شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله ... " . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
فقد سبق لنا شيء من الكلام على معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الإيمان أن تؤمن بالله ) وذكرنا ما تيسر من ذلك ونحن نكمل أيضا ما تيسر في هذا الدرس فإن من الإيمان بالله أن تؤمن بأن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما وأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ويعلم مافي السماوات ومافي الأرض من قليل وكثير وجليل ودقيق (( إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ))
وكذلك تؤمن بأن الله تعالى على كل شيء قدير وأنه إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون مهما كان هذا الأمر وانظر وانظر إلى بعث الناس وخلق الناس، خلق الناس الناس ملايين لا يحصيهم إلا الله عز وجل وقد قال الله تعالى (( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة )) كل الخلائق خلقهم وبعثهم كنفس واحدة وقال عز وجل في البعث (( فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة )) وترى شيئا في آيات الله من آيات الله في حياتك اليومية فإن الإنسان إذا نام فقد توفاه الله كما قال تعالى (( وهو الذي يتوفاكم بالليل )) وفاة لكنها ليست وفاة تامة تفارق فيه الروح الجسد مفارقة تامة لكن مفارقة لها نوع اتصال بالبدن ثم يبعث الله النائم من نومه فيحس بأنه قد حيّ حياة جديدة وكان أثر هذا يظهر قبل أن توجد هذه الأنوار الكهربائية لما كان الناس إذا غشيهم الليل أحسوا بالظلمة وأحسوا بالوحشة وأحسوا بالسكون فإذا انبلج الصبح أحسوا بالإسفار والنور والانشراح فيجدون لذة لاقبال الليل يجدون لذة لإدبار الليل وإقبال النهار
أما اليوم فقد أصبحت فقد أصبحت الليالي والأيام كأنها في النهار فلا نجد اللذة التي كنا نجدها من قبل ولكن مع ذلك يحس الإنسان بأنه إذا استيقظ من نومه فكأنما استيقظ إلى حياة جديدة وهذه من رحمة الله وحكمته
وكذلك نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى سميع بصير يسمع كل ما نقول وإن كان خفيا قال الله تبارك وتعالى (( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون )) وقال الله عز وجل (( يعلم السر وأخفى )) يعني أخفى من السر وهو ما يكنه الإنسان في نفسه كما قال تعالى (( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه )) ما تحدثه به نفسه يعلمه الله وإن كان لم يظهر للعباد وهو عز وجل بصير يبصر دبيب النمل الأسود على الصخرة السوداء في ظلمة الليل لا يخفى عليه فإذا آمنت بعلم الله وقدرته وسمعه وبصره أوجب لك ذلك أن تراعي ربك عز وجل وألا تسمعه إلا ما يرضى به وألا تفعل إلا ما يرضى به لأنك إن تكلمت سمعك أي شيء تتكلمه يسمعك الله أي شيء تفعله يراك الله فأنت تخشى ربك وتخاف من ربك أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك وكذلك تخشى من ربك أن تسمعه ما لا يرضاه وأن تسكت عما أمرك به
كذلك إذا علمت أو إذا آمنت بتمام قدرة الله فإنك تسأله كل ما تريده مما لا يكون فيه اعتداء في الدعاء ولا تقل إن هذا بعيد إن هذا شيء لا يمكن كل شيء ممكن على قدرة الله كل شيء ممكن على قدرة الله
فها هو موسى عليه الصلاة والسلام لما وصل إلى البحر الأحمر هاربا من فرعون وقومه أمره الله أن يضرب البحر بعصاه فضربه فانفلق اثني عشر طريقا كان الماء بين هذه الطرق كالجبال وفي لحظة يبس البحر وصاروا يمشون عليه كأنما يمشون على صحراء لم يصبها الماء أبدا بقدرة الله سبحانه وتعالى
ويذكر أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما كان يفتح بلاد فارس ووصل إلى دجلة النهر المعروف في العراق عبر الفرس النهر مشرّقين وكسّروا الجسور وأغرقوا السفن لئلا يعبر إليهم المسلمون فاستشار رضي الله عنه الصحابة وفي النهاية قرروا أن يعبروا النهر فعبروا النهر يمشون على سطح الماء بخيلهم وإبلهم ورجلهم لم يمسهم سوء
فمن الذي أمسك هذا البحر حتى صار كالصفاء كالحجر يسير عليه الجند من غير أن يغرقوا إنه الله عز وجل الذي على كل شيء قدير
وكذلك جرى للعلاء بن حضرمي رضي الله عنه حينما غزا البحرين لما غزاها واعترض لهم البحر دعا الله سبحانه وتعالى فعبروا على سطح الماء من غير أن يمسهم سوء
والآيات آيات الله كثيرة فكل ما أخبر الله به في كتابه أو أخبر به رسوله عليه الصلاة والسلام أو شاهده الناس من خوارق العادات فإن الإيمان به من الإيمان بالله لأنه إيمان بقدرة الله سبحانه وتعالى
من الإيمان بالله سبحانه وتعالى أن تعلم أنه يراك فإن لم تكن تراه " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وهذه مسألة يغفل عنها كثير من الناس تجده يتعبد لله وكأن العبادة أمر عادي يفعلها على سبيل العادة لا يفعلها كأنه يشاهد ربه عز وجل وهذا نقص في الإيمان ونقص في العمل
ومن الإيمان بالله أن تؤمن بأن الحكم لله العلي الكبير الحكم الكوني والشرعي كله لله لا حاكم إلا الله سبحانه وتعالى وبيده كل شيء كما قال الله تعالى (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير )) فكم من ملك سلب ملكه بين عشية وضحاها وكم من إنسان عادي صار ملكا بين عشية وضحاها لأن لأن الأمر بيد الله وكم من إنسان عزيز يرى أنه غالب لكل أحد فيكون أذل عباد الله بين عشية وضحاها وكم من إنسان ذليل يكون عزيزا بين عشية وضحاها لأن الملك والحكم لله سبحانه وتعالى
كذلك الحكم الشرعي لله ليس لأحد فالله تعالى هو الذي يحلل ويحرّم ويوجب وليس أحد من الخلق له الفصل في ذلك الإيجاب والتحريم والتحليل لله ولهذا نهى الله عباده أن يصفوا شيئا بالحلال والحرام بدون إذن فقال الله تبارك وتعالى (( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إنّ الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم )) فالحاصل أن الإيمان بالله بابه واسع جدا ولو ذهب الإنسان يتكلم عليه لبقي أياما كثيرة ولكن الإشارة تغني عن طويل العبارة والله الموفق