبريل عن الإحسان قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، وسبق لنا الكلام على قوله تعالى : (( الذي يراك حين تقوم وتقلبَكَ في الساجدين )) .
ثم قال المؤلف -رحمه الله- : " وقوله : (( وهو معكم أين ما كنتم )) " : هو الضمير يعود على الله ، يعني أن الله سبحانه وتعالى مع عباده أين ما كانوا في بر أو بحر أو جو ، وفي ظلمة وفي ضياء وفي أي حال ، هو معكم أين ما كنتم في أي مكان كنتم من بَر أو بحر أو جو أو غير ذلك ، وهذا يدل على كمال إحاطته عز وجل ، كمال إحاطته بنا عِلما وقدرة وسلطانا وتدبيرا وغير ذلك ، ولا يعني أنه سبحانه وتعالى معنا في نفس المكان الذي نحن فيه ، لأن الله فوق كل شيء كما قال تعالى : (( الرحمن على العرش استوى )) ، وقال : (( وهو القاهر فوق عباده )) ، وقال تعالى : (( أأمنتم من في السماء )) ، وقال : (( وهو العلي العظيم )) ، وقال : (( سبح اسم ربك الأعلى )) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على أنه سبحانه وتعالى فوق كل شيء ، لكنه عز وجل ليس كمثله شيء في جميع نعوته وصفاته ، هو عليٌّ في دُنوّه قريب في علوه جل وعلا ، كما قال تعالى : (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ )) ، ولكن يجب أن نعلم أنه ليس في الأرض ، لأننا لو توهمنا هذا لكان فيه إبطال لعلو الله سبحانه وتعالى ، وأيضا فإن الله تعالى لا يسعه شيء من مخلوقاته : (( وسع كرسيه السماوت والأرض )) ، الكرسي محيطٌ بالسموات والأرض كلها ، والكرسي هو موضع القدمين قدمي الرحمن عز وجل ، والعرش أعظم وأعظم ، كما جاء في الحديث : ( أن السموات السبع والأرضين السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض ) : إيش الحلقة ؟ حلقة المغفر الصغيرة ، ألقيت في فلاة من الأرض : في مكان متسع ، نسبة هذه الحلقة إلى الأرض الفلاة ليست بشيء ، قال : ( وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة ) : أعظم وأعظم فما بالك بالخالق جل وعلا ، الخالق سبحانه وتعالى لا يمكن أن يكون في الأرض ، لأنه سبحانه وتعالى أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته ، (( وهو معكم أين ما كنتم )) : واعلم أنَّ المعية التي أضافها الله إلى نفسه تنقسم بحسب السياق والقرائن : فتارة يكون مقتضاها الإحاطة بالخلق عِلما وقدرة وسلطانا وتدبيرا وغير ذلك ، مثل هذه الآية : (( وهو معكم أين ما كنتم )) ومثل قوله تعالى : (( مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أين ما كانوا )) .
وتارة يكون المراد بها التهديد والإنذار كما في قوله تعالى : (( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً )) فإن هذا تهديد وإنذار لهم أن يبيتوا ما لا يرضى من القول يكتمونه عن الناس يظنون أن الله لا يعلم ، والله سبحانه وتعالى عليم بكل شيء ، وتارة يراد بها النصر والتأييد والتثبيت وما أشبه ذلك ، مثل قوله تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ )) ، وكما في قوله تعالى : (( فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ )) ، والآيات في هذا كثيرة ، وهذا القسم وهو الثالث من أقسام المعية تارة يضاف إلى المخلوق بالوصف ، وتارة يضاف إلى المخلوق بالعين ، تارة يضاف إلى المخلوق بالوصف ، وتارة يضاف إلى المخلوق بالعين : يعني بعينه (( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ )) : هذا مضاف إلى المخلوق بإيش ؟
الطالب : بالوصف .
الشيخ : بالوصف ، (( مع الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ )) أي إنسان يكون كذلك فالله معه .
وتارة يكون مضافا إلى المخلوق بالعين بعين الشخص مثل قوله تعالى : (( إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )) : هذا مضاف إلى الشخص بعينه ، معية هذه للرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر رضي الله عنه ، هما في الغار ، لما قال أبو بكر للرسول عليه الصلاة والسلام : ( يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا ) : لأن قريشًا كانت تطلب الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر بكل جد ، ما من جبل إلا صعدت عليه ، وما من واد إلا هبطت فيه ، وما من فلاة إلا بحثت ، وجعلت لمن يأتي بالرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر مئتي بعير ، مئة للرسول ومئة لأبي بكر ، وتعب الناس يطلبونهما ، ولكن الله معهم ، حتى وقفوا على الغار ، وقفوا على الغار يقول أبو بكر : ( لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا ، فيقول له الرسول عليه الصلاة والسلام : لا تحزن إن الله معنا ، فما ظنك باثنين الله ثالثهما ) : والله ظننا أنه لا يغلبهما أحد ولا يقدر عليهما أحد ، وفعلا هذا الذي حصل ما رأوهما ، ما رأوهما مع عدم المانع ، ما في مانع ، لا فيه عش كما يقولون ، ولا فيه حمامة وقعت على الغار ، ولا فيه شجرة نبتت في فم الغار ، ما فيه إلا عناية الله عز وجل الله معهما ، وكما في قوله تعالى لموسى وهارون لما أمر الله موسى وأرسله إلى فرعون هو وهارون : (( قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى )) الله أكبر !! (( إِنَّنِي مَعَكُمَا )) : إذا كان الله معهما هل يمكن أن يضرهما فرعون وجنوده ؟! لا يمكن ، هذه معية خاصة مقيدة بإيش ؟ بالعين ، (( إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى فأتياه )) إلى آخر الآيات .
المهم أنه يجب علينا أن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى مع الخلق لكنه فوق عرشه ، لكنه فوق عرشه ولا يساميه أحد في صفاته ، ولا يدانيه أحد في صفاته ، ولا يمكن أن تورد على ذهنك أو على غيرك : كيف يكون الله معنا وهو في السماء ؟! نقول : الله عز وجل لا يقاس بخلقه ، مع أن العلو والمعية لا منافة بينهما حتى في المخلوق ، فلو سألنا سائل : أين موضع القمر ؟ قلنا : في السماء ، في السماء : (( وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً )) أين موضع النجم ؟ في السماء ، واللغة العربية يقول المتكلمون فيها : " ما زلنا نسير والقمر معنا " ، " وما زلنا نسير والنجم معنا " ، مع أن القمر في السماء والنجم في السماء ، لكن هو معنا لأنه ما غاب عنا ، فالله تعالى معنا وهو عل عرشه سبحانه وتعالى فوق جميع الخلق .
طيب ما الذي تقتضيه هذه الآية بالنسبة للأمر المسلكي المنهجي ؟! تقتضي هذه الآية أنك إذا آمنت بأن الله معك فإنك تتقيه وتراقبه لأنه لا يخفى عليه عز وجل حالك ، مهما كنت لا يخفى عليك لو كنت في بيت مظلم ما فيه أحد ، ولا حولك أحد فإن الله تعالى معك ، لكن ليس في نفس المكان إنما هو محيط بك عز وجل ، لا يخفى عليه شيء من أمرك ، فتراقب الله وتخاف الله وتقوم بطاعته وتترك مناهيَه ، والله الموفق .
القارئ : قال -رحمه الله تعالى- : " باب المراقبة : قال الله تعالى : (( الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين )) ، وقال الله تعالى : (( وهو معكم أين ما كنتم )) ، وقال تعالى : (( إنَّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء )) ، وقال تعالى : (( إن ربك لبالمرصاد )) ، وقال تعالى : (( يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور )) ، والآيات في الباب كثيرة معلومة .
وأما الأحاديث فالأول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم ، إذ طَلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يُرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه .
وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) " .